لمصلحة من يتخلى حكام عرب عن الشعب السوري؟

معظم رؤساء الدول العالمية لا يريد للشعب السوري أن ينتصر في ثورته، ولكل أسبابه. ما يجمعهم هو العداء الاستعماري الموروث. أما الحكام العرب فأغلبيتهم الساحقة تقف في خندق  واحد ضد الثورة السورية،لا لأنهم يخافون على عروشهم فحسب، بل لأنهم يخافون أن ينتصر الشعب السوري فيقف إلى جانب باقي الشعوب العربية التي ستثور ضد حكامها.

السوريون وقفوا دائما مع الشعوب العربية في ثوراتها ضد المستعمر، ابتداء من وقوفهم مع الشعب الفلسطيني الذي قاتل اليهود في النصف الأول من القرن العشين. كان السوريون قاتلوا يهود في فلسطين في عام 1948ودافعوا عن المسجد الأقصى بقيادة الشيخ مصطفى السباعي. ومن قبل قاد عز الدين القسام الجهاد في فلسطين حتى استشهد عام 1936. مع ذلك هذا أحمد جبريل يرسل مجموعات من الفلسطينيين لتقاتل السوريين،جنبا إلى جنب، مع عسكر الحزب اللاهي اللبناني في حلب تحت راية بشار أسد.

أما في الجزائر فقد وقف السوريون مع ثورتها ضد فرنسا في خمسينيات القرن العشرين حتى أرغمت فرنسا على الجلاء بعد اتفاقية إيفيان عام1962. حكومة الجزائر رفضت أن تقف ضد بشار أسد، بل إنها تحفظت عن طرد نظامه من الجامعة العربية في عام 2012.

أما في مصر، فللسوريين معها أحاديث وأشجان. فيوم أن أمم جمال عبد الناصر قناة السويس عام 1956، أعلنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل الحرب على مصر فيما سمي العدوان الثلاثي. لم يقف السوريون مكتوفي الأيدي، بل سارعت الحكومة السورية الوطنية بوضع جيشها تحت تصرف الحكومة المصرية لمؤازرة الأشقاء في مصر، وقتل الضابط السوري "جول جمال" الذي كان يدرس البحرية في مصر. وجه طوربيده إلى المدمرة الفرنسية "جان بار"، فأغرقها وعلى متنها 88 ضابطا فرنسيا و2055 جنديا. وقد قتل معه الضابط السوري "نخلة سكاف" وضابط مصري  ثالث بعد أن فجروا بطوربيدهم المدمرة الفرنسية.

وحين قامت الثورة السورية استقبلت مصر آلافا من السوريين. وقد احتضنهم شعب مصر في عهد محمد مرسي. وفتحت المدارس المصرية وجامعاتها لهم أبوابها، وأجرت هيئات الإغاثة المصرية على السوريين ما يلزمهم. وحين قام عبد الفتاح السيسي بانقلابه على الرئيس محمد مرسي تم ترحيل آلاف السوريين من مصر، وغرق منهم المئات في البحر.الأعجب من ذلك أن مندوب مصر بمجلس الأمن وبتوصية من السيسي رفض مطلع شهر آب التوقيع على بيان رئاسي يستنكر مجازر حلب وقد وقع أعضاء مجلس الأمن كلهم البيان بما فيها روسيا ورفض مندوب مصر التوقيع. نسي هذا المندوب أن "سليمان الحلبي" قتل الجنرال الفرنسي "كليبر" نائب نابليون بونابرت في القاهرة قبل أكثر من مائتي عام، وقد كان حلبيا.

وحين قامت ثورة العراق في تموز من عام 1958، هب الشعب السوري بأكمله مساندا لثورة العراق التي حاربتها دول أوروبا، واحتفل  حيدر العبادي في ذكراها قبل أيام. ففي ذلك الوقت قطع العمال السوريون خطوط أنابيب التابلاين (TAPLINE) التي تنقل البترول عبر سورية حتى ميناء صيدا في جنوب لبنان، وذلك انتصارا للثورة العراقية ليحرم الغرب من تدفق النفط  العربي إليه. الميليشيات العراقية التي تمولها حكومة العبادي ومن قبله حكومة المالكي تحاصر الشعب السوري في مدينة حلب، ولا تقطع عنه النفط فقط، بل تمنع عنه الغذاء والماء والدواء ردا لجميل السوريين الذين وقفوا مع العراق في ثورته عام 1958.

القائمة تطول في تعداد من وقف من الحكومات العربية موقفا مخزيا من الشعب السوري ومنع عنه الغذاء والدواء. بل سمحت لقوات أجنبية من بريطانية وفرنسية وأمريكية أن تعمل داخل سوريا لفرض أجندتها إذا ما استطاعت المعارضة المسلحة أن تحرر حلب وما بعدها.

نحن نعتقد بأن هذه القوات الأجنبية تخفي نوايا سيئة للثورة السورية حتى عن الدول التي تعبر حدودها. فقد ذكرت صحيفة التايمز اللندنية في حزيران أن قوات بريطانية خاصة تعبر حدود سوريا بشكل مستمر لمساعدة "جيش سوريا الجديد"(ممن يتشكل هذا الجيش ولمصلحة من يعمل؟) وسيطر على قرية "التنف" الحدودية، بعد أن طرد تنظيم الدولة منها. هذه المعلومات فاجأت السوريين، مثلما فاجأ الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الليبيين في20 تموز الماضي، عند ما أعلن أن ثلاثة عسكريين فرنسيين لقوا حتفهم في ليبيا في حادث مروحية كانوا على متنها، وقد كانوا ينفذون على أرض ليبيا"عمليات استخباراتية محفوفة بالمخاطر".

مانعتقده أن هذه الدول الأجنبية لن تقف عند حدود القضاء على تنظيم الدولة، خصوصا بعد أن صار لهذه الدول موطئ قدم بعد سيطرة ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية الكردية على مدينة "منبج" بعد طرد "تنظيم الدولة" منها يوم 12 آب الجاري، وإن كانت هذه الميليشيات تحوي وجودا عربيا، لكنه وجود هامشي لمقاتلين من عشائر عربية.

وسوم: العدد 681