عام على الاحتلال الروسي لسورية ... (1)

الكنيسة الأرثوذكسية حربنا في سورية مقدسة

قبل أن يرسل بوتين ، رجل الاستخبارات الصغير في الأجهزة السوفيتية الشيوعية الماركسية معلنة الإلحاد وحاميته ، قواته لقتل السوريين على أرضهم وتدمير ديارهم في 29 / 9 / 2016  ؛  ذهب إلى الكنيسة الأرثوذكسية ليستمد من بطريركها ( كبريلوس ) البركة والعون والتأييد .

ولم يخيب ( البطريرك ) الأرثوذكسي ، الذي يزعمون أنه يرعى 120 مليون مسيحي حول العالم ، ظن المخبر الملحد الصغير بوتين ، فسارع إلى تطمين المسيحيين الأرثوذكس من رعيته ، ويهدد من يتصورهم أعداءهم وخصومهم بالقول : (بلادنا تقود حربا مقدسة في سورية ). ومعنى الحرب المقدسة هنا ، هي أن حرب بوتين في سورية هي حرب دينية أو بنكهة دينية ، حيث يستأنف بوتين المتطلع إلى دور القيصر ، ثمانية عشر معركة كبرى خاضها القياصرة ضد المسلمين في ظل الدولة العثمانية . الإشكالية الجديدة أن القيصر يستعيد دوره في قتل وتهجير المسلمين في عالم لا سلطنة ولا سلطان فيه .

وتأسيسا على تصريح غبطة البطريرك وشرحا له ، ولإقناع ضمائرالطيارين والمقاتلين  بقدسية مهمتهم ، عندما يقتلون أطفال سورية ، بأن عمليات القتل هذه يباركها السيد المسيح ، انضم إلى موكب المبخرين ( فسيفولد شابلين ) وهو مسئول رفيع المستوى في الكنيسة الأرثوذكسية ليقول حسب ما أوردت قناة روسية اليوم في حينه : ( إن قرار الحرب الروسية يأتي لحماية الضعفاء مثل المسيحيين في الشرق الأوسط الذين يتعرضون لحملة إبادة . إن كل حرب ضد الإرهاب هي حرب تتمتع بميزة أخلاقية ويمكن تسميتها حربا مقدسة ) .

 وهكذا رحنا نسمع  كهنة الكنيسة الأرثوذكسية من رأس الهرم حتى قاعدته ، ومن روسيا إلى سورية ولبنان وفلسطين يرقصون على أنغام الساسة ، وعلى موسيقا قذائفهم تقتل الأطفال والنساء وتدمر العمران .

وبدأ من بوتين نفسه إلى لافروف وهو وزير خارجية دولة عظمى ، دولة خارجة من كهف الإلحاد المظلم ، وتدعي العلمانية ، ويشكل المسلمون 20 % من سكانها ، تتواتر وتتابع التصريحات المتلبسة بالثوب الديني الصليبي الطائفي المتعصب الذي يبث الحقد وينفث الكراهية والبغضاء ، ونستطيع أن نلخص عشرات التصريحات من أعلى المستويات الدينية والسياسية حول السياسات الروسية ومن مسوغات الاحتلال الروسي في خمسة محاور اساسية  :

أولا - ادعاء الحق في حماية الأقليات عموما الذي يزعم كل أشرار العالم أن الثورة في سورية تهددهم ..

ثانيا - ادعاء الحق في حماية المسيحيين خصوصا ، الذين ما زالت كل الكنائس وأتباعها من القادة والساسة ، وكذا بعض الأبواق العربية من وسائل الإعلام والأصوات المأجورة ، تزعم أنهم يُخصون بحملة قتل وهدم أو تهجير ...

ثالثا - ادعاء الأولوية في الحق في حماية المسيحيين - الأرثوذكس –  خصوصا وهو ادعاء تاريخي قديم كانت روسية القيصرية تتقمصه للتدخل في شؤون الدولة العثمانية .

رابعا - الزعم بان الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وبطريركها هو راعي الأرثوذكس في العالم نظير رعاية الفاتيكان للكاثوليك ، في محاولة مكشوفة لاخضاع  الديني للسياسي . وفي محاولة استعمارية لإلغاء دور المرجعية المشرقية لبطركية ( إنطاكية وسائر المشرق ) وكذا لدور الكنيسة ( الأرثوذكسية القبطية المصرية ) . وهذه معركة مسيحية – مسيحية ، لا دور للمسلمين فيها ، ولكن عليهم أن يدفعوا ضريبتها .

وخامسا لم يفت لافروف القائد السياسي العلماني !! أن يؤكد أكثر من مرة رفضه ، لقيام حكم وطني (سني ) في سورية ، والاقتباس  هنا بنصه من لفظه الطائفي.  ومن هنا فقد كان وأقرانه يرددون رفض انتقال السلطة إلى ( نظام سني ) .

 ويبدو أن هذا الموقف مشترك عالمي ، وهو يفسر تكرار الساسة الروس الحديث عن حقوق الشيعة ، وما يتعرضون له من حملة إبادة وقطع رؤوس على أيدي السنة ، ويفسر أيضا أسرار التحالف ( الصليبي – الصفوي الشيعي ) وتعاون الصليبين الروس والشيعة الصفويين على قتل المسلمين في سورية .

في تأريخنا للاحتلال الروسي الصليبي لسورية ، يمكن أن نستقصي سيلا من التصريحات والتعليقات والشروح يتعاور عليها كهنة وساسة ، كلها تفصح عن الدوافع الثقافية الصليبية الحاقدة للمواقف والسياسات بما فيها الاحتلال الروسي لسورية ، وللموقف الدولي برمته . يجدر بنا أن نوضح في السياق أننا حين نؤكد أن هناك دوافع ثقافية صليبية وراء الاحتلال الروسي لسورية ، وكذا وراء الموقف الروسي والدولي من ثورة الشعب السوري ؛ لا نزعم ولا يمكن لعاقل أن يزعم أن هذا الدافع هو الدافع الوحيد  في هذا السياق. أو أنه الدافع الأول والأخير ، بل الذي نريد ان ندمغ به كل الذين يتحدثون بلغة التحليل الماركسي ( أحادي الرؤية والتفسير ) هو أن هذا البعد ( الثقافي الصليبي الحاقد )  كان حاضرا ومازال حاضرا في صناعة المواقف والسياسات الروسية والدولية على السواء ، وهذا يفرض على المسلمين جميعا تحديا خطيرا ينبغي عليهم معرفته واعتباره والتصدي له .  

ونعود إلى شهر آذار من عام 2012 لنستمع إلى لافروف في مقابلة إذاعية روسية لنستمع إليه منذ وقت مبكر وقبل وجود داعش أو النصرة أو غيرها يقول ( إن الصراع  يدور في المنطقة كلها ، وإذا سقط النظام الحالي في سورية ، فستنبثق رغبة قوية وتُمارس ضغوط هائلة من جانب بعض بلدان المنطقة من أجل إقامة نظام سني في سورية . ولا يراودني أي شك في هذا الصدد . ويقلقنا في هذا الوضع مصير المسيحيين )

وبين 2012 و2016 نثر لافروف وزير الخارجية الروسية ونائبه بوغدانوف وكثير من القادة الروس وكذا حلفاؤهم الشيعة من التصريحات الصليبية والطائفية ما يخزى لذكره أي إنسان متحضر ، بل ما يجعل بطرس الناسك وجوقته التي كانت تجوب الغرب تحمل صورا لمسلم فيما يزعمون ( يبول على قبر السيد المسيح ) ، صورة من التطرف والحقد الساذج والبسيط . 

 وكان آخر ما أتحفنا به السيد لافروف من هذه الكلام النتن تصريحه منذ شهرين فقط ، وهذا فقط للانتباه إلى تطابق البداية والنهاية ، إلى ما يسمى ( البوابة الالكترونية للجمعية الامبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية ) في روسية الاتحادية وذلك في 25 / 7 / 2016 قال لافروف ( إن تنظيم الدولة – ومعلوم أن تنظيم الدولة هو العنوان الكاذب الذي يقتل المسلمين ويُقتل تحته المسلمون - إن تنظيم الدولة لا يكتفي باضطهاد المسيحيين ، بل يقوم عناصره بقطع رؤوس الشيعة بنفس الشراسة وهم يدمرون ويدنسون المقدسات المسيحية والشيعية على حد سواء )

لن ننسى أن نذكر ، ولا يجوز أن ننسى ، أنه في إطار المؤامرة الكونية على الثورة السورية ، والشعب السوري تم في الإطار المسيحي ، أول توافق ( مسيحي – مسيحي ) على مستوى الكهنوت المسيحي . هذا اللقاء الذي لم يحصل في أيام الحروب الصليبية الأولى ، حيث ظل مسيحيو المشرق والكنيسة المشرقية عموما يعرفون مكانهم في المعركة ، ويقدرون همجية الفرنجة الحاملين للصليب . فبعد ألف عام من القطيعة بين الكنيستين ، وبأوامر عليا من رجال السياسة التقى رجال الدين من الكنيستين على مستوى القمة : ففي 12 / 2 / 2016 / وفي العاصمة الكوبية هافانا التقي البابا فرنسيس راعي الكنيسة الكاثولكية بالبطريرك  كبريلوس راعي الكنيسة الروسة ، ودعا رجلا الدين السياسيين التدخل من أجل حماية المسيحيين في الشرق الأوسط ) والعجيب في موقف الحبرين أنهما لم يطلبا شهادة ( راهبات معلولا ) المسيحيات عن طريقة المعاملة التي تلقوها وهم في الضيافة التحرزية لثوار سورية المسلمين.

وأن الحبرين الأعظمين لم يستطيعا رؤية أشلاء أطفال سورية وهي تتقطع بالسلاح الصليبي الروسي ولم يقولا كلمة حق انتصارا لها .

تؤكد التصريحات المتواترة على ألسنة : الكهنة المسيحيين الروس والأرثوذكس في السياق الذي نحن فيه ، وعلى ألسنة كبار المسئولين الروس من رتبة رئيس الدولة ووزير خارجيته  فما دون على البعد الديني الصليبي للاحتلال الروسي لسورية ، وللخلفية الصليبية التي تشكل دافعا أساسا لحرب الإبادة التي تمارسها قوات الاحتلال الروسي في سورية .

إن التحدي الذي يفرضه الاحتلال الصليبي الأرثوذكسي الروسي المدعوم بالسياسات الصليبية الكاثولكية الغربية ، والمتحالف مع العدوان الصفوي الشيعي ، ليس مفروضا على الشعب السوري والعراقي وحدهما ، إنه تحد مفروض باعتباره هذا على الأمة المسلمة بأسرها ، وحين يتخاذل المتخاذلون ، ويتسلل من قادة الأمة لواذا المتسللون ، فإن لله رجالا يقومون بحق هذه الأمة وبحق هذا الدين ...

نختم ونقول للمجرمين الروس وللحبرين الأعظمين ، ولكل المصابين بالعته العصبوي النتن ونقول أيضا لكل إخواننا من المسيحيين الشرفاء :

إن كنيسة العذراء وسط إدلب ، والتي شيدت في عام 1886 بفرمان من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني . والتي كانت متعبدا لألف أسرة مسيحية سورية ، لم يدمرها الثوار السوريون ، ولم يدمرها المسلمون السوريون ، وإنما دمرها الاحتلال الروسي الصليبي الغادر بقصفها بتاريخ 10 / 8 / 2016 ضمن عشر غارات شنها القتلة والمجرمون على مدينة التين والزيتون والبطولة والفداء ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 687