سر العداء؛ لأعلام دار العلوم!

تنويه:

هذا الرد؛ أرسلته إلى مجلة الثقافة الجديدة القاهرية الصادرة عن هيئة قصور الثقافة؛ فلم تنشره؛ إيثاراً منها؛ لأجواء الشللية، والتربيطات؛ فكان سقوطها المهني المزري الشنيع؛ بسبب ضيق أفق القائمين عليها؛ وتعبُّدهم للأشخاص والمناصب؛ وغلبة المحسوبية، والاستعراض، والادعاء!

فور انتهائي من مطالعة مقالة(ثقافة الذاكرة المثقوبة) للناقد الأكاديمي/ سامي سليمان أحمد في عدد يوليو 2016م بمجلة"الثقافة الجديدة"؛ تذكَّرتُ على الفور المقولة المعروفة:(إنَّ مراميَ الكاتب لا تظهر في المكتوب؛ بقدر ما تتجلّى بوضوحٍ وسطوعٍ في المسكوت)! كما تراقصتْ أمامي نصف العبارة  الأخيرة؛ التي تقول:(إنني لا أستطيع أنْ أستقر على رأيٍّ فيه؛ ولكنْ من المؤكد أنه غير منصف) لأنني توصَّلتُ إلى خفايا المستور؛ فعرفتُ المذكور! ولقد صدق فخر الدين الرازي؛ فيما نُسِبَ إليه من شعرٍ؛ قال فيه مُتَهَكِّماً على متاهات بعض أصحاب العقول، وانحيازاتهم؛ إنْ لم يعصمهم وازعٌ من ضميرٍ أمام سلطان الحق والحقيقة:

نهايـةُ إقـدامِ العقـولِ عِقـالُ              وأكثرُ سعي العالمينَ ضلالُ!

وأرواحنا في وحشةٍ من جسومنا              وحاصلُ دنيانا أذىً ووبالُ!

ولم نستفدْ في بحثنا طولَ عُمرِنا              سوى أنْ نقلنا فيه قيل وقالوا!

وهكذا؛ كان مقال الدكتور سامي سليمان؛ مُتجرِّداً فقط؛ لإظهار تفوق أبناء كليات الآداب؛ وأنهم كانوا سبب نهضة مصر الثقافية والفكرية طوال قرنين من الزمان! وكأنَّ مصر العظيمة؛ لم تُنْجِبْ سواهم! وفيهم مَن فيهم من العباقرة الأفذاذ بالطبع؛ الذين لا نختلف حول بعضهم؛ لكنَّ صفحات مقال الدكتور سامي سليمان المسكوت عنها تشي؛ بأنه لا يرى أيَّ خيرٍ جاء من قِبَل أبناء دار العلوم طوال قرنٍ ونصف من الريادة والنهضة؛ ولذلك؛ فلم يذكر اسماً واحداً من عمالقتها الموسوعيين؛ الذين خدموا التراث والثقافة والفكر والأدب والنقد واللغة والفلسفة والشريعة والتاريخ؛ والذين تشهد مؤلفاتهم، ودواوينهم على عبقريتهم؛ تلك التي تجاهلها قلم الأكاديمي سامي سليمان غير المنصف ولا العلمي، بل المنحاز؛ لأتون الحرب الباردة بين الدراعمة وأبناء كلية الآداب؛ كما صوَّرها طه حسين من قبل، وتناولها مهدي علاّم أيضاً!

وهي نظرةٌ شوفينية عنصرية ظلامية استئصالية؛ لا تنفع المجتمع، ولا تقيم تنويراً ولا ليبراليةً، ولا تُؤَسِّس إلا لثقافة الكراهية بين أبناء الكليتين! ونحن نربأ بالدكتور سامي أن تكون هذه هي نظرته؛ لهذا الصرح العلمي الكبير(دار العلوم) بالرغم؛ ممّا فيها من بعض الأمراض التي تُصيب الصروح الأخرى؛ والتي اكتوينا منها مؤخراً؛ لكنَّ جلال الإنصاف وعدالة القاضي، وشجاعة الباحث؛ لا تمنعه من إحقاق الحق بشأن المختلف معه فكرياً فقط؛ بل الاعتراف بحق الآخر؛ وفضله، ونبوغه، ودوره الفكري والثقافي! ولَعمري؛ فهذا هو عين التجرد والموضوعية؛ مصداقاً لقوله تعالى:(ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا؛ اعدلوا هو أقرب للتقوى)(المائدة:8)!

إذْ؛ كيف يتجاهل قلم سامي سليمان(المعروفة عنه الحيدة والنزاهة العلمية دائماً) إسهامات العباقرة والرواد من أبناء دار العلوم على مرِّ العصور؛ من قبيل:(حسين المرصفي، وطنطاوي جوهري، وحفني ناصف، وحمزة فتح الله، وحسن توفيق العدل، وعبد العزيز جاويش، وأحمد ضيف، وأحمد الشايب، وعلي الجارم، وأحمد إبراهيم، وأحمد الإسكندري، وأحمد بدوي، وعبد الحميد الديب، وإبراهيم بيومي مدكور، ومحمود قاسم، ومحمود حسن إسماعيل، وعمر الدسوقي، وأحمد شلبي، وعبد السلام هارون، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ومحمد علي البجاوي، وغنيمي هلال، ومحمود الطناحي، والطاهر أحمد مكي، وأحمد هيكل، ومهدي علام، وعبّاس حسن، والنجدي ناصف، وعبد الرحمن أيوب، وتمام حسان، وكمال بشر، وعبد الصبور شاهين، وأحمد مختار عمر، وعلي أبو المكارم، وعبد الحكيم بلبع، وعبد الحكيم حسان، وعلي الجندي(الشاعر، والدكتور)، ومحمود غنيم، وإبراهيم أنيس، وبدوي طبانة، وعبده بدوي، ومحمد البلتاجي، وحسن الشافعي، وعلي عشري زايد، وسعد مصلوح، وصلاح فضل، ومحمد عبد المطلب(الشاعر، والناقد)، وعبد اللطيف عبد الحليم(أبو همام)، ومحمد فتوح أحمد، وأحمد بخيت، ويوسف نوفل، وحسن البنداري، وإيمان بكري، وحامد طاهر، وعبد الحليم عويس، وغيرهم من الذين شادوا صرح مصر الثقافي والفكري والأدبي في العصر الحديث!

فهل لم يسمع عنهم الدكتور سامي سليمان شيئاً، أم أنه عرفهم وعرف مؤلفاتهم ودواوينهم؛ التي سارتْ بها الرُّكبان، وتلقَّفها الإنس والجان؛ ثُمَ كان مِن أمره معهم؛ أنْ تصوَّر أنه يستطيع حجبهم؛ إنْ لم يكتب عنهم قلمه شيئاً؛ وهل استطاع ابن العميد من قبل الوقوف في وجه شهرة وذيوع اسم المتنبي؛ التي خرجت على النواميس والحجب والمنع والتجاهل والإزراء والازدراء يا سعادة الدكتور؟!

فهل الزَّبَدُ الكالح الظّالح؛ الذي ران على وجه الدار في بعض فتراتها؛ بسبب بعض التيارات الراديكالية العنصرية الإرهابية؛ يمنع الاعتراف بوجه الدار الثقافي والفكري والأدبي؛ بل بوجهها التنويري؛ برغم أنف الراديكاليين، وربائبهم، وإخوتهم في الرضاعة الخبيثة يا دكتور سامي؟!

مجرد ملاحظة:

إنني أتساءل: ولماذا لم يذكر الدكتور سامي في مقاله هذا؛ اسم أستاذه الدكتور جابر عصفور؛ فهل هو ليس من بناة صرح مصر الثقافي اليوم حسب ظنه؛ أم أن الدكتور سامي لا يعترف بمنجز أستاذه جابر عصفور التنويري؛ لا سيما إسهاماته ضد الظلام والإظلام والظلاميين؟!

وسوم: العدد 681