جماعة الإخوان ورجالاتها، السنبلة المزهرة في صحراء الناس المجدبة

بلاغ براءة ثان لمن لا يعلم

بعد أن عشنا في البلاغ الأول أجواء المراحل المختلفة التي أحاطت بعطاء الجماعة وفلذات أكبادها من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه - نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحد - والتي جعل الله سبحانه وتعالى ثمرة هذا العطاء تلك الأجيال المتتابعة التي أضحت أمل الأمة وضميرها الجمعي، والذي أنقذ الله بها الأمة وأجيالها من براثن ما كان يتم الكيد به لها لحرفها عن منهجها وتمييع مفهوم الإسلام في نفوسها، فأوصلوا حقائقه ومعانيه غضة طرية، لهذ الأجيال وللبشرية جمعاء ...

وإذا كان البلاغ الأول اهتم بالتعريف والتبصرة عما كان مخبوءا في ثنايا الحملات الإعلامية الظالمة على الجماعة ورموزها ممثلة في شخصية فضيلة نائب مرشدها الأستاذ إبراهيم منير ومن معه من قادة سفينة الدعوة في هذه المرحلة بعد الاجتزاء المشبوه والافتراء الكاذب والتأويل المخل الممجوج لحلقة من حلقات مراجعات فضيلته مع قناة الحوار الفضائية أجريت منذ أكثر من 5 سنوات!

تلك المراجعات التي تحدثت عن صفحات مضيئة من صفحات العطاء في تاريخ الجماعة - ولله الفضل والمنة - في خدمة أمتها وبني وطنها.

واليوم نكشف بجلاء ووضوح وبالدليل والبرهان كذب هذه الحملة وزيفها أمام من لا يكون قد أسعفه الظرف أو سمح له الوقت بالوقوف على الزيف والافتراء المتضمن في هذا الهجمة المشبوهة، بأن نضع أمام القاريء الكريم رابط حلقتين من حلقات هذا المراجعات اجتزأ أصحاب هذا الحملة ما ورد فيهما لتكون مادة هذه الحملة المشبوهة التوجه!! ليستمع إليهما بكل تأن وروية:

الحلقة الثالثة عشر

الحلقة الرابعة عشر

فيدرك مدى البهتان الذي اقترفه أصحاب هذه الحملة.

ثم عودة مرة أخرى إلى صفحات التاريخ وبالرجوع قليلا إلى نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات من القرن العشرين حينما بدأت سنبلة الجماعة يقوى عودها ويشتد ساعدها وتزدهر ثمراتها في دنيا الناس على ربوع أرض الكنانة وما حولها، مما أغاظ البعض من المناوئين وللأسف كان منهم بعض من بني جلدتنا والمتحدثين بنفس لغتنا والمنادين بنفس ما تنادي به، فخرجت الإتهامات الظالمة "حسن البنا يخطب في الميدان ..." ... ولكن حينما جاء وقت الحصاد كان الزرع الذي زرعه الإمام البنا ورجال الدعوة هم الذين في الميدان، وكان الرجال الذين تربوا في أحضان هذه الدعوة، هم أوائل المضحين في ميادين البذل والعطاء على ربوع فلسطين الحبيبة وفي أجواء القدس المزهرية وعلى ضفاف النيل الأبية منذ عام 1948 وما بعده، والتي بلغ أوجه عطاء سنبلة الدعوة باستشهاد وإهراق دماء الزارع الأول والراعي الراشد لها الإمام المؤسس الشهيد حسن البنا ودخول أوتاد الدعوة في خلوة مع الله - الغاية والمرتجى في سجون الظلمة والطغاة، سقيا وريا لشجرة الجماعة وسنابلها التي بدأت تورق.

وحينما شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يحمل الراية جيلا ثانيا يخرج من بين الصفوف حتى وإن كانت غير معلومة في دنيا الناس، بعد استشهاد  الإمام المؤسس وانكشاف غبار الحملة الظالمة التي جوبهت سنبلة الجماعة بحملة مشابهة إن لم تكن أشد وأعتى أعقبتها حملات متنوعة ومتعددة الرايات، وللأسف شارك فييها من نسي أن:

الحر من راعى وداد لحظة     وانتمى لمن أفاده لفظة

فتلقت السنبلة وعودها الكثير من حملات التشويه والهجوم، ولكن إرادة الله كانت وستظل أقوى وأرحب وأرحم وعافيته هي الأوسع، فبقيت السنبلة غضة طرية مستمرة في عطائها بإذن ربها بالرغم من كل الزخارف التي حاولوا بها إبعاد الأمة وأبنائها عن تلقف ثمارها، وكان معلم الصمت الشامخ وإخوانه في ليل المحنة الطويل الذي حل على أرض الكنانة حتى السبعينيات من القرن الماضي هم السقاة والرواة لسنبلة الدعوة، التي أغدقت وأينعت وتفرق بعض ثمارها لتنبت في أرض الله سنابل وليدة، ويحيى بها الله أجيالا جديدة من أبناء الأمة يمتد عطاءها لينفع به الله البشرية جمعاء.

ودارت عجلة الزمان ومضت على السنبلة ورجالاتها عقود من الثبات وتجذر الجذور بفضل من الله ومنة في صحراء الحياة بالرغم من سجون الظلم والطغيان، حتى قيض الله لهذه السنبلة رعاة أمناء أوفياء خرجوا من رحم المحن حاملين الراية والمشعل، فكان قدر الله للسنبلة أن تعود مرة ثانية إلى بستان العطاء في منتصف السبعينيات من القرن الماضي وما بعده، كان من أثره بفضل الله سبحانه وتعالى تلك الصحوة الإسلامية الوارفة الظلال التي عاشت في ظلها أجيال الأمة الجديدة والتي أخرجتهم من زيف التصورات وخداع الدعاوى والرايات إلى صدق التوجه والغاية، ولكن أيضا كان من عطائها بعض الأوراق التي شاركت في حملة ظالمة ضمن مخططات التشوية والهدم المستمر لكل مقومات الفلاح والنجاة في الأمة التي تحاول سنبلة الدعوة أن تغذيها، ولكن كان وسيظل قدر الله غالب، فتحولت أشجار الدعوة إلى بساتين وارفة الظلال مغدقة العطاء في بقاع كثيرة من عالمنا كله بالرغم من كل محاولات الهجوم والتشويه والتي ساهم فيها للأسف بعض من كان لا يرجى مشاركتهم فيها..

واستمرت السنبلة الأم وسنابل الخير الأخرى في العطاء وتوزعت حبات عطائها على بيئات شتى وفي أرجاء واسعة وتعمقت أعواد السنابل الجديدة بفضل ما رويت به من عطاء رجال هذه الدعوة ومباركة صاحب الأمر سبحانه وتعالى في هذا العطاء، وأضحت نبراس الأمة ومنارة سفينتها في مرحلة الصحوة الإسلامية الواعدة وخاصة في أوقات الريح الهوجاء والعواصف المدمرة بفعل أحداث حاولت أن تأخذ السفينة إلى مسارب غادرة ومسالك مهلكة، ومرة أخرى كان عطاء رجال هذه الدعوة السبب بعد الله سبحانه وتعالى في أن تتخطى سفينة الأمة هذه الشعاب المعوقة وتلك المسارب الغادرة، على الرغم  من استمرار الحفر لها وتوسيع مجرياتها لكي تحرف شباب الأمة وتوقعه في غوائلها!

حتى جاءت المرحلة الحالية التي نمر بها والتي تواجه فيها سنبلة الجماعة بريح عاتية وعواصف هوجاء قوية تسعى لاقتلاعها من جذورها - ولكن هيهات لهم هذا بفضل من الله ومنة - فضلا عن إيقاف عطائها وبعثرة ثمارها حتى لا تستمر في إرواء حياة الناس، وللأسف يشارك في ذلك من حيث لا يدرى  - والله حسيبه وحسيبنا - بعض ممن كانوا ثمرات هذه السنبلة، فيقومون بالاجتزاء المشبوه والإفتراء المجحف والتأويل المخل ورفع سراب الدعاوى الخادعة التي سبقها إليهم آخرون عبر حياة الدعوة المبارك، والتي بفضل الله أولا وأخيرا ثم بثبات وتمسك رجال هذه الدعوة بما مضى عليه أسلافهم غير مضيعين ولا مبدلين، ذهبت أدراج الرياح، ولم يبق من بعدها إلا الحسرة والندم على ما فات وما اكتسبت الأيادي مما خطته، وصحائف التاريخ الشاهدة على ظلم هذه الحملات ومدى سراب الخداع الذي وقع أصحابها فيه، وبقيت سنبلة الجماعة قائمة تزهر في حياة الناس يرويها عطاء الرجال الذين وجهت سهام مثل هذه الحملات إلى صدورهم والنيل من عطائهم الخفي المتجرد، لأن إرادة الله هي الغالبة دوما، واستمر العطاء وانزوت الحملات بعد أن سجلت الصحائف، وبقي رجال الدعوة الأخفياء الأتقياء سنابل الخير لأمتنا، والتي نحسب أن رمزنا ومن معه من رجال هذه الدعوة في هذه المرحلة موضوع هذه الحملات الظالمة اليوم، من بينهم، نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحد، والله حسيبهم وحسيبنا جميعا .. وصدق الله العظيم إذ يقول:

(والذين جاهدوا فيينها لنهديهم سبلنا...)

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (الحشر: 10).

ألهمنا الله وإياك الرشد وهدانا سواء السبيل.

آمين.

والله أكبر ولله الحمد.

وسوم: العدد 692