ما الذي جرى بطموحات ألمانيا بدور اكبر بالمسرح الدولي ؟

برلين ‏30‏/10‏/2016  أكدت وزيرة الدفاع الالمانية اورزولا فون درلاين ومعها وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير رغبة واستعداد المانيا بلعب دور كبير لانهاء النزاعات في العالم سياسيا وعسكريا فالمانيا تملك المقدرة بدعم سياسة الامم المتحدة بانزالات عسكرية سلمية في مناطق النزاعات والمشاركة بقدر كبير بانزالات عسكرية لحلف شمال الاطلسي / الناتو / وبرلين لا تريد ان تنظر الى تطورات ما يجري بالشرق الاوسط واوروبا ببرودة واسناد الغير مهام انهاء النزاعات بالمنطقة لمذكورة وغيرها . كما أكد على ذلك رئيس الدولة الالماني يوئاخيم جاوك دعمه لتصريحات وزيريه الدفاع والخارجية .

كان ذلك في مؤتمر ميونيخ الخمسين للامن والسلام الدوليين في شباط / فبراير عام 2014  اذ شارك فيه ولاول مرة منذ تاريخ تأسيسه رئيس الدولة الالماني .

الا ان تأكيدات وتصريحات جاوك وشتاينماير وفون دِرْ لايِن بقيت بدون تنفيذ ، وهو اعتراف غير مباشر من وزير الخارجية شتاينماير الذي اشار  بندوة حوار مع الشباب عقدت بوزارة الخارجية يوم الاثنين من 24 تشرين اول /اكتوبر الحالي ، فهو قد أكد ان الامم المتحدة ومعها شعوب بمنطقة الشرق الاوسط وافريقيا وامريكا اللاتينية وفي آسيا يتطلعون الى قيام المانيا بدور بارز لانهاء النزاعات ببلادهم ، الا ان تطورات ما يحدث في اوروبا مثل تدفق اللاجئين المخيف على اوروبا وعدم وجود تضامن حقيقي للسياسة الخارجية لاوروبا جعل من السياسة الخارجية لالمانيا الاضطرار بالانزواء قليلا انتظارا لما تسفر عنه التطورات السياسية في العالم وخاصة في سوريا .

وأوروبا تنتظر مبادرة المانيا بانهاء الحرب في سوريا ، وهو ما يؤكده اكثر السياسيين الاوروبيين في مقدمتهم وزير خارجية اللوكسبمورج جان اسيلبورن الذي رأى انه اذا ما اعلنت برلين الحرب على نظام بشار اسد وسحب ملف سوريا من واشنطن وموسكو واتخاذ سياسة حازمة تجاه ايران ، فالمانيا  اثناء رئاستها للاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي / الناتو / وعضويتها بمجلس الامن الدولي بين عامي 1999 و 2001 استطاعت انهاء حرب البلقان بإعلانها الحرب على صربيا بعد ان فشلت جميع الجهود السياسية لوقف اعتداءات صربيا على  الكوسوفو وانتهت الحرب بتدخل المانيا واوروبا و / الناتو / . 

وربما يعود سبب تراجع قوة السياسة الخارجية لالمانيا الى حكومة سابقة للمستشارة انجيلا ميركيل التي كانت تضم المسيحيين الديموقراطيين والديموقراطيين  الاحرار / الليبراليين / فوزير الخارجية السابق / الليبرالي / جويدو فيسترفيليه / رحل عن عالمنا في وقت سابق من عام 2016 الحالي / فقد اكد فيسترفيليه وقتها أن المانيا تنتهج السلمية في سياستها الخارجية ولذلك امتنع عن تصويت المانيا لصالح حظر تحليق طائرات فوق ليبيا عندما كانت المانيا بين سنوات  2010 و 2012 عضوة بمجلس الامن الدولي الامر الذي اعتبر وقتذاك ضربة موجعة للسياسة الخارجية لبرلين كما اعلن معارضته انهاء حظر اسلحة الى سوريا عندما اعلن الاوروبيون في ايار / مايو عام 2013 انهاء الحظر واعلنوا وقتها استعدادهم لارسال اسلحة الى الجيش السوري الحر . هذه السياسة لا تزال تخيم على السياسة الخارجية لالمانيا بالرغم من استعداد الحكومة الالمانية القيام بدور رائد لانهاء النزاعات في العالم عسكريا الى جانب السياسة .

ومن اسباب انزواء السياسة الخارجية لالمانيا ، النزاع المباشر بين واشنطن وموسكو حول النفوذ في سوريا ، فقد لقيت التعاليق بان ما يجري في سوريا حرب بين السعودية وايران على ارض سوريا تلبين فيما بعد ان موسكو وواشنطن تتحاربان هناك . عدا عن ذلك فان الازمة الاوكرانية لم تنتهي بعد بالرغم من جهود الحكومة الالمانية انهاءها من خلال  اتفاقية مينسك / روسيا البيضاء / عام 2014 التي تكمن بوقف اطلاق النار  بالشرق الاوكراني واستلام المنظمة الاوروبية للامن والسلام الاشراف على تلك المناطق ، الا ان تلك الاتفاقية لم تنفذ بشكل كامل ، الامر الذي كان وراء انعقاد قمة رباعية ببرلين في وقت سابق من تشرين اول /اكتوبر الحالي  لتقوية اتفاقية مينسك من جديد ، فالقمة الرباعية الاخيرة أثبتت ان السياسة الخارجية لالمانيا ضعيفة بعض الشيء نظرا لوجود خلافات بالرأي بين حزبي الائتلاف الحكومي المسيحيين الديموقراطيين والديموقراطي الاشتراكي فالمستشارة انجيلا ميركيل ومعها اقطاب من حزبها / المسيحي الديموقراطي / يطالبان بسياسة حزم وعزم تجاه موسكو من بينها تشديد العقوبات الاقتصادية بينما يرى زعيم الحزب الديموقراطي الاشتراكي نائب المستشارية ووزير الاقتصاد زيجمار جابرييل معارضته لذلك الامر الذي كان وراء اضطرار وزير الخارجيبة شتاينماير تأييد جابرييل مؤكدا ان العقوبات الاقتصادية لن تفيد . 

السياسة الخارجية لالمانيا اصيبت بضعف كبير ، فالمستشار الالماني السابق جيرهارد شرودر ووزير خارجيته يوشكا فيشر كانا قد أكدا مرات عديدة احقية المانيا بمقعد دائم بمجلس الامن وساهمت السياسة الخارجية كسب اكثر دول العالم باصلاحات على السياسة التحتية للامم المتحدة وتأييد طموحات برلين بمقعد دائم لها بالمجلس المذكور ، الا انه عندما استلم جويدو فيسترفيليه عام 2009 حقيبة الخارجية ذهبت مطالب برلين بالمقعد المذكور الى ادراج طاولات الحكومة الالمانية المنسية ، فقد اعلن فيسترفيليه انه بذل مقعد لالمانيا بالمجلس فليكن بدل ذلك حصول الاتحاد الاوروبي على مقعد دائم بالمجلس المذكور ، الا ان انهيار السياسة الخارجية للاوروبيين لم يعد الحديث عن ذلك .

السياسة الخارجية لالمانيا  لن تعود الى قوتها على مدى السنوات القليلة المقبلة .

وسوم: العدد 692