التغميس بالصحن وإشكالاته

د. محمد أحمد الزعبي

التغميس بالصحن وإشكالاته

د. محمد أحمد الزعبي

يشير عنوان ، و موضوع هذه المقالة ( أي إشكالات قول الحقيقة عارية وكاملة ، والذي عبرنا عنه  بـ " التغميس بالصحن ") ، إلى أن الصراعات المتعلقة بالربيع العربي عامة ، وبربيع دمشق خاصة مازالت غير واضحة وغير محسومة ، وبالتالي فإن هنالك " إشكالية " تواجه الكاتب حول ماجرى ويجري في سورية ، ألا وهي محاولة التوفيق بين مقولتي " قل الحق ولو كان مراًّ " ، من جهة ، ومقولة " ماكل مايعرف يقال " من جهة أخرى ، وهو أمر في غاية الصعوبة والتعقيد ، ذلك أن هذه المحاولة ، التي تبدو ممكنة  إلى حد ما ،لايمكنها أن تلغي ، لاإمكانية عدم الدقة في المعلومة غيرالموثّقة والتي سندها ومرجعيتها هو فقط " الذاكرة "، ولا حرمان من يتعلق به أمرهذه المعلومة  من حقه في تصويب الخطأ ( إن وجد )، وفي الدفاع عن نفسه ، وخاصة إذا لم يعد هذا الشخص على قيد الحياة أصلاً . ولذلك فإنني سوف أحاول خلال معالجتي لهذه الإشكالية ،التوفيق والجمع بين قول ماأتمنى أن يكون هوالحق ، وبين مقولة  ليس كل مايعرف يقال . ولهذا فسأكتفي هنا بتحديد العناصرالتي تنطوي على  مانعتقده " الإشكاليات " التي تقف بتقديرنا وراء وأمام ضعف أداء المعارضة السورية ، طيلة  سنوات الثورة ( ثورة 18.03.2011 ) ، والتي تسببت بهذا الاستعصاء الذي سمح لمجرم النظام الأكبر ( بشار ) أن يرشح نفسه لولاية ثالثة ، يستطيع خلالها أن يستكمل دوره ودورعائلته القذر، في تدمير سوريا ، وتشريد شعبها ، أي القيام بنفس الدورالذي قامت وتقوم به إسرائيل في فلسطين منذ الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم .

إن الموضوع الذي ستدور حوله هذه المقالة  إذن ، هو تحديد الإشكاليات التي تطفوعلى سطح ربيع دمشق والتي تتمثل ــ من وجهة نظرنا ــ  بموقف فصائل المعارضة في الداخل والخارج :  أولاً ، من بعضها بعضاً ، وثانياً ، من القوى الخارجية المحسوبة على الثورة  ، وثالثاً من القوى الداخلية والخارجية المؤيدة للنظام ، سواء بالقول أو بالفعل أو بهما معاً .

تتمثل الإشكالات المتعلقة بالنقطة الأولى (العلاقات البينية داخل المعارضة )  بـ :

1 الخلاف بين التيارين الكبيرين في المعارضة : الإسلامي والعلماني ،

2 الخلاف ضمن التيار الإسلامي بين المتطرفين ، والمعتدلين ،

3 الخلاف ضمن التيار العلماني بين القوميين ، واليساريين ، والليبراليين ،

4 الخلاف ضمن الثورة بين المدنيين والعسكريين ،

5 الخلاف ضمن الثورة بين معارضة الداخل ومعارضة الخارج ،

6 الخلاف ضمن كل من المدنيين والعسكريين  بين القيادات والقواعد .

ويتمثل الإشكال المتعلق بالمسألة الثانية  ( أصدقاء الشعب السوري ! ) بـ :

العلاقات الخاصة ( التمويل ، الولاء ) التي تربط بين بعض أطراف المعارضة ، ولا سيما القيادات ( أشخاص أو مجموعات ) وبعض أطراف من باتوا يعرفون  بـ ( أصدقاء الشعب السوري ) ، وبمن فيهم دول البترو دولار ، والذين يتصف موقفهم بالازدواجية  والحرباوية ، من حيث وقوفهم ، مع حقوق الإنسان ومع الحرية والديموقراطية قولاً ، ومع مصالحهم الاقتصادية والسياسية والثقافية فعلاً ، ولذلك فهم يقولون بألسنتهم ماليس في قلوبهم . وينطبق على دورهم هذا بالتالي المثل الشعبي  ( نسمع جعجعة ولا نرى طحناً !! ) .

ويتمثل الإشكال المتعلق بـ ( أصدقاء النظام السوري ) بصورة أساسية بـ :

> الدورالمشبوه  الذي تقوم به روسيا في مجلس الأمن الدولي ، والذي تجاوز تسليح النظام بالأسلحة الفتاكة ، إلى منع الآخرين من دعم المعارضة السورية ، ليس فقط بالمال والسلاح ، وإنما أيضاً بالغذاء والدواء . إن وضع البعض إشارة استفهام ، على العلاقة بين هذا الفيتو الروسي ، والموقف الحقيقي لدول الفيتو الأخرى من الثورة السورية ، يعتبر برأينا أمراً مشروعاً ، إلى أن يثبت العكس  .

> الدور الطائفي الذي تقوم به كل من إيران وحزب الله في سوريا ، والذي بات تفرّج وسكوت المجتمع الدولي (!!) عليه ،كما لو كان ليس تدخلاً خارجياً ، موضع تندر حتى الأطفال الصغار في سورية . أتمنى من جهتي أن تعيد ( دول الفيتو ) إذا كانت لاتساوي بين التدخل الإيراني والتدخل الروسي في سورية ، النظر في نتائج الحرب العالمية الأولى ، حيث سيصبح مثل هذا التدخل الإيراني واللبناني تدخلاً إسلامياً داخلياً وليس خارجياً ، ويمكن أن يتم التعامل معه عندها على هذا الأساس .

وفي تفكيكنا للإشكالات التي أتينا على ذكرها أعلاه ، وجدنا أنه يمكن تصنيفها إلى المجموعات الثلاثية التالية ، والتي هي تطبيقياً ثلاثيات متداخلة ومتشابكة :

+ ثلاثية أمريكا ـ روسيا ـ الاتحاد الأوروبي (تعتبر إسرائيل جزء من هذا المثلث)

+ ثلاثية بشار ـ الخامنئي ـ حسن نصر الله ،

+ ثلاثية التطرف الإسلامي ـ التطرف القومي ـ التطرف اليساري ،

+ ثلاثية الاعتدال الإسلامي ، والاعتدال القومي ، والاعتدال اليساري

+ ثلاثية  مصر ـ السعودية ـ سورية ( بشقيها : النظام والمعارضة ).

إن الإجابة المنطقية ، على التساؤلات العشر اللاحقة ، والتي لابد أن تكون (هذه  الإجابة ) بحسب قوانين المنطق الصوري ( لا..لايمكن )، إنما تعتبر توكيداً لما ذهبنا إليه من مسألة التداخل والتشابك السياسي والاقتصادي والثقافي ، بين تلك الثلاثيات التي أوردناها في الفقرة السابقة أعلاه  ، ذلك التشابك والتداخل الذي يجد انعكاسه العملي ( سلباً وإيجاباً ) ، على الساحة السورية ،لاسيما في ظل ثورة آذار

2011 ، ثورة الحرية والكرامة . هذه التساؤلات هي :

1) كيف يمكن لشخص أو جهة أن يكون / تكون  مع السيسي في مصر وضد

    بشار في سورية في الوقت الذي يعرف فيه الجميع العلاقة المصيرية بين 

    الطرفين  ( السيسي وبشار ) ؟!.  

2) كيف يمكن لشخص أو جهة ، أن يكون / تكون مع أمريكا في العراق وضدها

     في سورية ؟!.

3) كيف يمكن لشخص أو جهة أن يكون / تكون مع التدخل الخارجي في سورية

    ( التدخل الروسي ) وضده ( التدخل الأمريكي ) في آن واحد ؟!.

4) كيف يمكن لشخص أن يكون خادماً للحرمين الشريفين ويكون بنفس الوقت

    خادماً لأعداء هذين الحرمين ؟!.

5) كيف يمكن القبول بأن المجتمع الدولي قادرفي أكرانيا وعاجز في سورية ؟!.

6) كيف يمكن تصديق من لايفعل بيده ، مايقوله بلسانه ؟!.

7) كيف يمكن تصديق من لاتحتاج أكاذيبه حتى إلى تكذيب ؟!.

8) كيف يمكن لشخص أو جهة ، أن يكون / تكون مع الديموقراطية ومع

    الديكتاتورية  في أن واحد ؟!.

9) كيف يمكن لعاقل أن يصدق أن من دمر سوريا سيظل رئيساً لجمهوريتها ؟!.      

10) كيف يمكن لشخص / جهة وصل / وصلت إلى السلطة بالقوة ، أن يتخلى /

تتخلى عنها بغير القوة ؟!.

إن الإجابة الصحيحة والوحيدة على مثل هذه التساؤلات المشروعة هي كلمة " لايمكن"وإلاّ وقعت هذه الإجابة في فخ " الخلف ( بضم الخاء ) المنطقي " .

والابتعاد عن الحقيقة . والله أعلم .