لماذا يحقد الروائي أمين الزاوي على أبي هريرة؟

مقدمة الأمين .. أعترف أني لم أقرأ روايات الروائي الجزائري أمين الزاوي، وبالتالي لا أناقشه من الزاوية الروائية ولا أتطرق إليها أبدا، فهذا الجانب له أهله وأصحابه.

لكني قرأت له مقالات باللغة العربية والفرنسية، وتابعت حواراته عبر الفضائيات الجزائرية وغيرها، ونقلت عنه بعضها في مناسبات عدة.

إمتازت مقالاته التي يكتبها باللغة العربية بالبساطة، والأسلوب المباشر، ودفاعه عن قيم المجتمع الجزائري المعروف بفطرته السليمة النقية، خاصة تلك اليوميات التي كان يكتبها بجريدة يومية جزائرية حول طفولته، ودراسته، وأعياده و "زوج دورو". وكانت مقالاته في غاية النقاء والبساطة، وتعبر بحق عن المجتمع الجزائري، وأعترف أني كنت من المتتبعين لها، لأنها ترسم فطرة المجتمع الجزائري السليمة ببساطة وعفوية نادرة.

وأمين الزاوي يكتب باللغة العربية واللغة الفرنسية، لكني لاحظت كقارىء متتبع ، أن محتوى ما يكتبه باللغة الفرنسية يختلف عن محتوى ما يكتبه باللغة العربية.

ففي الكتابة باللغة الفرنسية، تجده عنيفا، قاسيا ، يتنكر لمجتمعه أحيانا، مستهزئا ببعض القيم، يحاول أن يفرض نوعا من التفكير غير الذي ينشره عبر اللغة العربية، يميل أحيانا لبعض الدراسات والكتّاب الذين ركزوا على بعض القضايا الخلافية ويتعمدون إحياءها، وكأنه يتحدث إلى أجانب وليسوا جزائريين، أو يريد بكتاباته الفرنسية أن يستعطف جهة ضد جهة، ويحيي طائفية مقيتة بغيضة. ومن هنا يتضح للقارىء المتتبع، أن لأمين الزاوي شخصيتين..

شخصية الذي يكتب ويتحدث باللغة العربية، وشخصية الزاوي الذي يكتب ويتحدث باللغة الفرنسية. ويبقى للمتتبع أن يبحث عن الأسباب والدوافع، ولصاحب الشأن الحق المطلق في قبول نظرتنا الشخصية، أو رفضها رفضا مطلقا .

والمقال الذي بين أيدينا والذي كتبه الروائي أمين الزاوي بعنوان " العلبة السوداء للإسلام" باللغة الفرنسية، يندرج ضمن السياق الخاص بكتاباته باللغة الفرنسية، التي سبق أن شرحنا بعض جوانبها، وهي ..

نقد محتوى المقال.. يتساءل أمين الزاوي: هل هناك علبة سوداء للإسلام؟. وما ذا تحتوي هذه العلبة السوداء؟. ويرى أن الإجابة على السؤال تتطلب العودة للأيام الأولى للإسلام، حيث تمنحنا معلومات حول بداية الصراع ما بين الإسلام، والصراع ما بين المسلمين.

أقول.. هل يوجد صراع ما بين الإسلام !!.

ويجيب الكاتب بأن العلبة السوداء تكمن  في شخص واحد هو أبو هريرة. طبعا أمين الزاوي لا يستعمل مصطلح الصحابي حين يتحدث عن الصحابة، ناهيك عن مصطلح سيّدنا حين يتحدث عن الصحابة، ويصفه بقوله.. هذا الشخص.

ويتساءل قائلا: من هو هذا أبو هريرة؟ . وبهذه الطريقة والكيفية يتعامل أمين الزاوي مع سادتنا الصحابة رضوان الله عليهم. فأبو هريرة بالنسبة له هو..

شخص، هذا، ومن هو هذا أبو هريرة؟، هذا الأخير، بالغ في نقل الروايات، وما يؤاخذ عليه، بالغ في نقل الأحاديث، الأحاديث التي رواها تشعل النيران والأحقاد لحد الآن، تثير الجدل، هذه الشخصية.

ويرى بأن أبي هريرة وعائشة زوجة النبي هم الأكثر رواية للحديث والسنة. مع العلم أمين الزاوي يترضى على أمنا عائشة، وهذا ما لم يفعله إطلاقا مع سيّدنا الصحابي أبي هريرة صاحب العلبة السوداء كما يسميه. لكن لا يتعامل معها على أنها أم المؤمنين، ويكتفي بالقول إنها زوج النبي.

يقول: عدد الأحاديث التي حصدت ونقلت من طرف هذا الأخير هي 5374 حديث. هكذا يتعامل الزاوي مع الصحابي الجليل، ويسميه هذا الأخير.

ويتساءل كيف يمكنه أن يروي هذا الكم من الأحاديث وهو لم يعش مع الرسول إلا مدة أقل من أربع سنوات بقليل، بينما علي بن أبي طالب الذي عاش طول حياته مع الرسول لم يرو غير 40 حديثا، وأبو بكر الصديق نقل 140 حديثا.

أقول.. أمين الزاوي إختار مصطلح "يروي " حين تطرق لسيّدنا علي بن أبي طالب، واختار مصطلح "نقل" حين تطرق لسيّدنا أبي بكر الصديق.

وما يؤاخذ على أبي هريرة – هكذا يقول – بكونه تحدث كثيرا عن النبي وبالغ في نقل الروايات.

وينقل عن الخلفاء عمر بن الخطاب، وأبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وعائشة زوج النبي، معارضتهم لأبي هريرة، وضربه، ومنعه من المبالغة في رواية الحديث. وقال..

ويعتبر أبو هريرة كاتب بني أمية في عهد معاوية، وتولى في عهدهم إمارة المدينة، وأن بعض الأحاديث التي رواها مازالت تشعل النيران، وتغذي الفتنة والأحقاد لحد الآن. ويقول صاحب الأسطر على إثر هذه المعلومة..

إذن المسألة لا علاقة لها بالصحابي أبي هريرة وما ذكره من أحاديث التي تبدو مبالغ فيها حسب أمين الزاوي، إنما لها علاقة بجانب سياسي يتعلق بالحقد على كل ما كان في عهد الفترة الأموية، والتي تبقى مرحلة تاريخية كغيرها من المراحل لها مالها من السلبيات ولها مالها من الإيجابيات، وكأن العمل ضمن الدولة الأموية جريمة لا تغتفر.

فهل يرضى أمين الزاوي أن يقال له ذات يوم، أنه صاحب فتنة لأنه كان يعمل ضمن الدولة الجزائرية، وتقلد منصب مدير المكتبة الوطنية في عهد الدولة الجزائرية؟.

وكان على أمين الزاوي أن يفرق بين أبي هريرة الراوي للأحاديث النبوية الشريفة ويناقش ما شاء بأسلوبه وحسب درجة ثقافته وعلمه ، والفترة الأموية أو غيرها من الفترات. لكنه إتخذ من الفترة الزمنية الأموية معيارا ليحاكم الصحابي ، فوقع في فخ الساسة الذين يستخدمون الدين لأغراضهم، ووقع في ما حذّر منه.

فهو عندما يقول كان أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه موظفا لدى الأمويين ، معناه حسب مايفهم من الزاوي، أنهم كانوا يدفعون له مقابل الصمت عن أحاديث بعينها، والجهر بأحاديث بعينها !!. ويعترف صاحب الأسطر أن هذه النقطة بالذات هي التي دفعته للتعقيب على المقال.

فالزاوي ينحاز لفكر مفاده أن كل ما روي في الفترة الأموية من أحاديث نبوية لا أساس له من الصحة، ويرفض أحاديث سيّدنا أبي هريرة لأنه ببساطة كان موظفا عند بني أمية . فعوض أن يناقش عيّنات من الأحاديث النبوية ، راح يحاكم صحابيا من خلال الدولة الأموية، فتحول بالتالي إلى سياسي يحاكم المنتوج العلمي، والفكري، والحضاري من خلال الدولة الأموية التي يختلف معها ونختلف معها أيضا في بعض القضايا السياسية والعلمية، ومن خلال سلوكات الدولة الأموية التي تخضع كغيرها من سلوكات الدول السابقة والحالية والقادمة إلى النقد الصارم الشديد.

ويطالب الزاوي علماء الإسلام بمراجعة صارمة لهذه الشخصية – هكذا يصف سيّدنا أبي هريرة - ، ومراجعة كتاباته الضخمة بطريقة عصرية من طرف آخرين.

ويرى بأن شخصية أبو هريرة مركزية في الإسلام، لكنها تثير الجدل – هكذا يصف أبو هريرة -. ثم يضيف، ويبقى إلى جانب البخاري ومسلم، العلبة السوداء للإسلام.

أقول.. المسأله تعدت إذن أبو هريرة إلى سادتنا البخاري ومسلم، حسب وجهة نظر أمين الزاوي، ما يستدعي في نظره إعادة النظر فيما جاء في الصحيحين .

ويرى بأن الحقد، والعنف، والأصولية، والحروب الدينية توجد في الأحاديث غير الموثوقة ، والتي توجد بدورها في العلبة السوداء للإسلام، أي أبو هريرة والبخاري ومسلم.

أقول.. يا لطيف، هؤلاء هم سادتنا أبو هريرة والبخاري ومسلم في نظر الروائي أمين الزاوي.

وسوم: العدد 688