أيها المسلم

أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى

ليست مفاجأة أن تقرأ اليوم خطابا، أو تعيد قراءة خطاب أو أن تقلب النظر في موقف دون آخر، فتعرف حقيقة ما يخبأ لك. كون تلك الخطابات أو المواقف بعض من مخططاتهم التي لمّا تتكشف بعد بشكل كامل (أيها المسلم).

 و ليس مفاجأة أن تعيد قراءة التاريخ، فتقف فيه على مايريبك، من تجارب ذات مسارات مختلفة. فتفيد منها الدرس و العبرة. فكما يقولون التاريخ يعيد نفسه فضلا عن كونه جزءا من مخطط مستمر، كان ولايزال قيد التنفيذ بالرغم من كرة العصور و اختلاف الدهور. (أيها المسلم.)

 وليس مفاجأة لك أن تعرف حقيقة أنك في معركة مفروضة عليك، بأبعادها المختلفة؛ الخفية و المعلنة و أن المستهدف فيها الأول و الأخير هو انت وحدك. بالرغم من تعدد الأطراف و كثرة المشاركين في هذه المعركة، (أيها المسلم.)

 و ليس مفاجأة لك أن تعرف و أنت تخوض هذه المعركة ضد أعدائك التاريخيين، أن من بين الأعداء عرباً و مسلمين، و من المحسوبين عليك شئت ذلك أم أبيت. (أيها المسلم)

 لكن المفاجأة الكبرى في أن لاتعرف نفسك، و أن تلتبس عليك الأمور فتقف في صفوف أعدائك؛ تتقمص قمصانهم و تلبس لباسهم و تتقدم صفوفهم، دون أن تعرف أنك وحدك المستهدف (أيها المسلم.)

 ذات يوم خذل أبو عبد الله الصغير أباه، و أجبر عمه بفعاله القبيحة أن يصبح نصرانيا، و اصطف ضد المسلمين مع فريدرك و إيزابيلا؛ اللذين كانا يشنان حربا لاهوادة فيها ضد المسلمين المحاصرين في المدن الأندلسية، و لم يعرف حقيقة أنه هو المستهدف. و أن مايفعله يشكل خطرا عليه قبل غيره من الناس.و بعد السقوط حوكم الحرف العربي، و أجبر المسلمون أن يتخلوا عن دينهم، و أن يدخلوا في النصرانية، أو أن يرحلوا إلى غير رجعة من بلادهم التي عاشوا فيها أكثر من ثمانية قرون. كان ذلك و لم يدر بخلد الحاكم يومئذ ومن معه من الجهابذة غير المحترمين، أنهم المستهدفون، و أن الذي يستهدفهم لايتوقف عند حد من الحدود كائنا ما كان ذلك الحد، مادام الهدف الأول و الأخير يتمثل في القضاء عليك انت أيها المسلم.

 هذه هي الحقيقة، و هي التي يجب أن تقف عندها و الذي نريد أن نقوله ، و شكل مفاجأة لك أم لم يشكل أنك أنت المستهدف أولا وأخيرا، و لن تكون نهايتك أكرم أو أشرف من نهاية أبي عبد الله الصغير، الذي قالت له أمه و قد أجهش بالبكاء، و هو يهم بالصعود إلى السفينة التي ستقله إلى العدوةالمغربية:

أجل أيها المسلم:

 أنت مدعو لورشة عمل، أو لحفلة حوار هادئة، تفكر فيما يجب أن تفعله تجاه الامر الواقع في مواجهة أخطر عدوان يواجهك منذ العام الهجري الأول و إلى اليوم. فعدوّك يستغل ضعفك ليواجهك بالقوة، و جهلك ليواجهك بالعلم، و تفرقك ليواجهك بالاجتماع، و تنازعك ليواجهك بالاتفاق، و صلفك و غرورك ليواجهك بالعقلانية و أنت حيال ذلك ساهٍ لاهٍ، صامت ساكت، حائر خائر لا تدري ماذا عليك أن تفعل.و قد تداعى القوم من حولك تداعي الأكلة إلى قصعتها. و لم تعرف حقيقة أنك أنت المتداعى عليه( أيها المسلم).

 و عدوك بالرغم من كل هذه العيوب لا يتصرف عبثاً، و لايقدم اعتباطاً، فلديه الدوائر المختصة، التي تعد الطبخات و تنضجها، و لو أخذنا طبخته الإعلامية حسب لأدركنا حقيقة كم نحن أغبياء تجاهها!!( أيها المسلم)

 فمبطبخه الإعلامي يتم إعادة النظر فيه، ماقيل و ماسيقال، و توضع الوجبات و توصف الوصفات و تعد الاكلات و لك و لأمثالك من الجوعى.

 و لذلك ترانا نقبل على طبخاته ووصفاته إقبال السائمة. فإذا قال فليس علينا إلا التصديق. و مع أن شاعرنا القديم أسمعنا من طرائف أشعاره متهكما و ساخرا:

فإن حذام اليوم و هي خريجة( المطبخ الإعلامي الغربي) تحترم و كأنها الصديقة بنت الصديق. بالرغم من كونها مداورة مخاتلة خداعة كذابة، و ماينسب إليها أو يأتي منها لا يكون إلا في غير صالحك أنت أيها المسلم.

 و المطلوب منك و هو رجاء خاص:

أولاً- ألاّ تصدق كل مايصدر عن عدوك من أفعال أو أقوال ، و أ لا تأخذها على محمل الجد، و أن تقف منها موقف الشاك و المرتاب فلا شك أنها هادفة و أول ماتهدف إليه النيل منك أيها المسلم.

ثانياً- ألاّ يكون عدوك معقد أملك. فعلى العدو ألاّ ينتظر من عدوه غير العداء المحض، و تلك هي الحقيقة المحضة أيها المسلم.

ثالثاً- أن تعلم أن مصدر قوتك يجب أن يكون ذاتياً فالذي لايزرع القطن لا يغزل خيوطه، و قس على ذلك ماتريد من مصادر القوّة. و كل مانحن فيه من اختلال الموازين بسبب الخلل الحاصل من هذه المسألة، و هذا الخلل هو الذي أوقعك فيما أنت فيه (أيها المسلم.)

رابعاً- أن تعلم أن مايثار حولك من كلام- و هو حقيقة واقعة- مصدره ذلك العدو الذي كل مايريده منك أن تكون أضعف منه موقفاً، و هذا هو الذي حصل و يحصل لك على مدار التاريخ سيما العصر الحديث. و قد انتزع منك زمام المبادرة وراح يكيلك الصاع صاعين، و انت أعزل مكتوف اليدين لا تجيد غير التوسل، (أيها المسلم.)

خامساً- و حذار ثم حذار من تحرياته المعدة مسبقا و وصفاته الجاهزة،و هي كلها و بدون استثناء معدة لإضعافك و إحباطك، و سهولة السيطرة عليك. ففكر في ذلك جيدا و الحذر الحذر من أن تمنحه ولاءك او جنديتك، فتكون له موالياً، و دونه مقاتلاً. بل اعرف حقيقة مايراد لك و مايعد لك (أيها المسلم.)

 فالذي يقعد أمام الفضائيات، و الذي يسمع التصريحات قد تذهب به الظنون يمينا ً أو يساراً حول ما كان و ماسيكون و ما هو كائن، و في واقع الأمر ليس هناك إلا حقيقة واحدة مفادها و بصراحة أنك المستهدف أيها المسلم.

 وأعلم أن للعدو ذيولا و أتباعا و أنصارا أكثر التصاقا به من ذاته، و هؤلاء الذيول و الأتباع و هم كثيرون أشد البا عليك من عدوّك. قبيل معركة اليرموك ذهب و فد من المسلمين معهم عمرو بن العاص لمقابلة جبلة بن الأيهم ملك غسان، و لما دخلوا عليه و جدوه قد لبس الأسود، و اعتم بالأسود، فسألوه لماذا تعتم بالأسود، و العرب لاتعتم بالأسود، فقال: تعممت بها و قد آليت على نفسي ألاّ أنزعها حتى أخرجكم من الشام. كل ذلك كان انتصارا منه للملك الأعظم، وقد كان أحد أتباعه. و التاريخ يعيد نفسه، فكثير يناصبك العداء الآن أو سيناصبك مستقبلا، لا يدفعه إلى ذلك العداء إلا تبعيته المطلقة للملك الأعظم و هذا مايجب أن تعرفه أولاً أيها المسلم.

 و أخيراً إن مايجب أن تعلمه، و ان تعلمه أبناءك من بعدك أن المعركة مستمرة، و هي مقدسة وواجبة و التقصير عن المشاركة فيها، أو التخاذل دونها، أو عدم الاستعداد لها جريمة لا تعد لها جريمة، و هي الخسران المبين الذي ليس بعده خسارة ، ولا ندم بعد العدم. بل الذي سيكون الهوان الذي سيحل بك و بأبنائك من بعدك، و بالذين سيولدون من أصلابهم فهل رأيت أكثر من ذلك تفريطاً (أيها المسلم؟!) و هل بعد ذلك خسارة يمكن أن تخسرها في دنيا أو آخرة؟(أيها المسلم)

فحذار ثم حذار، ثم حذار (أيها المسلم.)

أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى

رئيس وحدة الدراسات السورية

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 675