قراءة سريعة لمشهد 11/11

لست أدري حتى الآن من وراء دعوة النزول في هذا اليوم 11/11 ، وربما لا أحد يعرف إلا ذلك المجهول الذي دعا إليها وروج لها ، غير أن تلك الدعوة قد أخذت أهمية أكبر من حجمها  وأكبر من الهدف الذي وضعت من أجله  خاصة في ذلك التوقيت المشبوه لإتمام شروط صندوق الخراب الدولي أو تنفيذ جزءا من شروطه وتسلم الدفعة الأولي من القرض

فمنذ أكثر من شهرين ومواقع التواصل الاجتماعي والإعلام المرئي والمسموع يترقب ذلك الحدث المعنون  ب " ثورة الغلابة " ، داعين من نفس المصدر المجهول الشعب للنزول والتصدي لآخر محاولات العسكر لقتل " الغلابة " منادين بالاصطفاف الثوري وأن يترك الجميع خلافاتهم وشروطهم خاصة الإخوان المسلمين ( الذين لم يغادروا الشارع أصلا منذ ما قبل إعلان الانقلاب ) وينحازوا لمصالح الشعب في إسقاط الانقلاب أولا ثم تسوي خلافات الثوار فيما بعد

وسلطت الأضواء علي الجماعة بشكل غير عادي ، وروجت وسائل إعلام الانقلاب لليوم بشكل غير عادي كذلك ، وأعلن الكثيرون مشاركتهم ، وروجت الشائعات حول انقسام العسكر حول قائد الانقلاب وأن رجال نظام مبارك قد قرروا كذلك أن يشاركوا في إسقاط الانقلاب ، مما سلط الضوء أكثر علي موقف الإخوان ، وبرغم موقف الجماعة المعلن إلا أنها اضطرت في أكثر من مرة أن تعلن النفير الثوري العام وأنها في الشارع جنبا إلي جنب مع كافة القوي الثورية وفي عشية ليلة الحادي عشر أعلنت الجماعة للمرة الأخيرة أنها ستشارك في يوم الغلابة ليفاجأ الجميع في غيبة متعمدة من الإعلام المحلي وحضور قوي للإعلام الخارجي أنه لم ينزل الشارع سوي جماعة الإخوان المسلمين وأنصار الشرعية ، ليدخل الإعلام المحلي بعد ذلك في حالة من النشوي مدعين فشل اليوم الثوري المتميز تحت حجة أن الشعب لم ينزل مع الجماعة ـ التي لم تدعو أصلا لليوم وإنما فقط أعلنت المشاركة وقد تغيب الداعين إليه بصورة هزلية ـ وأن تلك الجماعة قد فقدت مصداقيتها برفض نزول الشعب الذي آثر الاستقرار ودعم رئيسه ، لتتضح الصورة أكثر ويظهر الغرض من تلك اللعبة المخابراتية المكشوفة ، ففي حين تنتشر قوات الجيش والشرطة في طول البلاد وعرضها وتتحول البلاد لثكنة عسكرية لإرهاب البسطاء وتخويف الثوار تدفع الحكومة الناس للثورة بمزيد من قرارات التجويع والإفقار والتعجيز لأن يكمل المواطن البسيط يومه بشكل إنساني ، وعلي غير ما توقع أحد نزل الإخوان وحدهم ليصنعوا يوم ثوري بامتياز ، ويحيوا الأمل في صنع موجة ثورية قوية يمكن أن تزيح معها كل أشكال الفساد المصاحبة للانقلاب الدموي ، نزل الإخوان علي غير المتوقع بأعداد أعادت للأذهان تظاهرات  ما بعد فض رابعة رغم السبعين ألف معتقل أو يزيدوا من أبنائهم ، ورغم عدد المطاردين الذين يفوقون هذا العدد بمراحل ، ورغم المهجرين قسريا والمغيبين قسريا والشهداء ، رغم الآلة الأمنية الشديدة التي تطوقهم استطاعوا أن يلفتوا انتباه العالم إليهم في ذلك اليوم مما أجبر وكالات الأنباء العالمية لتخصيص مساحات للحديث عن الثورة المصرية من جديد ، وعلي الرغم من استجابة معظم تظاهرات الإخوان من الاكتفاء بعلم مصر فقط ، إلا أن الشكل العام كان يوحي بأنه لا يوجد غيرهم وذلك نظرا لزي نسائهم وبناتهم وهتافاتهم المعروفة والمتكررة منذ ليلة الانقلاب

واحتفل إعلام الانقلاب باليوم الفاشل من وجهة نظرهم ، فاشل لأنه الشعب رغب عن النزول ، فشل لأن القوي الثورية لم تشارك ، فشل لأن الإخوان وحدهم من نزلوا

وفي رأيي أن اليوم يحمل ثلاث رسائل هامة :

الرسالة الأولي للنظام : تلك الرسالة التي وصلته وأدركها جيدا ، أنه لا قوة في الشارع تضاهي قوة جماعة الإخوان المسلمين ، وأنه برغم التضييق الأمني والاستنزاف المادي والضغط عليهم بكل وسائل الضغط المتاحة والغير متاحة تحت غطاء دولي فلن تترك هذه الجماعة رسالتها ولن تتخلي عن دورها ، ورغم الضغط علي الشعب ليخرج كل ما في طاقته من غضب أو يدرك مدي غضبته ، غير أن الشعب لم يجرؤ علي النزول في ظل تلك الهجمة الأمنية العسكرية ، فقه ا لعسكر وآلته المخابراتية الدرس وأيقنوا أنه يواجه خصما عنيدا حتى ولو كان وحده ، بعدما فسدت النخبة وفشل أطياف الثوار في الاصطفاف

الرسالة الثانية للإخوان المسلمين : استطاعت من تسمي القوي الثورية أن تتنصل من المشاركة في اليوم بحجة شارة رابعة وصور الرئيس مرسي المرفوعة ، فقد أصبح لزاما علي الجماعة أن تدرك أن معركتها الأكبر هي " معركة الوعي " ، توعية الشعب بحقوقه وواجباته تجاه ذاته وتجاه بلاده وتجاه حاضره ومستقبله ومستقبل أبنائه ، توعية الشعب بتاريخه وبقيمة الحرية لا رغيف الخبز الممنوح من بقايا الأنظمة ، توعية الشعب بأن حقه في الأرض اكبر بكثير من ذلك الذي يتخيله ، وأن الحاكم خادم عند الشعب وليس سيدا ، أصبح لزاما علي الجماعة أن تدخل تلك المعركة وتستعين بعد الله بالشعب وليس بالنخب التي أكلت علي موائد الانقلاب ، تستعين بالشعب وليس ببقايا ثوار يضعون الشروط والعراقيل ففقدوا مصداقيتهم بكذبهم وخذلانهم للشعب في يوم كيوم الغلابة ، أصبح لزاما علي الجماعة أن تدرك أنها ابتعدت عن الشعب بفعل التآمر والإعلام الفاسد الذي وضع حجبا بينها وبين الشعب المطحون ، صار لزاما عليها أن يكون كل فرد فيها إعلاما متحركا بذاته يعرف الناس وينصح لهم ، الإخوان ومحبيهم في الساحة الثورية وحدهم هم ومن ناصرهم فليخوضوا معركتهم الأكبر " معركة الوعي " ولا تنتظروا الآخرين أن يؤازروكم

{ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47 التوبة

الرسالة الثالثة للشعب المصري : أظن أنه قد آن الأوان أن يعرف الشعب من هو ظهيره  ومن يتاجر به ، آن الأوان لأن يتحدث الشعب عن نفسه ، وبنفسه ويشب عن الطوق ، ويقرر مصيره بيده ، آن الأوان بعد كل تلك التراكمات من الاحتلال الذي تلاه الاستبداد والهزائم المتكررة والشعوب التي تتحرك من حوله فيما هي أقل إمكانات وأقل موارد لتتخطانا بمراحل أكبر من مدي أبصارنا وعقولنا ، أصبح لزاما علي الشعب أنه ليس قدرا عليه أن يكون مثل سوريا والعراق في حين أنه يجب أن ينافس علي مراكز تركيا وسنغافورة وماليزيا ، أصبح لزاما علي الشعب أن يتحرك ويعي ويقول كلمته وقد استبعدوه من كل القرارات فأضعفوه وجوعوه وجهلوه عمدا ليظل كما هو في ظل الاستبداد لا قيمة له ، مفعولا به لا فاعلا .

وسوم: العدد 694