هو الخامس من حزيران ..إذاً ..

ـ هل مات الخامس من حزيران فبات مجرد ذكرى ؟؟

ـ هل انتهت مفاعيله كمجرد هزيمة أم أنه ما زال حيّاً فينا وفي أوضاعنا ؟؟..

ـ نعم هو الخامس من حزيران المتجدد، هو حاضر بالأمس واليوم، ونحن ما زلنا نعيش بعض قطافه ونتائجه..

ـ كتب، وما يزال يكتب الكثير عن تلك الهزيمة الساحقة التي ألحقتها " إسرائيل" بدول الطوق الثلاث، واحتلت فيها أضعاف مساحة فلسطين، وكرّست مجموعة وقائع تمتدّ على مدار العقود بكل تفاعلاتها، وآثارها .

ـ قيل الكثير الكثير في الهزيمة على الجبهة المصرية : أسبابها ومجاهيلها . وقيل أكثر عن الذي جرى في الجبهة السورية الأكثر تحصيناً . عن الاختراق المحدود فالمتسع من القطاع الشمالي، وعن بيان إعلان سقوط القنيطرة قبل احتلالها، وتتويج ذلك ببيان الانسحاب الكيفي الذي شتت القطعات العسكرية محدثاً فيها فوضى شاملة .

ـ الاتهامات الجاهزة كثيرة، وأكثر منها رواية قصص وأحاديث عن الخيانة، والاستلام والتسليم، وموقع ودور حافظ الأسد : وزير الدفاع وقائد سلاح الطيران، آنذاك، وحتى في مسؤولية القيادة السياسية، وعجزها عن محاسبة الهاربين والمتخاذلين.. فظهور التكتل العسكري بقيادة الأسد، ثم استيلائه على السلطة بانقلاب أبيض : 13 تشرين الثاني 1970 وما عرفه البعث، والحكم، وسورية من شقلبات وتجويف وتفريغ وموضعات طائفية، وتكييف المجتمع السوري ليصبح عجينة في يد الدولة الأمنية .. وقتل الاهتمام بالسياسة والشأن العام التي اشتهر بها السوري على مرّ تاريخه .

                                        ****

ـ وقيل الكثير في شخصية حافظ الأسد، وهل كان مرتبطاً بدوائر خارجية بشكل مسبق، ينفذ ما يطلب منه ؟؟..

ـ هل كان جزءاً من مشروع ـ تنظيم ـ طائفي سرّي نجح في نخر البعث ةوالاستيلاء عليه وتطويعه، واستخدامه ستارة وممراً ووسيلة ؟؟....

ـ أم أن الأمور اتخذت مسارات " طبيعية" كان الأسد لاعباً رئيساً فيها..لإشادة مملكة الرعب والأحادية، والعائلة، والتوريث ؟؟...

ـ من يعرف الأسد عن قرب..يؤكد أن السلطة كانت عنده هدف الأهداف، وأن تلك المسحة التي كان يحرص على الظهور فيها : نوع من المَسكنة، والغباء، وحتى السذاجة، والالتزام بالحزب.. وكثير من ملامح شخصية باطنية لم تكن سوى يافطة تخفي تحتها شخصية عاشقة للحكم والسيطرة، ترتب، وتهيئ الأجواء بكل ما يلزم للوصول، وأن المبادئ ليست إلا سلّما..وأن مواصفات تلك الشخصية قابلة لكل أنواع المقايضات والسمسرات، واستخدام كل الوسائل للبقاء، وفي مقدمها توظيف الطائفة وزجّها في مواجهة الآخرين، والتوريث الذي يطرح أسئلة ثقيلة عن حيثياته وأهدافه، واللعب بالنسيج الاجتماعي لشقلبته وتلغيمه بصراعات متعددة الأشكال .

ـ شيء مهم يجب ان نقوله هنا.. أن من يكون الحكم هدف أهدافه، وأساس تركيبه واهتمامه، وعشقه.. لا يهمه أي شيء آخر سوى تأمين البقاء فيه..

ـ وعلى ذلك يمكن التأكيد أن سياسة المقايضة بالأهداف الوطنية والقومية، وبكل شيء، ومنح الضمانات المعلنة والسرية للحفاظ على الكيان الصهيوني وأمنه، والانخراط في التحالفات الغربية المشبوهة والقيام بدور وظيفي مطلوب.. هي لبّ نظام الأسد، وجوهر شخصيته التي الحكم والبلد، والمنطقة أيضاً .أرخت بظلالها على الحكم والبلد والمنطقة أيضاً . وهو ما يمكن أن يجد تفسيره ـ حتى الآن ـ بهذا الحرص الدولي على بقاء ذلك النظام حتى لو اباد جلّ الشعب السوري، وفعل السبعة وذمتها من المحرّمات الإنسانية بحق البشر، والدولة السورية ..

                                           ****

ـ وحزيران الهزيمة دشّنت عمليا نهاية المشروع الوطني، القومي النهضوي .. بغض النظر عمّا اكتنف ذلك المشروع من تشوّهات تعود ، بشكل رئيس، إلى اعتقال الحياة الديمقراطية والحريات العامة وتغييبها تماماً تحت مظلة الشمولية، والحزب الواحد القائد، والعسكرتاريا : الحاكم الفعلي.. وأن ذلك الذي حدث أنتج الانهيار، وغياب أي مشروع عربي موحد، وأطلق العنان لنظم الاستبداد، والقطرية، والأحادية، والتسول والتوسل، وفتح المجال للمشاريع الأخرى : الصهيونية والإيرانية وغيرهما لتصول وتجول في الواقع العربي، وحتى في العقول .. وصولاً إلى إحداث انشراخات عمودية قوية في المجتمعات العربية على أسس مذهبية وإثنية وغيرها .

ـ ويمكن القول بكل موضوعية أن نظام الأسد ووريثه ـ سليل الحقد والدمامل ـ نتاج طبيعي لحزيران الهزيمة . وأن ذلك النظام الذي أرسى قواعده الطاغية الأسد لا يقيم وزناً للحياة البشرية، ولا لحقوق الإنسان العادية، وأنه مستعد في بنيته، وأدواته المتعضدية لإفناء معظم الشعب السوري مقابل البقاء، ولاستخدام كل الوسائل بما فيها الإبادة والتدمير والحروب المذهبية، والاستقواء بكل الآخرين المعادين . وأنه بذلك لا يمكن أن يقبل بأية مصالحات حقيقية، وتسويات سياسية توفر الحد المقبول من مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة، وفي إقامة النظام التعددي .الديمقراطي الذي يحقق المساواة بين جميع المواطنين .

                                         ****

حزيران الهزيمة والنتاج ما تزال حاضرة فينا عبر هذا النظام الدماري الرهيب، والذي لا بد من اشتلاعه بأسسه، تراثه، ومخلفاته لفتح المجال أمام سورية الوطن، وسورية لجميع ابنائها، وسورية الحرة المتحررة، وسورية الدولة المدنية الديمقراطية..

ـ حينها...وعندما ينتصر الشعب السوري ويؤسس لجمهوريته الجديدة.. ويكرس مصالحة حقيقية تحافظ على الوحدة الوطنية الطبيعية، ويؤسس للدولة المؤسسة . الدولة الوطنية  لجميع مواطنيها التي تكرّس الفصل بين السلطات، وتقيم العدل والعدالة بين مواطنيها، يمكن القول أننا نجحنا في الردّ على الهزيمة، وفتحنا باب الولوج إلى مواجهتها فينا، وفي الواقع.

وسوم: العدد 671