في فوضى الفعل والتعبير

تنفيسات الفيس وتغريدات التوت ليست تصريحات

والمتحدثون هناك يعبرون عن أمزجتهم أكثر من عقولهم

منذ الأيام الأولى للثورة السورية لعبت ماكينة الإعلام العالمي ، مع الأسف ، إلى جانب المستبد الفاسد المجرم قاتل الإنسان ومدمر العمران .

يزعمون أو يدّعون أن الإعلام مهنية وموضوعية ورصد عملي للواقع ، ويتناسون أن الإعلام رسالة ومبادئ والتماس حقائق ، وليس اقتناصا لفقاعات من الأقوال والأفعال للتوظيف والتشويه . لتوضع خطيئة فرد لا يمثل إلا نفسه أمام جريمة ممنهجة يرتكبها نظام يعتبر ممثلا للدولة والقانون المحلي والدولي.

ومنذ صُنع وفُبرك وأطلق شعار : ( العلوي على التابوت والمسيحي على بيروت ) . وعُرف من وراءه وأمامه وعن يمينه وعن شماله كان على الإعلاميين الصادقين الباحثين عن الحقيقة أن يتوقفوا ويتريثوا ويراجعوا كل ما يقولون أو ينقولون أو يروجون . وكان على ماكينة الإعلام العالمية التي الأصل فيها أن تنحاز لحقوق الإنسان ومبادئ الحرية والعدل أن ترفض أن تكون وسيلة لخدمة مشروع القتلة والمجرمين والترويج لما يشيع من إشاعات ويختلق من أكاذيب .

في ثورة شعبية عفوية مثل الثورة السورية ، وفي عصر انفجار وسائل التواصل والتناقل والترويج ؛ يدرك الجميع أن لا أحد قادر على ضبط ما يقال ، كما لا أحد قادر على معرفة كل من يقول !!

منذ ست سنوات هي عمر الثورة تقريبا ما زلنا نتابع فوضى ( التعبيرات) ولا نريد أن نقول فوضى التصريحات . في تعبيراتنا الأدبية والشرعية القديمة ترد عبارة ( واتباع كل ناعق ) . والناعق هنا الرجل يقول الكلام لا يعلم مخرجه ومدخله ومحطه ومآله ثم يجد من يتابعه من قليل أو كثير ، ثم يجد من يرصده ويوظفه ويجعله حجة إدانة على قوم أبريا ء وهم عنه غافلون ...

 مقصودنا بالناعق هنا الإنسان الذي يُدس على القوم من عدوهم وهو ليس منهم ، ليفعل فعلا ويقول كلاما يحسب عليهم ، ويدانون به ، أو يقول كلاما يفرق به جمعهم ، ويعدد رأيهم ، ويخذّل عنهم ، أو يخوّف منهم ، أو يجلب ويحرض عليهم ، وهم عن كل هذا الذي يدبر لهم ويجري عليهم أبرياء وغافلون ..

وكذا يشارك في فوضى التصريحات التي يشارك في توظيفها واستثمارها المستثمرون غير الناعقين المشوهين ، الغلاة من أصحاب المشروعات العدمية ، الذين لا هم لهم إلا إشعال النار ، وتسعير جحيم العداوة والبغضاء بين البشر ، بغرض تشويه الإسلام ، وتخويف بل تحريض كل أهل الأرض على المسلمين . خدمة لمشروع التأليب على المسلمين ، في عصر تتداعى عليهم الأمم ، وتبحث عن ذرائع لتداعيها ..

ثم يشارك في عملية الفوضى أناس غُفل طيبون ، لا يدركون أبعاد فعلهم أو قولهم ، ولا منعكساته ، وتبعاته ، فيتصرف أحدهم أو يعبر عن حالة من الانفعالية والعاطفية ، فهذا المجروح يعبر عن ألم الجرح وليس عن مقتضى العقل والحكمة والروية ؛ بل ربما تراجع هذا الإنسان نفسه فيما قال ، أو في دلالة قوله فينكر أنه أراد ما تنسب إليه ، أو تحمل قوله عليه ، وإن كان ذلك من مقتضى قوله في ظاهره ودلالته..

إننا مع تأكيدنا الحازم لمناصرة الحق في حرية التعبير . وأن من حق كل إنسان أن يعبر بحرية تامة عما يرى ويحس في إطار القانون الإنساني العام. نحب في هذه السياق أن نؤكد على ثلاثة أمور :

دعوة البرآء من الناس إلى ضبط انفعالاتهم ، وإعمال عقولهم لضبط ما يعلنون ، وتقييد ما يطلقون ، وأن يعلموا أن وراءهم أعداء متربصين ، يبحثون في كلامهم عن السقطة والزلة لتوظيفها في مشروع الحرب عليهم . ويجب أن نمتلك الجرأة للتناصح بأن نرى ونسمع في ساحة ثورتنا ما لا ينبغي أن يفعل أو يقال ..

ثانيا التأكيد على القوى المدعية للمهنية الإعلامية ، والتمسك بالمبادئ الإنسانية ؛ أن العمل السياسي والإعلامي قد رسم حدود وأبعاد ما ينقل وعمن ينقل . هناك لكل ثورة أو جماعة ناطقون باسمها يعبرون عن رأيها وعن مشروعها . وإنها لفبركة إعلامية مكشوفة أن يوظف أي إعلامي منحرف أو محترف أي رجل يراه في الشارع ثم يضع في فمه كلاما ليعتبره شاهدا على أهله وقومه ..

في إطار الثورة السورية إن ما ينسب إلى مشروع هذه الثورة وإلى رجالها وقواها على نشرات الإعلام المتواطئ كل ذلك جزء من لعبة إعلامية خبيثة لتشويه الثورة ، وقطع الطريق عليها ، ووأد ظاهرة الربيع العربي بكل ما فيها ، وكل ذلك بالاعتماد على ( غوشة ) من الكلمات والادعاءات التي لا تمثل في الحقيقة إلا أصحابها ..

ثالثا والرسالة هنا إلى المسئولين على كراسي المسئولية .

إن الغياب والصمت السلبي هما أسوأ الخيارات .

والمطلوب من هذه المرجعيات أمام كل حدث مهم مطلوب من هذه الجهات توجيه الرأي العام في الاتجاه الصحيح في الوقت الصحيح . وليس الانتظار حتى يخوض في الأمر كل الخائضين . ويحدث الخرق فنبحث عن الرقعة ، ومن الخروق ما لا نملك رقعه أحيانا .

إن رسم السهم الأخضر في اتجاهه في وقته قد يكون كافيا ، وإن كان ولا بد فتحمل مسئولية السهم الأحمر في اتجاهه وفي وقته أيضا .

أمور كثيرة تحدث من حولنا ، مياه كثيرة تجري تحت السجاجيد المزركشة ، أياد تعبث ، أصوات كثيرة نادة وشاذة يتداولها المتداولون ويوظفها الموظفون ، تضر ولا تنفع ، تنقض الغزل الذي غزل الناس بدمائهم بعرقهم بجهدهم أنكاثا ...

ثم لا نحس من أهل الحق أحدا ولا نسمع لهم ركزا ..

(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ))

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 680