بمناسبة اليوم العالمي للمرأة: إنصاف المرأة لا تحريرها

د. أحمد محمد كنعان

يحتفل العالم يوم ٨ آذار من كل عام باليوم العالمي للمرأة، وهذا اليوم من آذار مرتبط عندنا نحن السوريين بأكبر نكبة أصابتنا في العصر الحديث ، وهي الانقلاب العسكري الذي تسلط فيه "حزب البعث" على سوريا، وحكمنا بالحديد والنار وأوصلنا في ولاية " حافظ الأسد" ومن بعده ولده "بشار" إلى التدمير الشامل !!

وهذا التوافق بين يوم المرأة العالمي ، ومصيبتنا بحزب البعث يجعلني في حيرة من أمري، فعلى أي الحدثين أحكي اليوم، وكلا الحدثين ينطويان على ذكريات مؤلمة ويثيران في نفسي الكثير من الشجون، فأي الحدثين اليوم أولى بالحديث، لكني احتراما للمرأة سوف أخصص مقالتي هذه للحديث عن عيدها السنوي، وأرمي حزب البعث وتاريخه العفن خلف ظهري، بل هو في الحقيقة أمسى في مزبلة التاريخ ( عفواً من قرائي الكرام لذكر المزابل التي يرد ذكرها كلما ذكر البعث) فقد استطاع ربيع الشام أن يستأصل عائلة الشر هذه التي تنتمي زوراً وبهتاناً إلى "ملك الغابة" بينما هي في الحقيقة تنتمي إلى "قانون الغابة" وهذه حكاية أخرى سوف نعود للحديث عنها في مناسبة مقبلة إن شاء الله تعالى.

 ونواصل الحديث الآن عن " الخانم" التي اتفق العالم على الاحتفال سنوياً بإلإنجازات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحققت لها، أو حققتها هي في عصرنا الراهن.

ويذكر أن الاحتفال بهذه المناسبة بدأ في عام ١٩٤٥ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، في أعقاب أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي في باريس، بينما يرى باحثون آخرون أن "اليوم العالمي للمرأة" تقرر إثر إضرابات نسائية واسعة وقعت في الولايات المتحدة في النصف الأول من القرن الماضي (!؟) وسريعاً ما وصلت أصداء هذه الفكرة وتلك المؤتمرات إلى ديارنا العربية، فبدأ بعض الباحثين والناشطين العرب يتحدثون عن المرأة العربية وما تعانيه من جور وما يحيق بها من حيف يهضم حقوقها!!

ولعل من أوائل الذين تصدوا لهذه القضية الكاتب المصري قاسم أمين ( ١٨٦٣- ١٩٠٨) الذي نشر كتابه ذائع الصيت ( تحرير المرأة) في عام ١٨٩٩ ونفى فيه أن يكون حجاب المرأة من الإسلام، واعترض على أحكام  تعدد الزوجات والطلاق كما وردت في الفقه الإسلامي، ودعا إلى الاختلاط بين الجنسين وإلى إعطاء المرأة حريتها في الخروج للعمل والمشاركة في الشأن العام ، والسياسي بخاصة، وقد قوبلت طروحاته في حينها بالكثير من النقد والاستهجان من قبل علماء الإسلام، لكنه أصر على آرائه، وعزز مواقفه بإصدار كتاب آخر، هو (المرأة الجديدة) في عام ١٩٠١، مؤكداً إصراره على مواقفه، لكن - ويا للغرابة - ندم قاسم أمين في أواخر حياته على كل ما طرحه من أفكار وتنصل منها في حديث أجرته معه صحيفة "الطاهرة" المصرية في عام ١٩٠٦ !!!

ومن الذين نادوا بتحرير المرأة كذلك الناشطة المصرية هدى شعراوي (١٨٧٩- ١٩٤٧) التي لم تكتف بالكلام وإنما لجأت للفعل، ففي عام ١٩٢١ خلال خروج المصريين لاستقبال زعيم الأمة " سعد زغلول" عند عودته من المنفى خلعت هدى حجابهاعلانية أمام الناس وألقت به أرضاً وداسته بقدمها هي وسكرتيرتها سيزا نبراوي، وقد لاقت فعلتها هذه تشجيعاً كبيراً من زعيم الأمة (!!؟) وآخرين من أصحاب السلطة على أن توسع هدى نشاطها، فانطلقت تتحرك على المستوى الدولي ، فشاركت مشاركة واسعة في أول مؤتمر دولي للمرأة عقد في روما عام ١٩٢٣تحت رعاية  زعيم إيطاليا الفاشي "موسوليني" وفور عودتها إلى مصر رتبت لعقد مؤتمر نسوي أسفر عن تأسيس "الاتحاد النسائي المصري" الذي أعلن عنه رسمياً في عام ١٩٢٧، وهو أول مؤتمر نسائي عربي سارت على منواله بقية الدول العربية التي سارعت إلى تأسيس اتحادات نسائية مماثلة !!!

 وقد شجعت هذه النتائج هدى ومن على شاكلتها لتأسيس "الاتحاد النسائي العربي" في عام ١٩٣٥، وشغلت هدى رئاسته، وفي عام ١٩٤٤ دعت هدى إلى عقد أول مؤتمر نسائي عربي، أسفر عن عدة قرارات كان لها تأثير واسع في تغيير قوانين " الأحوال الشخصية" في العديد من البلدان العربية والإسلامية، منها :

- المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في الحقوق السياسية . - تقييد حق الطلاق . - الحد من سلطة الوليّ، وجعلها مماثلة لسلطة الوصيّ . - تقييد تعدد الزوجات إلا بإذن من القضاء، وتحديده  بحالات العقم أو المرض غير القابل للشفاء - الجمع بين الجنسين في المدارس في مرحلتي الطفولة والتعليم الابتدائي .

ولم يكتف المؤتمر بكل هذه المطالب، بل تجاوز ذلك الى مطالبة عجيبة، تقدم فيها إلى "مجمع اللغة العربية" بالقاهرة لحذف نون النسوة من اللغة العربية، وهو بلا ريب طلب ينطوي على شطط مبالغ فيه، لا أعتقد أن أحداً في العالم من الناشطين في مجال المرأة قد تجرأ على مثله قط !!!

ولم تكن هدى الشعراوي وقاسم أمين الناشطين الوحيدين في هذا المجال وإنما ساهم في ذلك عدد غير قليل من المفكرين والصحفيين وأصحاب السلطة، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر : سعد زغلول وزوجته صفية زغلول، والكاتبة سهير القلماوي، والإمام محمد عبده، والمفكر السياسي أحمد لطفي السيد ، والطبيبة الروائية نوال السعداوي، وغيرهم ، وهؤلاء كلهم نشطوا في مصر ، ومن الذين نشطوا في العمل النسائي كذلك عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي، والكاتبتان السوريتان كوليت خوري، وغادة السمان، والكاتبة اللبنانية ليلى بعلبكى ، والقائمة طويلة ...

ومهما قلنا عن شطط هؤلاء الناشطين، وما وقع فيه أكثرهم من مخالفات شرعية كانت محط ردود غاضبة ومعارضة شديدة من قبل علماء الإسلام، فإننا لا يمكن أن ننكر أثر هؤلاء في توجيه الانتباه إلى ما كانت تعانيه المرأة العربية من تهميش ، وهضم لبعض حقوقها، أحياناً بذرائع فقهية ، وأكثر الأحيان تحت ضغط التقاليد والأعراف الاجتماعية المتخلفة التي أنكرها الشرع الإسلامي الحنيف، قبل أن ينكرها هؤلاء، ومع تأكيدنا على أن الإسلام قد أنصف المرأة ، وحقق لها جملة واسعة من الحقوق التي حرمت منها في عصر الجاهلية قبل الإسلام ، نقول مع تأكيدنا على دور الإسلام في مناصرة المرأة، إلا أننا نؤكد في الوقت نفسه أن مجمل أعمال هؤلاء الناشطين - سواء وافقناها أم عارضناها- كان لها دور لا ينكر في تحقيق عدد غير قليل من حقوق المرأة التي ضاعت في خضم الحالة المتردية التي أصابت الأمة في عصورها المتخلفة!!!

 وبهذا كان لهؤلاء النشطاء في مجال المرأة فضلان :

الفضل الأول : إبراز قضايا المرأة العربية ووضعها تحت الضوء .

والفضل الثاني : دفع عدد من الباحثين الإسلاميين للاهتمام بقضايا المرأة المسلمة في ضوء التغيرات الاجتماعية الواسعة التي طرأت على العالم في العصر الحديث، ما جعل الباحثين الإسلاميين يقدمون الى المكتبة الإسلامية مؤلفات قيمة ساهمت بإنصاف المرأة  العربية المسلمة، وتحقيق العديد من مكاسبها، وفتح الباب أمامها لكي تساهم في البناء ، وتقف إلى جانب الرجل بجدارة في بناء المجتمع وفي الدفاع  عن الأمة بمواجهة الأخطار التي تهددها!!!

ونعتقد أن جزءاً كبيراً من الهجوم الذي واجه رائد تحرير المرأة قاسم أمين وبقية النشطاء في العمل النسائي، يرجع إلى الشكل أكثر من المضمون، فقد طرح قاسم أمين القضية تحت عنوان ( تحرير المرأة ) ما جعل القضية تفهم على غير حقيقتها، فهذا العنوان الملتبس أثار موقفاً رافضاً من غالبية المسلمين الغيورين على دينهم، حتى قبل مناقشة القضية، فقد لاح للوهلة الأولى أن الهدف من هذه الطروحات هو تحرير المرأة من الضوابط التي قررتها الشريعة الإسلامية، وهذا ما جعل عامة المسلمين - ناهيك عن علمائهم- ينظرون إلى القضية نظرة شك وريبة، ووقفوا منها موقف الرفض، بينما القضية في أصلها دعوة إلى تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي تظلم المرأة، وهي مفاهيم يرجع أغلبها إلى تقاليد وأعراف اجتماعية بالية يرفضها الإسلام قبل أن يرفضها دعاة تحرير المرأة!!!

ونعتقد أن القضية لو طرحت على أنها تصحيح لتقاليد وأعراف اجتماعية خاطئة لتغير الموقف منها، أما وأن القضية ظهرت على أنها تحرير من بعض الضوابط الشرعية التي يقررها الإسلام فليس غريباً أن تلاقي الرفض والاستنكار ، لأن الإسلام أنصف المرأة وحقق لها الكثير من الحقوق التي حرمت منها في الجاهلية قبل الإسلام، وقرر تشريعات عديدة تستهدف تحقيق التكامل بين الجنسين، وليس المساواة بينهما كما يريد بعض الناشطين، لما بين الجنسين من فوارق تأبى المساواة بينهما، وهي فوارق لا ينكرها إلا جاهل بطبيعة كل منهما ... فتأمل !!!؟

وسوم: العدد 665