ضياع العلماء.. ضياع للأمة ( الجزء الثاني )

ذكرنا في الجزء الأول..

أن للعلماء صفةً فريدة.. متميزة.. وهي الخوف من الله تعالى..

وهذه أعظم فضيلة.. وأجل خلق.. وأكبر سجية يتصفون بها.. 

ولذلك فإن:

مما يقض مضجعهم.. ويقلق راحتهم.. أن يروا حرمات الله تُنتهك.. أو سلطان الله يُغتصب.. من قبل الحكام!!!

فكما أن الحر.. الشريف.. يغضب.. ويثور.. ويزأر إذا شاهد أحداً من البشر.. يغتصب نساءه.. فيهجم عليه كالنَمِر الضاري.. بكل قوته ليصرعه.. ويفتك به.. أو يمنعه من تنفيذ فعلته الآثمة !!! 

بينما:

الذي يرتضي بهذا الخنا في أهله.. يُسمى ( ديوثاً )..

وكذلك العالم إذا رأى طاغوتاً.. متسلطاً.. ويغتصب سلطان الله.. فيحكم بين الناس بهواه.. وبشرع العبيد.. ويلقي شرع الله تحت حذائه!!!

فإنه يغضب أشد الغضب.. ويثور كالبركان المتفجر.. ويزأر كالأسد الهصور.. في وجه الحاكم الطاغي.. المغتصب لحق الله وسلطانه.. ويطالبه فوراً.. بالرجوع عن هذا الإغتصاب الفاجر.. الآثم.. وإعادة الحق إلى صاحبه.. بتطبيق شرع الله..

وإلا:

عليه أن يتنحى عن الحكم فوراً.. 

أو:

يقيم العالمُ الدنيا.. ولا يقعدها في وجهه.. 

ويطالب الشعبَ بالثورة عليه.. والتمرد.. والعصيان لأوامره.. وإجبارِه على الرحيل عن العرش..

والذي يرتضي باغتصاب سلطان الله.. ولا يهتز في جسده شعرة.. لانتهاك حرمة الله!!!

ويعيش آمناً في سربه.. مرتاح البال!!!

فهذا جرمه.. أكبر من الديوث.. الذي رضي الخنا.. بأهله!!!

ولذلك:

يُسمى ( ديوثاً أكبر ).. 

ولا يُسمى ( عالماً ).. وإن كان يلبس لبوس العلماء.. ويهز المنابر بصوته الجهوري!!!

ويُشار إليه بالبنان.. من قبل العامة!!!

وقد يتساءل البعض:

بماذا تسمي هذا الصنف من البشر؟

يمكن أن تسميه ( عويلماً.. أو تلميذاً.. أو متدرباً.. أو واعظاً.. أو شيخاً )... 

الجزء الأول

كان لا بد في هذا الجزء من التأكيد على هذه الحقيقة ( صفة العالم.. وواجبه تجاه ربه ) قبل الإجابة على أسئلة الشيخ ( أبي الفتح البيانوني ) التي أرسلها مع أحد الأخوة الأكارم .. كتعقيب.. أو إضافة لمقالتي ( أسئلة هامة وخطيرة جداً.. لمقاتلي سورية )..

ويقول: 

بكل جرأة على الله.. وجسارة على المؤمنين.. واستهانة بكتاب الله.. واصرار على الإثم.. وإعتزاز بالسقوط إلى الهاوية!!!

أبشركم بأن باب التوبة مفتوح.. للحاق به في قعر جهنم السحيق!!!

يا ويلتاه!!!

هو لا يكتفي.. بأنه هوى إلى أسفل السافلين.. وأصبح في خطر كبير.. بل يدعو الآخرين إلى السقوط وراءه!!!

والله.. وأنا أكتب هذه الكلمات.. تذرف عيوني دماً.. وليس دمعاً.. حزناً.. وألماً.. ولوعة.. وحرقة على هذا الرجل الذي أعرفه منذ 43 سنة.. 

كيف كان في قمة العداء.. والمحاربة للطاغوت الأسدي لأكثر من ثلاثين سنة.. حسب معرفتي.. ثم فجأة.. يهبط إلى القاع.. ويتحول إلى التمجيد.. والتسبيح بحمد الطاغوت.. ويصبح من أركانه.. ودعائمه.. وأزلامه!!!

فهل ياترى..

كان في السابق على خطأ.. وضلال.. وأصبح الآن على حق.. وصواب!!!

أم العكس؟؟؟!!!

سأذكر بكلمات سريعة.. ومختصرة عن معرفتي به.. وشهادتي به.. من أول يوم التقيت به.. إلى آخر يوم فارقته..

تعرفت عليه أول مرة.. حينما زرته في الرياض في شهر رمضان 1393 الموافق ت1 1973 أثناء حرب رمضان المعروفة مع بني إسرائيل.. 

وكنت وقتها قادماً للعمل في منطقة أبها.. وكان هو يعمل مدرساً في جامعة الإمام..

وبدى لي من حديثه.. ومن تزكية ابن عمي الذي عرفني به.. أنه من أركان المعادين لنظام الأسد.. مثله مثل: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة.. علي الهاشمي.. عبد القدوس أبو صالح.. فوزي حمد.. محمود ميرة.. حسين قاسم.. عمر الأميري.. الذين تعرفت على بعضهم في الرياض.. وبعضهم فيما بعد بالمدينة المنورة.. والأخير الأميري.. زارني في أبها.. حينما كان مدعوا لإلقاء بعضاً من شعره.. في جامعة الإمام.. 

ثم زارني في المدينة المنورة.. حينما انتقلت إليها..

وكذلك كان لنا لقاء معه.. في بيت البيانوني..

وأثناء الثورة السورية الأولى أيام الأسد الكبير 1979- 1982 تشكل مجلس.. يضم مختلف الجماعات الإسلامية.. إضافة إلى الشخصيات المستقلة البارزة.. لتوحيد العمل..

وكان هو من أركان هذا المحلس.. وأخذ هو وعدد من أعضائه.. يتجولون في مناطق السعودية.. للحصول على الدعم المعنوي والمادي.. وقد جاءنا إلى أبها.. وجلسنا معاً.. نناقش.. ونتدارس طرق دعم الثورة...

ثم انتقلت إلى المدينة المنورة.. لفتح عيادة خاصة في 1983.. وانتقل هو أيضاً إلى المدينة المنورة.. وتواصلت الزيارات العائلية.. واللقاءات الجماعية.. مع الجالية السورية طول 15 عام تقريباً.. 

كان فكره وعمله.. متوافقاً مع كل السوريين المعادين للنظام.. ولم أر منه شذوذاً.. أو أسمع منه انحرافاً عن هذا الخط إطلاقاً.. 

وكان نشيطاً.. ومتعاوناً مع أي مشروع.. يؤدي إلى اسقاط النظام..

في عام 1998 علمت أنه انتقل للعمل في قطر.. وكانت لي زيارة سريعة إلى قطر.. فنزلت ضيفاً عنده.. واستقبلني في غاية الكرم.. والترحاب.. وعمل سهرة.. جمع عدداً من السوريين الطيبين.. 

وعادة في مثل هكذا لقاءات وسهرات.. يتم الحديث عن العذابات.. والالام التي كان ولا يزال يعانينها السوريون.. المهجرون منذ استلام الأسد الكبير الحكم في 1970.. وكان مشاركاً لهذا الهم العام!!!

وفي السنة التالية أُخرجت ( بضم الهمزة وكسر الراء ) من المدينة المنورة.. وبدأت رحلة التهجير.. والمعاناة.. من قبل أن تحصل الهجرة الكبرى.. قبل خمس سنوات.. لجميع السوريين..

وحينها انقطعت الصلة بيني.. وبينه.. وبين كثير من الأحباب.. والأصحاب.. ولم أعد أعرف ماذا حصل له.. 

إلا أني سمعت.. أنه في الفترة الثانية لحكم بشار.. 

أخذت مخابراته تشجع بعض الشخصيات السورية.. وخاصة المشايخ.. وأصحاب العمائم.. للرجوع إلى سورية بطريقة مهينة.. ذليلة عن طريق المخابرات.. وبعد إعطاء تعهد.. بالولاء الكامل للطاغوت.. والإلتزام بالتعليمات المخابراتية..

فأخذ معظهم يهرولون.. ويتراكضون للرجوع إلى سورية.. إلى حضن الوطن الدافئ.. ما عدا اثنين – حسب علمي – هما الشيخان عبد الغفار الدروبي.. الذي كانت له مقولة مشهورة.. كان يرددها على زواره وطلابه ( ما الذي تغير في سورية حتى نرجع ).. وعلي مشعل.. وكلاهما ماتا في الحجاز.. رحمهما الله..

ولكن شهادة للتاريخ.. 

فإن الذين رجعوا إلى سورية – على ما أظن – لم يغيروا في مواقفهم.. وعدائهم القلبي للنظام.. ولم ينبطحوا له.. إلا شيخنا الفاضل البيانوني – حسب معرفتي -.

لماذا انقلب البيانوني هذا الإنقلاب المخيف.. وهوى ذلك الهوي المرعب.. وتحول من الولاء لله.. إلى الولاء للطاغوت.. الذي يجب وجوباً عينياً الكفر به.. ولا يصح الإيمان بدون الكفر به.. 

خاصة.. وأنه من أسرة علم ودين.. 

أبوه أحمد.. كان علماً من أعلام الهدى في حلب.. وأخوه أبو النصر قتلته المخابرات في الثورة الأولى.. لأنه كان من الإخوان.. وأخوه الثاني ( علي ) كان مراقباً للإخوان.. 

وهو درس.. ودرَس ( بتشديد الراء الثانية ) طلابه.. وجوب الكفر بالطاغوت..

وهذه من أبجديات الإسلام.. والإيمان.. ولا تحتاج إلى فلسفة.. ولا شطارة..

فهذه آيات الله صريحة.. واضحة..

( وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ ).

( يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ ).

( فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ ).                                                   

ولكن.. 

كل الذي يؤلمني.. ويمزق قلبي.. وأنا أستعرض تاريخ حياته الحافل بالطيبات.. والأعمال الصالحات.. والعداوة الراسخة.. المتجذرة في قلبه.. لنظام الأسد..

أن: 

ينطبق عليه حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم...

ففِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ " فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا بَاعٌ - أَوْ : ذِرَاعٌ - فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ  ، فَيَدْخُلُهَا...... الخ "..

وهذا الحديث.. مرعب.. ومخيف.. 

ومما يحيرني.. ويشغل بالي..

هو:

لماذا انقلب هذا الإنقلاب المزلزل؟؟؟!!!

هذا يتطلب مقالة أخرى.. نذكر فيها الأسباب.. ونجيب على أسئلته...

وسوم: العدد 693