على الأرض الخراب

في ذكرى المولد النّبويّ الشّريف، ووسط الاستعدادات للاحتفال بذكرى مولد السيد المسيح –عليه وعلى أمّه الصّلاة والسّلام- جرى تفجير ارهابي كبير يوم الأحد 11-12-2016 أثناء صلاة الأحد في كنيسة العبّاسيّة في مصر، سفك دماء العشرات من المؤمنين المصلين بين قتيل وجريح.

وهذا يذكّر بمذبحة المسجد الابراهيمي في 28 -2-2016حيث قتل طبيب يهودي اسرائيلي اسمه باروخ جولدشتاين 29 وأصاب 150 فلسطينيّا من الصّائمين الرّكع السّجود، في مدينة الخليل الفلسطينيّة المحتلة. وهذا القاتل معبّأ بفكر عنصريّ احتلاليّ يؤمن بأن لا مكان للفلسطينيّين في وطنهم، الذي يعتقد بأنّه "أرض اسرائيل التّاريخيّة!"

لكنّ الارهابيّ القاتل في الكنيسة المصريّة مسلم تكفيريّ، استهدف كنيسة مصريّة، وضحاياه من أبناء شعبه، وهم أهل البلاد الأصليّين، وعاشوا في وطنهم مع إخوتهم المسلمين في وئام وسلام، ودافعوا عن مصر فهي وطنهم، وسقط منهم شهداء في حروب مصر مع اسرائيل وغيرها، وللتذكير فقط فإنّ صاحب فكرة استعمال خراطيم المياه لكسر الحواجز الرّمليّة لخط بارليف على قناة السويس في حرب أكتوبر 1993 اللواء المهندس باقي زكي يوسف قوت قبطيّ مصري. ونحن هنا لسنا في مجال الدّفاع عن مسيحيّي الشرق، فهم مواطنون أصليون كاملو الحقوق، وما الاعتداء على أيّ منهم أو على أملاكهم، أو دور عبادتهم إلا اعتداء على الوطن ومسلميه قبل مسيحيّيه. فماذا يريد التّكفيريّون بجرائم كهذه، ومن يقف وراء هذه الجرائم؟ لقد سبق لهم أن مارسوا القتل والارهاب وتدمير الكنائس وتشريد مسيحيي البلاد في العراق وسوريا، كما مارسوها في مصر أيضا. وقد يكون منفذ تفجير الكنيسة القبطيّة جاهل أمّيّ كقاتل فرج فودة الذي اغتاله بتهمة مؤلفاته "الالحاديّة!" مع أنّه أمّيّ لا يجيد القراءة والكتابة.

لكن من يقف وراءه؟ ولماذا لا يتمّ استئصال الفكر التّكفيريّ من جذوره؟ ويجب الانتباه أنّ جرائمهم تتعدّى الكنائس إلى اغتيالات عناصر في قوى الأمن المصريّة، وعمل تفجيرات في مؤسسات مصريّة. وكلّها تستهدف استقرار وأمن مصر وشعبها، وتدمير اقتصادها وإخافة السّائحين من زيارتها، مع ما تمثّله السّياحة من مصدر رزق لملايين المصريّين. وهم يقومون بهكذا جرائم بناء على فتاوي دينيّة تكفيريّة، وإخراج نصوص دينيّة عن سياقها التاريخيّ. وبالتّأكيد فإنّهم لا يدركون ولا يعون مدى الضّرر الذي يلحقونه بالاسلام والمسلمين أمام الرّأي العامّ العالميّ بهكذا أعمال ارهابيّة اجراميّة، ففي استطلاع للرأي في أمريكا هذا العام 2016 حول الفئات التي يكرهها الأمريكيون كانت الاجابة بالتّرتيب:" الملحدين، المثليّين جنسيّا والمسلمين." فمن أوصلهم إلى هذه القناعات في كره المسلمين؟

وممّا لا شكّ فيه أنّ استمراريّة الاحتلال الاسرائيلي وجرائمه، والحروب الامبرياليّة الظالمة كتدمير واحتلال العراق وأفغانستان، وقتل وتشريد ملايين الأبرياء فيهما، هي عامل مساعد وقويّ في ظهور الجماعات الدّينيّة الارهابيّة، التي تعيث قتلا وتدميرا في سوريّا، العراق، ليبيا، اليمن، مصر وغيرها، لكن في الأحوال كلّها لا علاقة للمواطنين المسيحيّين في ذلك، بل هم ضحايا لها تماما مثل مواطنيهم المسلمين، بل ويشاركون في التّصدي لها، ويقدّمون الضّحايا في سبيل ذلك. ومن المحزن أن يتمّ استهدافهم واستهداف دور عبادتهم في يوم احياء ذكرى"المولد النّبويّ الشّريف" وهم يستعدّون مع مواطنيهم المسلمين للاحتفال بـ "أعياد الميلاد المجيدة" ورأس السّنة الميلاديّة الجديدة، ويردّدون "على الأرض السّلام وفي النّاس المحبّة." فسحقا للارهاب وللقتلة الذين يملأون الأرض خرابا وتدميرا وقتلا، وللتّذكير فقط فإنّ البطاركة، المطارنة والقساوسة في فلسطين قد أعلنوا على رؤوس الأشهاد، وأمام وسائل الاعلام المختلفة، بأنّهم سيرفعون الأذان من على أبراج الكنائس، إذا ما أقرّت اسرائيل منع الأذان بمكبّرات الصّوت في مساجد القدس والدّاخل الفلسطينيّ، فهل سمع التّكفيريّون في عالم العربان بذلك؟

وسوم: العدد 698