مقولة "لباس المرأة المسلمة مصادرة لحريتها " تعتبر إهانة لها

نتفهم جيدا رفض فرنسا أو دولة غربية أخرى لباس المرأة المسلمة الخاص بالسباحة والمسمى بالبوركيني  أو لباسها المعروف باسم الزي الإسلامي أواسم  حجاب المرأة المسلمة إلا أننا لا نفهم رفض تلك الألبسة من طرف بعض بني جلدتنا في بلدنا المسلم  السني الأشعري المالكي  يا حسرتاه . ولن نخوض في الزوبعة التي أثيرت حول لباس السباحة البوركيني في فرنسا ،والتي لا زالت تداعياتها تتفاعل مدا وجزرا إلا أننا سنقف عند الذريعة التي تذرع بها الفرنسيون لمنع هذا اللباس ،وهي ادعاء الدفاع عن حرية المرأة المسلمة  المصادرة منها . وواضح أن هذه الذريعة واضحة التهافت، ولا تقوى على إقناع هذه المرآة وغيرها ممن يدين بدين الإسلام بل حتى الذين يدينون بديانات أخرى أو الذين لا دين  لهم ،لأن المرأة المسلمة ليست في حاجة إلى من يدافع عن حريتها . ومن يقول بأن المرأة المسلمة مسلوبة الحرية سواء في لباسها أو في غير ذلك ،فهو من جهة يتهم دين الإسلام  بمصادرة حريتها ، ومن جهة أخرى ينتقص من شخصيتها، ويعتبرها مخلوقا  ناقصا لا إرادة له أمام سلطة الذكور. ومعلوم أن دين الإسلام يقوم على قاعدة (( لا إكراه في الدين ))، الشيء الذي يعني أن كل من اعتنق هذا الدين فهو يعتنقه عن قناعة  لا عن إكراه . وعندما تعتنق المرأة الإسلام، فهذا يعني أنها لم تكره على ذلك من طرف أحد . ولا يمكن اعتبار التزام المرأة المسلمة بمقتضيات دين الإسلام  حين تعتنقه إكراها لها ل،أنها لو كانت لا تتفق مع هذه المقتضيات لما قبلت اعتناق الإسلام أصلا .  ومن يقول بأن لباس المرأة المسلمة سواء كان للعبادة أم للسباحة أم لغير ذلك  يعتبر مصادرة لحريتها تواجهه أسئلة من قبيل : وهل عباداتها من صلاة وصيام وحج وزكاة تعتبر أيضا مصادرة لحريتها ؟  وإذا  كان الجواب بنعم فالسؤال الموالي : هل اعتبار ذلك مصادرة للحريات  قاصر على دين الإسلام وحده أم ينطبق على كل الأديان ؟ وفي هذه الحال سنكون أمام قضية لا تعني الإسلام وحده بل تعني كل دين ، وهو أمر سيجعل  كل دين في مواجهة مع من يقول بمقولة : " الدين مصادرة لحرية الناس " وهي مقولة شبيه بمقولة : " الدين أفيون الشعوب " وهي مقولة سوقتها إيديولوجيا صارت  البوم في خبر كان . وإذا كانت فرنسا تحت تأثير الهجمات الإرهابية  التي  هددت أمنها قد تعسفت في ربط الإسلام بالإرهاب، و في ربطه بكل ما له علاقة به ولو كان  لباسا كالبوركيني أو غيره ، فإن المحسوبين على دين الإسلام في البلدان الإسلامية ليس لديهم ما يبررون به موقفهم الرافض لباس المرأة المسلمة . وإذا كان موقف فرنسا ،وهي بلد علماني لائكي واضح مما يخالف توجهها الإيديولوجي حتى لو كان مجرد لباس، فإن موقف بعض المحسوبين على البلدان الإسلامية  لا يخرج عن إطار التقليد الأعمى ، وعليهم تنطبق مقولة مشهورة : " إذا ما أمطرت في عاصمة غربية حمل بعضهم في بلدان عربية  مظلاتهم  والجو مشمس ". وبمنع البلدان العلمانية كفرنسا لباسا  خاصا بالمرأة المسلمة تكون أمام تناقض صارخ مع شعار الدفاع عن الحرية الذي ترفعه، وتنصب نفسها وصية عليه إذ كيف يمكن أن تصون هذه الدول حرية رعايا مسلمين يعيشون فيها، وهي تضيق عليهم في لباسهم أو في ممارسة طقوسهم الدينية ؟ وما هو دليل فرنسا وغيرها من البلاد العلمانية على أن لباس السباحة  العلماني المكون من قطعتين إحداهما تغطي صدر المرأة وأخرى تغطي وسطها  يصون حرية المرآة في حين  يصادر البوركيني حريتها ؟ وما الذي  يوجد في هذا الأخير، فيجعله مصادرا للحرية ؟ إن القضية لست  مجرد قضية لباسي سباحة يختلفان في شكلهما، بل القضية قضية جسد المرأة  هل يكشف أثناء ممارسة السباحة أم يستر ؟ والقضية حينئذ قضية قيم وراءها قناعات مختلفة ومتضاربة ،ذلك أن كشف الجسد الأنثوي وستره يعود إلى قناعتين مختلفتين . ومعلوم أن كل قناعة تنزع نحو إقصاء غيرها تعتبر قناعة متطرفة ومستبدة . وعليه فمنع لباس السباحة الذي اختارته المرأة المسلمة هو إقصاء للقناعة التي تقف وراءه، وهي القناعة الإسلامية المفارقة للقناعة العلمانية . ولقد تأكد في بلد علماني كتركيا أنه يمكن تعايش القناعة العلمانية والقناعة الإسلامية دون أن تحاول إحداهما إقصاء أو استئصال الأخرى ، ومن هذا البلد خرج البوركيني دون أن تمنعه القناعة العلمانية التركية ، وهذا يعني أن العلمانية التركية متقدمة على العلمانية الفرنسية الضيقة الأفق  والعاجزة عن التعايش مع غيرها من القناعات . ومن العلمانيات المتقدمة أيضا العلمانية الكندية التي سمحت حتى للشرطيات بارتداء الزي الإسلامي ، علما بأنه لو كان في هذا اللباس ما يهدد قيم العلمانية لما سمحت به كندا والأمر يتعلق  بعمل الشرطة المكلفة بالمحافظة على الأمن لكن فرنسا لم تسمح حتى بلباس السباحة مع أنه لا يمكن أن يقارن بلباس تمارس من تلبسه مهمة المحافظة على الأمن وتطبيق القانون . وتجد فرنسا المانعة للبوركيني نفسها أمام حرج كبير أمام بلد ككندا يشاركها في العلمانية دون أن يتفق معها في مصادرة حريات المقيمين فيها ممن لهم قناعات مختلفة عن قناعتها . والمؤسف  حقا أن تنطلق بعض الأصوات عندنا لتردد بطريقة ببغاوية  ذريعة فرنسا التي تذرعت بها لمنع البوركيني دون الالتفات إلى التناقض الصارخة الذي وقعت فيه بلاد الأنوار وبلاد الجن والملائكة ، وكان من المفروض أن تسبح الجن بجانب الملائكة في شطآن واحدة دون أن يطرح ذلك أي مشكل لبلاد الجن والملائكة . إن فرنسا أعطت مثالا جد سيء بسبب ضيق أفق علمانيتها ، والذين يرددون ذريعتها  بالقول بمصادرة حرية المرأة المسلمة  بارتدائها البوركيني أعطوا مثالا جد سيء  بسبب تقليدهم الأعمى والمثير للسخرية  وللشفقة أيضا . 

وسوم: العدد 683