هل رحلت القاذفات الروسية فعلاً عن قاعدة همدان ؟

تطورت العلاقات الروسية- الإيرانية لتأخذ صبغة  إستراتيجية متعددة المستويات ، بحيث بات طابعها التنسيقي واضحاً من خلال مداخل الأزمات الإقليمية ؛ لاسيما بعد اتفاق الطرفين على رفع مستوى التنسيق  العسكري في الأزمة السورية  .

وقد جاءت الفضيحة المدوية التي شوهت صورة طهران القبيحة أصلاً بعد كشف روسيا عن استخدام مطار همدان العسكري  لتزويد القاذفات الروسية

لكن ما مدى صدق التوجه الإيراني وجديته ؟ وهل غادرت الطائرات الروسية فعلاً همدان  إلى غير رجعة أم أن ذلك يخضع لخطة معدة مسبقا ؟ .

 و الجواب: لاشك أن  هناك تعاونا استراتيجيا بدأ بالتبلور  بين طهران وموسكو ودمشق وبغداد، تريد دولة ولي الفقيه استثماره بلا حدود ، وهدفه  الديكوري المعلن محاربة الإرهاب والقضاء عليه،  حيث تم تأسيس  غرفة عمليات من أجل إدارة هذا التحالف الرباعي منذ أكثر من عام .

 وقد أربك الاعلان الروسي المفاجئ  الجانب الإيراني الذي سارع إلى تبني سياسة إعلامية مكثفة  ؛ ركزت على أن لدى  إيران علاقات وثيقة مع روسيا تقوم على أساس حفظ المصالح المشتركة بين البلدين ، واعتبار أن ما جرى هفوة لن تتكرر ثم  سارعت طهران إلى الترويج إلى عدم تعارض  موضوع استقرار القاذفات الروسية في مطار همدان العسكري  مع الدستور الإيراني  الذي ينص على عدم السماح لبناء قواعد عسكرية تابعة للجهات الأجنبية  أو استعمالها، حتى وإن كانت من أجل أغراض سلمية على الأراضي الإيرانية ،مع التأكيد على أن  قاعدة "نوجه" العسكرية في همدان لم توضع تحت تصرف الروس مطلقا لان المادة 146 من الدستور تحظر هذا الأمر  وان إيران لم تضع أي قاعدة عسكرية تحت تصرف أي دولة أجنبية منذ الثورة الإسلامية  لغاية الآن ، والتركيز على بأن طهران هي التي اقترحت على موسكو استخدام هذه القاعدة ، ثم برزت تصريحات إيرانية من مسئولين عسكريين رفيعي المستوى تقول بأن قدمت تسهيلات للمقاتلات الروسية تتضمن تزويدها بالوقود لمواصلة تحليقها لضرب مواقع الإرهابيين في سوريا ، واعتبار ذلك قرارا منطقيا ، قد أتخذ على مستوى   المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.

و ردة الفعل الإيراني أن الاتفاق  الذي تم مع الجانب الروسي كان على أساس مؤقت من أجل القيام بعمليات عسكرية ضد المجموعات "الإرهابية" في سوريا  ، وأن ما جاء في دستور إيران يؤكد عدم السماح لدولة أجنبية بإنشاء قاعدة عسكرية في الأراضي الإيرانية  ، فيما الاتفاق الأخير بين موسكو وطهران تم على أساس ان تستفيد القوات الروسية من هذا المطار بشكل مؤقت أولا وتحت إشراف  القيادة الإيرانية على كامل العمليات التي تنطلق من المطار العسكري ثانيا ؛ فضلا عن   أن وجود قوات عسكرية في داخل أراضي دولة معينة ،إذا تم بعلم ورضا الدولة هذه، فلا يمكن اعتبار هذا التواجد احتلالا أو اعتداءا على سيادة تلك الدولة؛ لهذا فان وجود القوات العسكرية الروسية على الأراضي الإيرانية بهدف ضرب مقار الإرهابيين ومساعدة المحور المقاوم في مكافحة الإرهاب يعتبر مشروعا وقانونيا بامتياز.

 الحقيقة المؤكدة أن القاذفات الروسية قد  استقرت فعلياً ، ولن ترحل  من مطار "نوجه" العسكري في  همدان  في القريب العاجل ، وفقا للمصلحة الإيرانية التي لن توفر فرصة  أفضل لتدمير المعارضة السورية وابادة الشعب  من هذه اللحظة التاريخية الدموية الحاسمة ؛ وهذا ما سوف تحققه روسيا سريعاً من خلال وضع  قاعدة همدان  تحت تصرف الروس، والتي ستضمن  عبورها من الأجواء العراقية ، وتوفير 800 كم من المسافة ، مما يوفر المزيد من الوقود ، ويزيد من حمولة القاذفات من الحمم المتفجرة  لذبح الشعب السوري  بشكل سريع ، ويخفف من عملية استنزاف إيران ومليشياتها هناك .

بداية لا شك بأن   قرار بقاء القاذفات الروسية يعتبر تطورا كبيرا للغاية، حيث أنه يعد الأول من نوعه منذ الحرب العالمية الثانية وخروج قوات الاتحاد السوفيتي من الأراضي الإيرانية.

كذلك فإن هنالك الكثير من الحقائق الأخرى التي تأخذها قيادة طهران  بعين الاعتبار من بقاء  القاذفات الروسية  في إيران ، أهمها أنه بات  يتشكل بين البلدين تحالف وثيق وقوي من اجل حصول طهران على الأسلحة المتقدمة من جانب روسيا بعد أن بشر وزير الدفاع الإيراني  الجنرال حسين دهقان الشعب بأن بلاده قد  عقدت صفقة لشراء المقاتلات المتطورة سوخوي 30 ، وسوف يتم تنفيذها في القريب العاجل؛  والتي ستكون داعماً قوياً للقوات الجوية الإيرانية ، وفي الوقت  ذاته  أكد على أن إيران ستكون البلد الأول الذي سيمتلكها بعد روسيا ، وسوف يتبع ذلك  شراء منظومات دفاع جوي متقدمة من روسيا ، حيث يظهر هذا الأمر أن بين موسكو وطهران  تنسيقا استراتيجيا غير مسبوق ، وحاجة طهران لبناء حالة من  الثقة المتبادلة  غير المسبوقة بين البلدين ، طمعاً في تنفيذ صفقات السلاح التي تعارضها الولايات المتحدة وإسرائيل على حد سواء ،وهذا سيمهد الطريق لرفع مستوى التعاون العسكري بين إيران وروسيا، والتهيئة  لإجراء مناورات مشتركة في المستقبل ، لاسيما بعد أن تحولت الأزمة السورية  واليمنية إلى حرب إقليمية ،  بفضل التدخلات الإيرانية والروسية ،  وار سال طهران لعشرات الآلاف  من المرتزقة والإرهابيين إلى سوريا  ، مما أدى إلى تشكيل تحالفات عسكرية غير مسبوقة على الصعيد الدولي والإقليمي، كما أن  ذلك سيمهد لسلاح الجو  الإيراني القيام بعمليات جوية بالتعاون مع الروس  من اجل استهداف الشعب السوري ومعارضته المسلحة .

 إلى جانب ذلك تريد طهران توظيف هذا  الموضوع للترويج لفكرة ليس فقط وجود  تحالف  بين كل من إيران وروسيا وسوريا والعراق ، بل  ضم حزب الله والمليشيات الشيعية لبناء محور للتصدي لتدخلات بعض الدول العربية والإقليمية " السعودية وتركيا " ، والتحكم بمسار  الأزمات  وتطوراتها ، وإظهار أنفسهم كمحور للمانعة المدعومين من جانب القوى الدولية ؛وفي مقدمتها روسيا  .

د. نبيل العتوم

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية

وسوم: العدد 682