أقطاب الائتلاف الوطني يدافعون ويبشرون ويجادلون

بينما يعلن السفير الأمريكي السابق فورد:

استقلت لأنني لم أعد قادرا على الدفاع عن سياسة حكومتي

أقطاب الائتلاف الوطني يدافعون ويبشرون ويجادلون

زهير سالم*

[email protected]

في اعترافات خطيرة ومثيرة أدلى بها السفير الأمريكي السابق في سورية  روبرت فورد ، حول استقالته التي تقدم بها منذ ثلاثة أشهر قال السيد فورد : استقلت لأنني لم أعد قادرا على الاستمرار في الدفاع العلني عن سياسة حكومتي في سورية .

موقف السيد روبرت فورد موقف نبيل  يُشكر السفير الإنسان الأخلاقي عليه . وهو موقف للقدوة من كل الذين يحاصرون في مواقع يشعرون أنهم غير قادرين على الوفاء باستحقاقاتها . فلو أن كل مسئول في موقع مسئوليته شعر بفقدان القدرة على أداء الدور المطلوب منه : إنسانيا وأخلاقيا أو مهنيا استقال أو اعتزل لما استمرت عجلة الشر في هذا العالم تدور على النحو الذي نتابعه في كل مكان هذه الأيام  ...

الاستقالة المتأخرة والمتأخرة جدا التي جاءت من الحكيم العربي الأخضر الإبراهيمي ، كم كلفت السوريين من دماء وضحايا ؟! والاستقالة التي ما زالت منتظرة من السيد بان كيمون الأمين العام للأمم المتحدة ، الذي تتم كل جرائم القتل في سورية باسمه  ، وتحت رعايته للقانون الدولي . هذا القانون الذي يزعم السيد بان كيمون أنه يعيقه عن إيصال قطرة حليب إلى شفتي طفل تتشقان وهو يجود بنفسه بين يديه ، فلا يشعر السيد بان بمعرّة ، ويظل يتفرج على المشهد مستمتعا بهيلمان الكرسي الذي يجلس عليه ..

شكرا للسفير فورد على موقفه النبيل ، على إنسانيته وأخلاقيته وترفعه وتضحيته وهو الرجل الذي قد يقال إن أبسط ما تربطه بالناس البسطاء في سورية ( صحن مسبحة ) تناوله في عاصمتهم دمشق ..

ولكن الذي يثير الحزن والأسى ويدفع إلى التأمل والتساؤل هو أنه بينما يضحي هذا الإنسان الغريب عن الأهل والدار  بموقعه وبمستقبله السياسي لأسباب إنسانية أخلاقية ( لم أعد قادرا الدفاع عن سياسة حكومتي ) ؛ فإن  أقطابا من رجال الائتلاف الوطني في سورية ما زالوا ينغمسون في الدفاع عن السياسة الأمريكية وتمويهها وتسويقها وتبنيها وتقديم أنفسهم محامي دفاع عن سياسات تسببت حتى الآن في قتل ربع مليون إنسان من أبناء جلدتهم ، وتشريد ملايين الناس وتدمير الكثير من العمران السوري ..

ليس من الحكمة الاندفاع في الحديث عن نيات الناس ودوافعهم ، ولكن المقارنة بين موقف السفير ( الغريب ) وبين كواكب السياسة المتعطشة للضوء والصورة لا بد أن تفرض نفسها على عقل الإنسان وقلبه ..

منذ أول أيام الثورة ونحن نتابع تفسيرات وتحليلات وتبريرات الطائفين بالحلم والأمل الأمريكي فلا نكاد نسمع من المتهافتين على لهب البيت الأبيض من كواكب المعارضة الهائمة في الائتلاف وغيره إلا دفاعا وتبريرا وتفهما وتسويقا وتجميلا وتزويرا في التفسير وتدليسا في الرواية .

منذ عشرة أيام تقريبا ، ويوم كانت حمص يستسلم أبطالها من جوع وليس من خوف ، وبينما كان طيران بشار الأسد يدك من مدينة حلب الأحياء في الأحياء السكنية فيدمر كل شيء ؛ كان المسمى رئيس الائتلاف الوطني ووفده الميمون يعدون الشعب السوري ( بالحشيش ) الأمريكي القادم . ولم يستح أحدهم أن يقف على الفضائيات للمرة التاسعة عشرة ربما ليعد السوريين بسلاح ( النصرة ) الأمريكي القادم !!

ليست مشكلتنا مع هؤلاء في رغاء يرغونهم مكاء وتصدية فقط بل المشكلة تتجسد في أمرين أشد خطرا على واقع هذه الثورة المباركة ومستقبلها  ...

الأمر الأول أن هؤلاء يرون في القرار الأمريكي قدرا لا يمكن تجاوزه . وإذا كان من قواعد ديننا أن ننازع الأقدر بالأقدار ، وأن نفر من قدر الله إلى قدر الله ، فإن هؤلاء يرون في القرار الأمريكي قدرا لا مفر منه ، وأن أوباما إذ يحكم لا معقب لحكمه . وقد جعلوا سماءهم سقفا أمريكيا محفوظا لا قدرة لديهم للتفكير على النفاذ منه . كما تقدموا معبرا للقرار الأمريكي في واقع شعبنا وثورتنا فهم يحملون إلى هذا الشعب كل ما يقرره الأمريكي عليهم ويعيدون تعليبه وتسويقه وتمريره شاء هذا الشعب أو أبى ، وكلما اعترض معترض عليهم بكلمة قالوا لنا : أنتم لا تعلمون ..أنتم لا تعرفون ..  

والأمر الخطير الثاني هو أن هؤلاء  قد عطلوا في شخوصهم ملكات التفكير والتقدير ، وشلوا أنفسهم عن الحركة والضرب في الأرض ، وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ، وقصروا قيادتهم على الانتظار العاجز البائس الذي يذكرك أكثر ما يذكرك بالملامتية من تنابلة التكايا في زمن السلاطين ...

استقال السفير فورد ، ضحى بموقعه لعدم قدرته على الوقوف أمام المرآة حاملا عبء سياسة أوباما التي عنها يدافع ولها يروج وبنصرها يبشر من يدعون أنهم ثوريون سوريون ...!!!

ولله الأمر من قبل ومن بعد ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية