أسرار (لافروف – كيري) أشد خطرا مما تقدرون

في سَوْرة الغضب الروسي – الأمريكي ، بعد قصف التحالف الأمريكي لوحدات من جيش بشار الأسد وما ترتب عليه ، خرج الحوار بين طرفي الشر العالمي إلى حد الشجار ، وأفضى إلى أن كشف المجرمون بعض أسرارهم بل أضغانهم ، وكان الجزء الذي كشف ، أخطر مما كنا نظن او نقدر ..

ويبدو عامل الريبة أكبر في مواقف وسياسات ، مؤسسات المعارضة السورية ، المحسوبة على تمثيل الثورة ، بعد انكشاف هذين البندين الخطيرين ، في إطار ما يسمونه الحل السياسي المزعوم . الذي ما يزال البعض يرتبط به ، وساقاه حتى الركب منغمسة في دماء الأبرياء ...

 إن إصرار طرفي الشر ( الروسي والأمريكي ) على الاحتفاظ ببروتوكولات سرية للاتفاق ، بين تحدي الكشف والرفض ، حتى الآن يجعل من ترحيب من رحب ، وتأييد من أيد ، وموافقة من وافق على هذا الاتفاق ؛ في دائرة الشك والريبة والتآمر على دماء السوريين ، حاضرهم ومستقبلهم . بل إن الصمت على هذا الاتفاق من كل من ينتظر منه بيان ، هو نوع من الشراكة في الجريمة الآثمة على سورية والسوريين .

إن ما أفصح عنه مندوب روسية في الأمم المتحدة تشوركين : من بنود الاتفاق الروسي – الأمريكي ، وإن كان قليلا ومحدودا إلا أنه جدير بأن يعطي فكرة عن الدور الذي يتهيأ له شريكا الشر ، ومنهم الشريك الأمريكي الذي يدعي صداقة الشعب السوري ، وتمثيله ، والذي يبدو ملهوفا للحصول على الاتفاق بأي ثمن .

فحين يقرأ تشوركين من الملفات السرية العبارة التالية : ( تعتزم روسية والولايات المتحدة بذل جهود مشتركة خاصة في حلب بما يخدم تطبيع الوضع في سورية ) 

لا بد لكل عاقل مهتم بالشأن السوري، متحمل لأمانة القرار السوري ، أن يسأل عن حقيقة ما يريد الروس من ( جهود مشتركة خاصة في حلب تخدم تطبيع الوضع في سورية ) ، غير إخضاع حلب ، وكسر إرادة بنيها ، عن طريق القصف والحصار ، الذي ما زال الروس يمارسونه ضد هذه المدينة منذ ستة شهور ...

 إن المقصود من هذه العبارة ، كما يترجم عمليا اليوم ، بالضبط هو إعادة إخضاع حلب لاحتلال الأسديين المجرمين الآثمين . وهذا قرار خطير في أبعاده وتداعياته ، وأبسط ما يمكن أن يقال فيه ، في ظل واقع الثورة اليوم ، وما تمثله حلب بالنسبة للثورة ، برمزيتها وثقلها الاستراتيجي ( البشري – الثوري – الجغرافي ) ، إنه قرار يهدف إلى تصفية الثورة السورية ، وكسر عمودها الفقري. فهل يمكن لمن يزعم أنه ممثل أو قائد للمعارضة السكوت على مثل هذا القرار أو الاسترسال فيه ؟!

 وربما لا يكون هذا القرار الخطير ( قرار إعادة احتلال حلب ) جديدا على مسامع المتابعين ، فقد سبق لراتني المبعوث الأمريكي إلى سورية منذ ستة أسابيع أن هدد الفصائل والمعارضين ، بأنهم إذا رفضوا العروض الأمريكية ، فإن حلب ستضيع ، وستعود لسيطرة المجرم بشار. ثم بعد هذا الانذار مباشرة ، تابعنا عملية فرض الحصار الأول على حلب، حيث بدا ، أن الجميع من الأعداء والأعدقاء كانوا متفاهمين أو متواطئين عليه . وربما لا يجوز أن يغيب عن متابع ، أن الروس زاوجوا يومها بين إعلان فرض الحصار على حلب وبين إعلانهم فتح أربع قنوات للطرق ( الآمنة ) التي تسمح لأبناء المدينة بالهجرة ، دون أن يحدد الشريران الروسي والأمريكي إلى أين الهجرة تكون ؟

وبعد أن استطاعت الفصائل بفضل توحدها أن تكسر الحصار ، وتنتصر عليه ، شاركت أيدي عديدة ، منها ما هو دولي ومنها ما هو إقليمي في إعادة فرض الحصار على حلب ، تمهيدا لحصارها وتجويعها وتهجير أهلها ومن ثم إخضاعها ، وإعادة احتلالها واستعمارها من قبل عصابة الجريمة والشر . وهذا هو الذي نتابعه أمام أعيننا اليوم

إن إصرار القوى السورية المهيمنة على قرار الثورة السياسي بكل تراتبيتها على تجاهل المعلومات والمعطيات ، ومن بينها هذا التسريب الخطير ، والتعامل معه بالجدية الذي يستحق ، يعني شيئا واحدا فقط هو أن هؤلاء ( المهيمنين ) هم شركاء في المشهد ، ضالعون في المؤامرة ، وأقل ما يمكن أن يفسر به هذا الصمت هو الرضا والقبول أو التخاذل والإذعان ..

والتسريب الثاني الذي أفصح عنه الروسي تشوركين في ملفات الاتفاق الروسي الأمريكي ، هو أن من بنود هذا الاتفاق هو قراءته من البرتوكولات النص الانتقائي التالي والذي يحدد أولوية عمل الشريكان الشريران على الأرض السورية ( تكمن الأولوية في الفصل ما بين المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وتلك التي تسيطر عليها المعارضة قوى المعارضة المعتدلة المسلحة إضافة إلى الفصل بين المعارضة والنصرة ) 

 أنه وبعد تشكيل غرفة العمليات المشتركة بين الطرفين ، تتجسد أولوية عمل الشريكين والعمل في قتل من يسمونهم الإرهابيين . دون أن يذكر في عداد هؤلاء مائة ألف إرهابي يجثمون على صدر الشعب السوري ويهددون وحدته الديموغرافية والجغرافية للخطر . ومن هذا الخلل في تحديد في فرز الإرهابيين ، ومن تحديد الأولويات بدا لافروف وبوتين ملهوفين ، على كشف المستور ، والشروع في تنفيذ المؤامرة الجريمة لمصلحة بشار الأسد ، وهكذا يتضح أن شريكا الإثم والشر قد قررا وضع قدراتهما مباشرة في خدمة مشروع الجريمة والفساد والاستبداد ، ثم نجد من يزعمون أنهم ثوار ومعارضون يميلون مع الأشرار حيث يميلون .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 686