الشماتة بأردوغان والنكاية به شماتة ونكاية بالمتعاطفين معه في الوطن العربي

لم يفوت المتربصون بأردوغان فرصة صلحه مع الروس، فبادروا إلى انتقاده بشدة ، واعتبروا هذا الصلح نكوصا، وركوعا، و معرة، وتعيرا عن النفاق ، واعترافا بالهزيمة أمام الدب الروسي المستأسد في بلاد الشام بطيارانه الذي يقذف المدنيين العزل بالحمم الحارقة بما فيها قنابل الفسفور والقنابل العنقودية بعلم ما يسمى العالم الحر بل بمباركته وبمشاركته ومشاركة الكيان الصهيوني العنصري . ومعلوم أن الجهات التي تستهدف أردوغان هي جهات تقلقها مرجعية حزبه الإسلامية ، ونجاح هذا الحزب في بلد علمنه مصطفى أتاتورك تنفيذا لأجندة غربية منتقمة من الدولة العثمانية، وقصة ذلك معروفة سجلها التاريخ. ومما حز في نفوس الجهات الضائقة من حزب أردوغان أنه خلص تركيا من ديونها وحولها إلى بلد يستهوي سياح العالم من كل حدب وصوب . ومعلوم أن الغرب لم يهدأ له بال ولم يغمض له جفن وتركيا تسير نحو التحرر من هيمنته السياسية والاقتصادية . ولقد مرت عقود والدول الأوروبية تقدم رجلا وتؤخر أخرى في قضية انضمام تركيا إلى منظومتها الاقتصادية بعد انضمامها لحلفها العسكري ، والسر في ترددها هو عامل الإسلام الذي يقض مضجعها لأنها كانت تعتقد أنها استأصلته بالقضاء على الأمبراطورية العثمانية  عن طريق علمنة تركيا باستخدام أتاتورك . ومشكلة أوروبا هو استمرار الإسلام في تركيا خاصة على الطريقة الأردوغانية  التي أثبتت وجودها في تربة علمانية كان الغرب يظن أنها لن تنبت الإسلام من جديد. ومعلوم أن أردوغان أثبت للعالم أن الإسلام دين حضاري بناء خلافا لما يلصقه به الغرب من تهم  باطلة خلقت ما يعرف بالإسلاموفوبيا لدى مواطنيه ، وهي قضية مفبركة من أجل منع أدنى تواصل للإنسان الغربي مع كل ما له علاقة بالإسلام مخافة تأثيره فيه .وما كاد أردوغان يحقق الاستقرار  والنمو لبلده ويخلصه من ديونه ومشاكله حتى ثارت ثائرة الغرب العلماني في علانيته والصليبي في عمقه فخطط لنسف مكتسبات تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية . واستغل الغرب الحرب في سوريا لتوريط تركيا فيها عن طريق تهجير الشاميين عبرها بل وتوظيفها لحل أزمة هجرتهم إلى أوروبا . وأمام دعم أردوغان للفلسطينيين في قطاع غزة ، وتعاطفه مع حزب الحرية والعدالة المصري الذي دبر الغرب بليل مع جهات عربية  انقلابا عسكريا  عليه ، وتعاطفه مع ثورة الشعب السوري ضد الديكتاتورية التي تجد دعما غربيا ،تم تحريك الأكراد لتوريط تركيا في حرب الشام، وذلك للإجهاز على مكتسباتها السياسية والاقتصادية . وتحولت تركيا بين عشية وضحاها من بلد مستقر أمنيا ومستقطب للسياحة العالمية بفضل إمكانياته السياحية إلى بلد تروعه الانفجارات الانتحارية التي يتبناها الانفصاليون الأكراد ،وانتقلت حرب الشام إلى تركيا عن طريق مؤامرة محبوكة الخيوط في الدوائر الغربية المتكالبة على أردوغان وحزبه . ومعلوم أن الدب الروسي خلق من إسقاط طائرته العسكرية المخترقة للمجال الجوي التركي قضية لتصفية الحساب مع بلد ينافسه سياحيا بل يستقطب مواطنيه للسياحة ولينتقم منه لموقفه المناهض للغزو الروسي لسوريا ودعمه لطاغية دموي أباد شعبه ودمر بلاده . ومن قصر النظر لدى بعض منتقدي أردوغان  اعتبار صلحه مع الروس تراجعا أو تنازلا دون أن يخطر ببالهم أن الروس اضطرهم اقتصادهم المنهار لطلب الصلح مع تركيا بعد مراجعة سياستهم التي تتحكم فيها المصالح  قبل كل شيء . فمن كان يقول بأن الرئيس الروسي سيستغل العملية الانتحارية  والتي قد تكون من تدبير المخابرات الروسية لتصفية الأجواء مع أردوغان  لفك الحصار على الاقتصاد الروسي ؟  وينتقد خصوم أردوغان أيضا  علاقة بلده بالكيان الصهيوني، علما بأن هذه العلاقة أقامها العلمانيون الأتراك قبل أردوغان، ولم يكن أحد ينتقدها من قبل . ويعتبر موقف أردوغان واضحا من القضية الفلسطينية، ولم يكن موقفه مع بريس تمثيلا مسرحيا كما يقول منقدوه ،بل كان تعبيرا صادقا عن موقف شجاع لم يقفه  غيره ممن تعنيهم القضية الفلسطينية بشكل مباشر . ولقد غاب عن منتقدي أردوغان في علاقته بالكيان الصهيوني أن العالم العربي يقيم علاقة مع الكيان الصهيوني بشكل أو بآخر ولم يصدر من زعمائه موقف كموقف أردوغان مع بريس . ولا يمكن اعتبار علاقة تركيا مع الكيان الصهيوني التي كانت قبل أردوغان وستبقى بعده بسبب ضغط العالم الغربي لعنة ستلاحق أردوغان دون غيره ويعتبرها بعض الشامتين دوسا على شهداء غزة وشهداء السفينة التركية على حد تعبيرهم . ولقد بهت الذين كانوا يتهمون أردوغان بدعم عصابات داعش الإجرامية ـ وهي عصابات من صنع المخابرات الغربية لحاجة في نفس يعقوب ـ عندما أضحت التفجيرات تهز المدن التركية  ، وهي تفجيرات فندت المزاعم القائلة بدعمه لتلك العصابات أو توفير قواعد خلفية لها ،كما أنها عبارة عن تهمة ملفقة سببها دعم أردوغان لثورة الشعب السوري على الطاغية . وما أظن الشامتين يريدون على وجه الدقة  النيل من أردوغان وحده ، بل يريدون النيل من المتعاطفين معه في العالم العربي لهذا كتب أحدهم يقول : " تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا" والمقصود بالمتبع ـ بفتح الباء ـ أردوغان  وبراءته في نظر صاحب القول هو إعادته العلاقة مع روسيا والكيان الصهيوني ، أما المقصود بالمتبع ـ بكسر الباء ـ هم المتعاطفون معه الذين نشروا فيديوهات له وهو يرتل القرآن الكريم على حد قول الذي انتقده مصنفا كخبير في السياسة الدولية، وكأن إعادة العلاقة مع الروس خيانة لهؤلاء المتعاطفين أو غدر بهم . ولا تخرج الشماتة بأردوغان عن إطار استهداف الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التي حظيت بثقة الشعوب بعد ثورات الربيع العربي، ذلك أن الثورات المضادة لثورات هذا الربيع والتي قادتها وتقودها فلول الأنظمة الفاسدة التي أطيح ببعضها ،وبإيعاز من الغرب المتوجس مما يسميه الإسلام السياسي تخوض حربا إعلامية شرسة ضد تلك الأحزاب التي تعتبر حزب العدالة والتنمية التركي نموذجا يحتذى ،وهو ما لا يقبله الغرب ليبقى النموذج التركي معزولا ، ولا يتغير الوضع القائم في الوطن العربي . والمتتبع لما ينشر على بعض مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب يلاحظ الكم الهائل من النقد لحزب العدالة والتنمية الحاكم . وقضية التشفي والشماتة من أردوغان هي في الحقيقة تشفي وشماتة بحزب العدالة والتنمية المغربي الذي اختار اسمه من حزب أردوغان تيمنا به . ويدخل هذا التشفي ضمن حملة انتخابية اندلعت من أول يوم وصل  فيه حزب العدالة والتنمية إلى مركز صنع القرار، ذلك أن الأحزاب التي هزمت أمامه في الانتخابات لم تستسغ هذا الوصول، لهذا عمدت الأقلام التي تستأجرها إلى النيل من حزب بنكيران واسمه  على وزن أسم  أردوغان ، ولا ندري هل وقع ذلك صدفة أم عن قصد تيمنا بأردوعان  كما تم التيمن باسم حزبه ؟ ومن أساليب الحملات الانتخابية كثرة انتقاد حزب بنكيران وتصيد زلاته  مع السكوت عن إنجازاته، ذلك أن المتتبع لما ينشر عنه لا يكاد يجد عبارة تنصفه ، وما يقال فيه لم يقله الإمام مالك في الخمر . ومن أساليب النيل المقصود منه نسبته إلى منهج جماعة الإخوان وهي تهمة صارت تلصق بكل من اتخذ الإسلام مرجعية وكأن الإخوان أسبق في التاريخ من الإسلام . ومن البلادة ألا ينتبه  إلى ذلك الذين  يروجون تهمة الانتماء لجماعة الإخوان لأحزاب ذات مرجعية إسلامية . ومن الغريب أن تعود أجواء الصراع السياسي الذي ساد في سبعينات القرن الماضي  من جديد ،والتي كان فيها اليسار يتهم فيها الإسلاميين بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين إلى درجة نحت عبارة " الخونجة " للتعريض بهم ، فها هي الأحزاب المنافسة لأردوغان في تركيا ، والمنافسة للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في الوطن العربي  من جديد توظف تهمة الخونجة للنيل من أردوغان ومن كان على  شاكلته  . ويبدو أن خصوم أردوغان وخصوم بنكيران ومن على شاكلتهما  لا ينتبهون إلى أسنمتهم  في حين ينتقدون سنام أردوغان وسنام بنكيران . وأخيرا ستبقى القضية في نهاية المطاف مجرد حملات انتخابية قبل الأوان يراهن عليها من انحنوا لعاصفة ثورات الربيع العربي المناهضة للفساد ، وعادوا من جديد إلى الواجهة السياسية  يروجون إعلاميا لأنفسهم كبديل لا مندوحة عنه بعد تجربة حزب العدالة والتنمية الموسومة بالفاشلة أو المتعثرة عندهم . ومما يغفل عنه المتربصون بالأحزاب ذات المرجعية الإسلامية أولا يضعونه في حسابهم أن المكر السيء يحيق بأهله .

وسوم: العدد 675