عن فظائع الحروب الصليبية

د. عبد السلام البسيوني

روى ابن الأثير في تاريخه عن دخول الصليبين للقدس في الحروب الصليبية فقال:

ملك الفرنج القدس نهار يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان وركب الناس السيف، ولبث الفرنج في البلدة أسبوعاً يقتلون فيه المسلمين، واحتمى جماعة من المسلمين بمحراب داود، فاعتصموا به، وقاتلوا فيه ثلاثة أيام، وقتل الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً، منهم جماعة كبيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم، ممن فارق الأوطان، وجاور بذلك الموضع الشريف!

كما وصف ستيفن رنسيمان في كتابه تاريخ الحروب الصليبية ما حدث في القدس يوم دخلها الصليبيون فقال:

وفي الصباح الباكر من اليوم التالي اقتحم باب المسجد ثلة من الصليبيين، فأجهزت على جميع اللاجئين إليه، وحينما توجه قائد القوة ريموند اجيل في الضحى لزيارة ساحة المعبد، أخذ يتلمس طريقه بين الجثث والدماء التي بلغت ركبتيه. وتركت مذبحة بيت المقدس أثراً عميقاً في جميع العالم، وليس معروفاً بالضبط عدد ضحاياها، غير أنها أدت إلى خلو المدينة من سكانها المسلمين واليهود، بل إن كثيراً من المسيحيين اشتد جزعهم لما حدث.

وقد وصف كثير من المؤرخين أحداث المذبحة التي حدثت في القدس يوم دخول الصليبيين إليها، كيف أنهم كانوا يزهون بأنفسهم لأن ركب خيولهم كانت تخوض في دماء المسلمين التي سالت في الشوارع. وقد كان من وسائل الترفيه لدى الصليبيين أن يشووا أطفال المسلمين كما تشوى النعاج.

ويذكر الكثيرون ماذا فعل ريتشارد قلب الاسد في الحملة الصليبية الثالثة عند احتلاله لعكا بأسرى المسلمين فقد ذبح 2700 أسير من أسرى المسلمين الذين كانوا في حامية عكا، وقد لقيت زوجات وأطفال الأسرى مصرعهم إلى جوارهم.

ورغن إحساسي بالمبالغة وعدم معقولية حكاية رُكب الخيل، فهذا شاهد من أهلها:

شهادة أخرى على مجازر الصليبيين عند دخول القدس:

ذكر غوستاف لوبون في كتابه الحضارة العربية - نقلاً عن روايات رهبان ومؤرخين رافقوا الحملة الصليبية الحاقدة على القدس - ما حدث حين دخول الصليبيين للمدينة المقدسة من مجازر دموية، لا تدل إلا على حقد أسود، متأصل في نفوس ووجدان الصليبيين:

قال الراهب روبرت أحد الصليبيين – المتعصبين، وهو شاهد عيان لما حدث في بيت المقدس - واصفاً سلوك قومه: (كان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت، ليرووا غليلهم من التقتيل، وذلك كاللبؤات التي خطفت صغارها!

كانوا يذبحون الأولاد والشباب، ويقطعونهم إرباً، وكانوا يشنقون أناساً كثيرين بحبل واحد بغية السرعة، وكان قومنا يقبضون كل شيء يجدونه، فيبقرون بطون الموتى، ليخرجوا منها قطعاً ذهبية! فيا للشره وحب الذهب، وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث).

وقال كاهن أبوس (ريموند داجميل) شامتاً: (حدث ما هو عجيب بين العرب، عندما استولى قومنا على أسوار القدس وبروجها، فقد قطعت رؤوس بعضهم، فكان هذا أقل ما يمكن أن يصيبهم، وبقرت بطون بعضهم؛ فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار، وحرق بعضهم في النار؛ فكان ذلك بعد عذاب طويل، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم، فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم، ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوا).

وقال واصفاً مذبحة مسجد عمر: لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان، وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك، وكانت الأيدي المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها.

ولم يكتف الفرسان الصليبيون الأتقياء بذلك، فعقدوا مؤتمراً أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس، من المسلمين، واليهود، وخوارج النصارى - الذين كان عددهم ستين ألفاً - فأفنوهم عن بكرة أبيهم في ثمانية أيام، ولم يستبقوا منهم امرأة ولا ولداً ولا شيخاً)!

ويقول: (وعمل الصليبيون مثل ذلك في مدن المسلمين التي اجتاحوها: ففي المعرة قتلوا جميع من كان فيها من المسلمين اللاجئين في الجوامع والمختبئين في السراديب، فأهلكوا صبراً ما يزيد على مائة ألف إنسان - في أكثر الروايات - وكانت المعرة من أعظم مدن الشام بعدد السكان، بعد أن فر إليها الناس بعد سقوط أنطاكية وغيرها بيد الصليبيين).

وسوم: العدد 698