نحو العمل في المشروع البديل للشرق الأوسط الكبير؟!

محمد عبد الحكم دياب

جاء سعينا للتعريف بعدد من رواد التنوير ورموزه خلال الأسابيع الماضية؛ جاء على سبيل المثال لا الحصر.. وخطوة على طريق بيان إمكانية استعادة الإرادة الوطنية والذاكرة التاريخية للوطن والشعب من خلال ما قدمه أولئك التنويريون وغيرهم من رواد المعرفة والعلم والعمل والإنتاج.. وهذا تم بقدر ما سمحت به الطاقة والقدرة. والاكتفاء بهذه الباقة لا يمنعنا من الاعتذار لمن أبدو ملاحظاتهم عليها، ووصل بعضها درجة العتاب الأقرب إلى اللوم.. بدعوى تعمد إهمال كتاب ومفكرين وعلماء؛ لم نُشر إليهم ولم نوفهم حقهم.. وهذا ليس دقيقا.. فمن تصور أننا تجاهلنا الراحل الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، وقد كان بيننا حتى شهور قليلة خلت، وما زال لم يفارقنا بعد، ومستمر ملء السمع والبصر، وسيستمر لعقود وأجيال قادمة.. فضلا عن أنه غني عن التعريف، والكتابات عنه لا تنقطع ولن تنقطع.

أما المفكر الراحل أحمد بهاء الدين(1927 ـ 1996)، فلسنا وحدنا من يقدره حق قدره، وقد كان مصدر فخر للكتاب والصحافيين والمهتمين بعوالم السياسة والفكر والآداب والعلوم. وعُد أحد أصغر رؤساء التحرير العرب؛ يوم تولى رئاسة تحرير مجلة «صباح الخير» عام 1957.. ورأس تحرير مجلة الهلال ثم صحيفة الأهرام العريقتين، وحين انتقل إلى الكويت رأس تحرير مجلة العربي الشهرية والشهيرة فيما بين 1976 إلى 1982، ونُشرت مقالاته في كثير من الصحف العربية إلى جانب الصحف المصرية. وكان بهاء الدين مهموما بالقضية الفلسطينية.. وكانت أشهر وأهم مؤلفاته عن الإسرائيليات وما فعلت في فلسطين وغير فلسطين. ومع التراجعات التي أعقبت انتصار اكتوبر العسكري كان أول من حذر من سياسة الانفتاح الاقتصادي 1974، وله فيها مقال شهير وصفها بـ«السداح مداح»، وذلك أثناء رئاسته لتحرير صحيفة الأهرام العريقة.. وجاءت وفاته عام 1996 بمثابة شهادة على رهافة الحس، واحتجاجا على غزو الكويت.. فقد أصابته صدمة الغزو بنزيف في المخ، وسقط طريح الفراش يصارع الموت لست سنوات حتى أسلم الروح.

وكامل زهيري (1927 ـ 2008).. الذي وصفه جابر عصفور وزير الثقافة المصري الأسبق بأنه «آخر الموسوعيين العرب»، واعتلى زهيري مقعد نقيب الصحافيين المصريين لأكثر من دورة، ورأس اتحاد الصحافيين العرب، ومن أهم مؤلفاته كتاب «النيل في خطر»، وفيه نقل نص يوميات تيودور هرتزل؛ مؤسس الحركة الصهيونية، وقد نُشرت في نيويورك عام 1960، وكشف من خلالها المحاولات الصهيونية المبكرة للاستيلاء على مياه النيل. وكان ذلك دافعا وراء زيارة هرتزل لمصر لهذا الغرض في آذار/مارس 1903، وجاء يحمل معه تفويضا من وزير المستعمرات «تشمبرلين» والتفاوض به مع المندوب السامي البريطاني اللورد كرومر، وكان الحاكم الفعلي لمصر حول النيل. وبلغ «هرتزل» من الحرص أن وضع قسما ردده مرافقوه ومساعدوه بعدم إفشاء سر المفاوضات؛ تصريحا أو تلميحا، واستمر ذلك السر بعد وفاته، وبالتبعية فُرضت الرقابة البريطانية على الصحف المصرية ومنعتها من نشر أي شيء عن «وعد بلفور» عام 1917(!!)

وعن العالم الجليل جمال حمدان (1928م ـ 1993م) فقد قدمناه إلى المتابع لفكرة المشروع البديل للشرق الأوسط الكبير أو الجديد؛ ذي المحتوى والشكل والهوى الصهيو غربي، مع عرضنا لمعالجته إشكالية الاستمرار والانقطاع في مسار التاريخ المصري القديم والوسيط؛ وما ترتب عليها من قراءات مغلوطة لتاريخ المنطقة العربية بأسرها؛ عملت كلها على سلخ مصر عن «القارة العربية»، فسلسلة الأسر «الفرعونية» التي بدأت بالأسرة الأولى في 3150 ق.م انتهت عند الأسرة الواحدة والثلاثين، وكانت بداية قطيعة طالت بين مصر وتاريخها القديم؛ وخضوعها للاحتلال الفارسي عام 525 ق.م. وهذه القطيعة عوضها استمرار من نوع آخر أحدثه تفاعل تحتي بين مصر ومحيطها العربي والافريقي، مكونا سبيكة للعرب؛ كـ»أنصاف عراقيين وأنصاف مصريين».

وعبد العزيز المقالح (1937 ـ …..) مفكر وشاعر وأكاديمي؛ حاصل على الدكتوراه من جامعة عين شمس عام 1977م. وأستاذ الأدب والنقد الحديث بجامعة صنعاء. تولى رئاسة جامعة صنعاء، وحاز عضوية المجمع اللغوي بالقاهرة، وعضوية المجمع اللغوي بدمشق، وعضوية مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت.. وحصل على وسام الفنون والآداب من عدن، ووسام الفنون والآداب من صنعاء. ونال جائزة الثقافة العربية من اليونسكو بباريس، ومُنح قلادة فارس من الدرجة الأولى في الآداب والفنون من الحكومة الفرنسية، وجائزة الثقافة العربية من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وجائزة العويس الثقافية في مجال الشعر. وهو من حَمَلَة مشاعل الثقافة العربية الواحدة، ويدعو لمقاومة الهيمنة الأجنبية والتصدي لمشروعاتها المدمرة.

الشيخ سلطان محمد القاسمي (1939 ـ ….) ولد سلطان بن محمد بن صقر القاسمي بمدينة الشارقة، ونشأ محبا للعلم والمعرفة، وكان شغوفاً بالتعرف على تاريخ العرب، وهو من أهم شيوخ الخليج العربي رعاية للعلوم والآداب والثقافة والفنون، ويجد المرء ذلك منعكسا على إمارة الشارقة؛ المزدهرة بالمراكز والمحافل الثقافية، والمشاركة فيما يخدم هذه المجالات الحيوية والحضارية. وأثر موقع إمارة الشارقة على دورها التنويري بين باقي مشيخات الخليج، حيث أنها الإمارة الوحيدة التي تتشارك حدودها مع أغلب دول الخليج. وذلك جعلها تتغلب على خلافات نشبت مع أشقائها، وعادت الشارقة تنعم بالاستقرار والرفاهية في ظل هذا الحكم المستنير.

الدكتور محمد أشرف البيومي.. شيخ العلماء العرب؛ ما زال بحيوية الشباب رغم تجاوزه سنواته الثمانين من العمر، وهو من علماء الكيمياء الفيزيائية بجامعة الإسكندرية وجامعة ولاية ميشيغان، وبجانب تخصصه واهتمامه العلمي؛ معروف بمواقفه الوطنية والقومية، وبدعوته لوجود كتلة عربية قادرة على استعادة الاستقلال وتحقيق التنمية والتقدم.. وهذه المواقف لم تمنعه من التصدي لأحد تلاميذه حين حاد عن جادة الوطنية ووظف علمه في خدمة الدولة الصهيونية.. وكان ذلك هو أحمد زويل؛ تلميذه في جامعة الإسكندرية، وحذر من دوره.. حتى أنه أصدر دراسة نقدية لمشروع زويل في مصر، ودعا العلماء إلى التصدي له، واستبداله بمشروع آخر يضع الأولويات الوطنية في حسابه ويلبي احتياجات الشعب، واعتبر البيومي أن مشروع زويل ليس جديدا على قوى الهيمنة ومنها الولايات المتحدة، ورأى أن الجديد؛ حسب ما جاء في صحيفة «المصري اليوم».

والمؤرخ عاصم الدسوقي؛ هو الدكتور عاصم الدسوقي (1939 ـ ….) من مواليد محافظة الغربية.. حاصل على دكتوراه في التاريخ الحديث من جامعة عين شمس 1973، وعميد أسبق لكلية الآداب جامعة أسيوط (فرع سوهاج)، ومؤسس وعميد كلية الآداب جامعة حلوان (1995

وهذا القدر كاف للتعرف على أغلب جوانب المشروع الوطني والقومي البديل؛ ولا يبقى إلا الرد على السؤال المعلق، وهو كيف نبدأ؟

وسوم: العدد 693