تنقيح المذاهب

د. حامد بن أحمد الرفاعي

الابن الحبيب والزميل العزيز المقدر النبيه الأستاذ حسين مغربي..سلمه الله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..وبعد:

فإني قرأت بتأمل تعليقكم الكريم الذي جاءت فيه أفكار قيمة جديرة بالاحترام..إلا أنها تعاني من تداخل يشوبه بعض الخلل ..وأحسب أن سبب ذلك عدم تحرير معاني المصطلحات ودلالاتها ..وهذا ما كنا نعاني منه في ميادين الحوار مع كثير من أتباع الأديان والثقافات..وقد تغلبنا على نسبة كبيرة من هذه المعاناة بعد أن اعتمدنا أمر تحرير المصطلحات أولاً في مسائل الحوار..وعلى سبيل المثال قد جاء في تعليقكم من المصطلحات والعبارات التي تحتاج إلى تجلية منكم مثل:

ما المانع أن يكون لإيران مشروعها لتوسعة فضائها الحيوي مستغلةً المذهب الشيعي؟

ما المانع أن يكون للسعودية مشروعها لتوسعة فضائها الحيوي مستغلةً أهل السنة؟

ثم علقتم فقلتم:وهذا مربط الفرس..وهذه سنة الله في خلقه وتستشهد بقوله تعالى "وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ." 

وبعد دعنا - سلمكم الله تعالى - نتأمل معاً عبارتي (التوسع) و(التدافع) فما هي دلالة كل منها..؟وهل هما من منهجية واحدة..؟أم أنهما منهجان متناقضان متصادمان ..؟

التوسع في القاموس السياسي:يستخدم للتعبير عن منهجية دولة تسعى ليكون لها نفوذ وسلطة وهيمنة خارج حدودها الجغرافية المعترف بها دولياً..فإن فعلت ذلك..؟ فهي دولة عدوان واعتداء على الحدود الجغرافية لدول الجوار..وهي دولة خارجة ومتمردة على القوانين والمواثيق الدولية ومنتهكة لها ..الأمر الذي يرفضه الإسلام ويقبحه.

التدافع مصطلح قرآني يعني:التعاون بين الدول والمجتمعات وتضامنها وتحالفها  في مواجهة كل عدوان وفساد..يريد انتهاك قدسية حياة الناس ومعابدهم ويفسد الأرض التي جعلها ربهم جلَّ جلاله سكنهم وفضاء أمنهم وسلامة عيشهم لقوله تعالى:"وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ"وأثبت الله تعالى هذا النهج الرباني الجليل للتدافع في آيتين اثنتين من القرآن الكريم هما:

"وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ" 

" وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا "

وعلى أساس من هذا فالتوسع والتدافع منهجان مختلفان ومتصادمان..فالتوسع على حساب الآخر عدوان وانتهاك..أما التدافع فهو لنصرة الآخر وحمايته من العدوانية والفساد والإفساد..وبعد أتضح لكم أخي الحبيب العزيز الفارق الكبير بين المصطلحين ..؟وأن غياب مثل هذا التحرير لدلالاتهما ويقود إلى تداخل مخل يجعل المتحاورين يمارسون كما يقال حوار الطرشان..أما المنهجية الصحيحة التي لا خلاف بشأنه والتي نشجعها وندعو إليها هي:التعاون والتنافس في الخير من خلال الأنموذج الصالح الذي ينبغي على كل دولة أن تقيمه على أرضها ليكون التعبر العملي الصادق عما تعتقده وتريده وتدعوا الناس لإتباعه والسير على نهجه..مما يكسبها احترام الآخرين لما تدعو إليه..ويوسع دائرة المؤيدين والمؤمنين بنهجها ورسالتها في الحياة..وعندها عبارتك تستقيم وتصح لو قلت:

ما المانع أن يكون لإيران مشروعها في التعريف بقيمها ورسالتها في الحياة وفق المذهب الشيعي..؟

وما المانع أن يكون للسعودية مشروعها في التعريف بقيمها ورسالتها في الحياة وفق مذهب أهل السنة..؟

أجل فإن مثل هذا التنافس مشروع ومحمود بين أتباع الأديان والمذاهب والثقافات والحضارات..وهو مقرر في منهج الله تعالى رب الناس أجمعين حيث يقول جلَّ جلاله:"لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ".وبعد أخي الحبيب وزميلي الصدوق:أردت بهذا التوضيح أن أنبه إلى مسألة المصطلح وأهميته في حوار الأفكار مهما تباعدت واختلفت..أما بشأن الحوار مع أتباع مذهب الشيعة..فقد جرى بيني وبين عدد من أئمة المذهب الشيعي في إيران وخارجها ومنهم سماحة الشيخ الإمام مهدي شمس الدين - رحمه الله تعالى..فوجدت أن مقولة(التقريب بين المذاهب) في اعتقادهم تعني بوضوح لا لبس فيه:هو تحول مذاهب أهل الضلال ومنهم أهل السنة إلى مذهب أهل الهداية والعصمة مذهب الشيعة مذهب(ألأمة المعصومين) وهذا أمر مدون حرفياً بالدستور الإيراني..وقد سألني سماحة الشيخ شمسي مهد الدين:ما هو البديل عندك عن دعوة (التقريب بين المذاهب)؟ قلت:أنا أدعو إلى (تنقيح المذاهب) فعندما يُنقح أتباع كل مذهب مذهبهم مما يسئ أتباع المذاهب الأخر..وعندما نحيد الخلافات المذهبية ونفك الارتباط الخطير بينها وبين الخلافات السياسية..عندها تزول أخطار التناطح والتذابح من أجل التوسع والهيمنة..ويومئذ تتوفر فرص لوضع حدٍ لحروب الشطرنج المدمرة التي يديرها الآخر في المنطقة بل وفي العالم..والله سبحانه المستعان..وسلمتم لمحبكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وسوم: العدد 683