العمالة عقيدة سياسية تنبثق عنها شعائر ومشاعر

هذا تعليق صحفي على مفاعيل المشاركة الجنائزية في تأبين عدو فلسطين اللدود من قبل رجالات المشروع الوطني الاستثماري، إذ لاقت مشاركة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بجنازة رئيس دولة الاحتلال اليهودي "شيمعون بيريز" في القدس المحتلة، استهجانا شعبيا وفصائليا، وقد وصف بعضها تلك المشاركة بالخيانة العظمى، مثل ما جاء على لسان قيادي في حركة الجهاد الإسلامي، بأن المشاركة تجاوزت التنسيق الأمني المقدس إلى إعلان المحبة والمواساة للمحتل القاتل. وفي المقابل دافعت مفوضية الإعلام في حركة فتح، بالقول إن المشاركة "هي جزء من مسؤوليات رئيس الدولة، ويتوجب على الفلسطينيين إدراك أبعاد ورسالة السلام الفلسطينية القوية للعالم التي تحملها المشاركة" (قدس الإخبارية 2016/9/30). وذكر موقع المركز الفلسطيني للإعلام أن رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية، ماجد فرج تغيب عن الجنازة بسبب حادث تعرض له أثناء ذهابه لحضور التشييع.

***

 هكذا تداعى وتسابق قادة المشروع الوطني الاستثماري لتقديم واجب العزاء في قائد المشروع الصهيوني، لدرجة أن السرعة في الحدث أوقعت رئيس المخابرات السلطوية القمعية في حادث مروري... وشدّوا الرحال إلى بيت المقدس، ولكن ليس نحو المسجد الأقصى بل نحو حضن الأعداء المجرمين، وليس ليوقدوا قناديل الأقصى، بل لإلقاء نظرات الوداع على مجرم حرب عتيق، متحدّين مشاعر الأمة الإسلامية وأحاسيس آباء الشهداء وأمهاتهم، ومستخفين بثقافة الأم.

وأظهرت صورة لكرازاي فلسطين خلال مراسم التأبين وهو في حالة حزن شديد على رحيل أحد أقطاب المشروع اليهودي الذي شرد أهل فلسطين من بلادهم، ورمّل الأمهات ويتّم الأطفال وارتكب المجازر المتتالية، وعلى رأسها مجزرة قانا، وذلك كله دون خجل أو وجل، ودون أن يحسب حسابا لكوادر حركته، وكأنه يعتبرهم قطيعا منقادا خلف دولاراته، وهو يأمن ردّات أفعالهم تحت لمعان المصالح والمناصب.

إن سجل بيريز طويل عريض، وهو من أقطاب حزب العمل، الحزب الذي أسس دولة يهود ثم حكمها لمدة 30 عاماً متتالية، وإذ تتحدث الأعراب عنه كرجل سلام (حول خديعة إقامة دولة فلسطينية هزيلة) يتجاهلون أن مبادئ حزب العمل أساسا قد قامت على معارضة تقسيم فلسطين لدولتين، وقد عبر بيريز في كتابه "الشرق الأوسط الجديد"، عن رؤية توسع سياسي اقتصادي لكيان يهود في بلاد المسلمين، وروّج للتطبيع بديلا عن فكرة "الأرض مقابل السلام".

وتحدث في كتابه ذاك عن مستوى التنازلات من قبل قادة منظمة التحرير الفلسطينية في اتفاق القاهرة (1994) بالقول "لقد حصلنا على تنازلات ما كنّا لولاها نستطيع إبرام اتفاقية"، وتحدّث ضمنا عن خيانة قادة المنظمة لمصالح شعبهم عندما ذكر التنازلات الأمنية بالقول "إن المفاوضات الجارية لم تكن بين طرفين، إسرائيلي وفلسطيني، بل بين إسرائيل ونفسها".

إن هذه المشاركة السلطوية التي تداعى لها من يصفون أنفسهم بالقادة، هي التعبير العفوي عن حالة الانقلاب على القيم، التي تصر على تحويل عقلية المناضل إلى عقلية حرس حدود عند من "ناضل ضده"، وإلى استمراء وجود هذا الكيان الباطل وقبول المحتل وقادته.

إن مثل هذا السلوك الخياني كفيل في الدول ذات السلطان الحقيقي أن يحرّك ثورة لا تهدأ حتى تنال من هذا "الزعيم" الذي يتحدّى أمّته ويريق دماء أبنائها ويقمعهم في سجونه، بينما يبكي رحيل العتاولة من أعدائه، لأن هذه المشاعر العفوية لديه هي تعبير عن حالة الانتماء الشعوري الفعلي، وهي انعكاس سلوكي لعقيدة التنسيق الأمني المقدّس، التي جعلت حياة المحتلين أعلى وأغلى من حياة المسلمين.

إن هذا الموقف يكشف اليوم عن أنّ العمالة عقيدة سياسية تنبثق عنها شعائر ومشاعر، دفعت مهندس أوسلو وكرازاي فلسطين للمشاركة في شعائر جنائزية شيطانية لمجرم حرب، في يوم من أيام المسلمين الذين يهرعون فيها للمساجد لعبادة الله. ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾.

وسوم: العدد 688