لبنان جبران باسيل واستهداف الفلسطينيين واللبنانيين

في تغريدة أطلقها وزير الخارجية والمغتربين اللبناني جبران باسيل عبر صفحته على «تويتر» قال إنه «مع حق المرأة المتزوجة من أجنبي في إعطاء الجنسية اللبنانية لأولادها لكن دستورنا وتركيبتنا لا يسمحان بمنح الجنسية إلى 400 ألف فلسطيني» مضيفاً «أنا مع إقرار قانون منح المرأة الجنسية لأولادها لكن مع استثناء السوريين والفلسطينيين للحفاظ على أرضنا».

أثارت التغريدة جدلاً على صفحات الجرائد وفي وسائل الإعلام كما حظيت بسيل من التعليقات ليس من اللبنانيات المتزوجات من «أجنبيّ» فحسب ولكن أيضاً من الكثير من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين والعرب عموماً وانصبّت أغلب التعليقات الناقدة على الوزير وتصريحاته.

جبران باسيل، للعلم، هو زوج شانتال عون ابنة ميشال عون مؤسس التيّار «الوطني الحر»، وهذه القرابة لعبت الدور الأكبر في تأهيل باسيل ليصبح رئيساً للتيار ووزيراً إجباريّاً في حكومات عديدة بدءاً من عام 2009 حيث استلم بعمر 39 عاماً مارّاً بوزارة الاتصالات والكهرباء ثم الطاقة والمياه، وصولاً إلى وزارة الخارجية والمغتربين حاليّاً، رغم أنه فشل في أن يصبح نائباً في البرلمان بعد هزيمته في انتخابات عامي 2005 و2009 أمام النائبين بطرس حرب وأنطوان زهرا.

تعطي التعليقات التي سخرت من تصريحات الوزير اللبناني فرصة لتحليل خطاب باسيل فواحد منها قال: «وجب أن تقول إن طائفيتنا هي التي تمنعنا من منح الجنسية للفلسطينيين والسوريين. ما دخل الدستور؟» فيما قال آخر «هم موجودون في لبنان منذ زمن. الآن لأن ظروفهم صعبة أصبحت تريد أن تستقوي عليهم… البطولات ليست على الضعيف يا معالي وزير العنصرية»، فيما قال آخر «جبران يريد المحافظة على نقاء لبنان من أن يتلوث بالفلسطيني والسوري… يرحم جدك يوم جاء من حلب».

تفكّك هذه التعليقات البسيطة تهافت خطاب باسيل الذي يناقض نفسه بنفسه، فالتعليق الأخير الذي يقول إن جدّه جاء من حلب فيه إشارة إلى قدوم الموارنة من شمال سوريا في القرن العاشر، وهو ما يكشف هشاشة التعارض المقام بين اللبناني والسوري وخصوصاً من طرف المغالين في الطائفية والعنصرية أمثال باسيل الذين يتحدثون عن الحفاظ على «الكيان اللبناني» متناسين أصولهم السوريّة من جهة، وكون المسيحيّة نفسها التي يتحدثون باسمها جاءت من فلسطين التي كان اللاجئون منها إلى لبنان بفعل الاحتلال الإسرائيلي لأرضهم، ولعقود خلت، موضوع الكراهية والنبذ والتحقير من تحالف الفاشية والعنصرية اللبنانية.

تتلازم حيثيّات الخطاب الطائفي والعنصري اللبناني فيما يتعلّق بالسوريين والفلسطينيين كما قال أحد التعليقات مع الاستقواء على الضعيف والفقير منهم، والاستزلام والولاء للقويّ والمستبدّ، كما هو حاصل في تحالف تيّاره مع نظام بشّار الأسد، وقبل ذلك في التحالف الشهير الذي قام بين حزب الكتائب والقوّات اللبنانية وإسرائيل خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وساهم في مجريات الاحتلال الإسرائيلي للبنان ودعم صعود بشير الجميل إلى سدّة الرئاسة على خلفيّة مجازر صبرا وشاتيلا للفلسطينيين عام 1982.

المفارقة الكبرى في هاتين السياستين اللتين ميّزتا ما كان يسمّى في الأدبيات اللبنانية «المارونية السياسية» هو تخديمهما للاحتلال والاستبداد اللذين هما السببان الدافعان للجوء الفلسطينيين والسوريين إلى لبنان، وفي الوقت الذي لا يكفّ هذا التيّار، بطبعتيه اللاحقة والحاليّة، عن الصراخ ضد «التوطين» واختراع طرق لإبادة وتسفير الفلسطينيين والسوريين، فإنه لم يكفّ عن التعاطف والتحالف مع المحتلّ والمستبدّ، وهي وصفة تكشف الركاكة التي قامت عليها شعارات فرادة «الكيان اللبناني» الذي يدافع عن عظمة اللاجئين اللبنانيين الذين سافروا إلى كل أنحاء العالم فاستقبلتهم بلدانه بالترحاب وأعطتهم جنسيّاتها وبوأتهم أعلى المناصب، ولكنّ هذا التيار، للأسف، لم يتعلّم من هذه الأمثولة شيئاً وبقي يدير أركان «الكيان اللبناني» بما يعادي الأسس الديمقراطية والمدنية والإنسانية للحضارة الغربية التي يزعم الانتماء إليها.