أوراق الشراكة : الروسية – الإيرانية – التركية في سورية

شهدت منطقتنا ، وبُعيد الانقلاب التركي الفاشل ولادة تحالف ( روسي – إيراني – تركي ) جديد ، فيما يخص الملف السوري . وأُسس هذا التحالف على تحول ظاهر في الموقف الدولي التركي ، واختيار تركية إصلاح علاقتها مع روسية التي أضرت بها عملية إسقاط الطائرة التركية ، فبادر أردوغان إلى تقديم ، اعتذار علني إلى بوتين ، وبدأ الساسة والمعلقون الأتراك ، يتحدثون عن عملية إسقاط الطائرة على أنها فعل خبيث من الكيان الموازي الذي كان يحرص على تخريب علاقات تركية.

لا شك أن التحالف الروسي – الإيراني في سورية كان قديما . وفيما وبدأ منذ انطلاقة الثورة السورية ، وتعمق وتجذر وأخذا أبعادا أكثر وضوحا منذ تدخل روسية عمليا في سورية في 29 / 9 / 2015 . الجديد في المشهد السوري هو دخول تركية على خط هذا التحالف ، مع التناقضات الجذرية بين التوجهات التركية التي كانت معلنة في الملف السوري مع توجهات الحليفين الجديدين .

ليس من غرض هذا المقال تتبع ميادين المصالح متعددة المحاور بين كل من تركية وإيران بعيدا عن الملف السوري . كما أنه ليس من غرض هذا المقال تتبع الدوافع التركية للانخراط في مثل هذا التحالف ، وهل كانت تركية راغبة أو مضطرة ؛وهي بكل تأكيد دوافع مفهومة ، وذات طابع دولي وإقليمي وداخلي تركي متعددة التوجهات .

إن هدف هذا المقال التوقف عند طبيعة التحالف وعند أوراق كلٍ من الشركاء فيه : 

لا شك يشعر الرئيس بوتين بالزهو وبالانتصار ، بقدرته على إنشاء مثل هذه الشراكة التي يعد قيامها بحد ذاته انتصارا دبلوماسيا له ولسياساته ونهجه . هذه الشراكة التي مهما قيل فيها ؛ فلا بد أن نعترف أنه ، أي بوتين ، هو المالك الأول لأسهمها . وصاحب القرار فيها . وهو مرجع الشريكين ، وموئلهما في كل ما يثيران ، وعندما يختلفان . 

وأوراق بوتين في هذه الشراكة هي أولا موقعه في فضاء دولي لا يكاد يجد فيه منازعا أو منافسا . ثم هي ما يملكه من قواعد على الأرض السورية ، ومن سيطرة على بر سورية وبحرها ، وما يتمتع به من قسوة وتوحش وقدرة على القتل والتدمير ؛ ليبقى هو الطرف الأقوى في هذه الشراكة ، وهو صاحب الكلمة النافذة ، وهو أيضا صاحب الموقف المسبق من قضية الشعب السوري ؛الموقف الذي يطمئن إليه بشار الأسد والإيراني ، والذي يحاول أن يشذبه أو يجمله التركي، والذي يجب أن يخافه ويرفضه السوري.

وعلى التوازي ، فإن أوراق إيران في هذه الشراكة هي توافق استراتيجي ركين مع الروسي في الرؤية لصيرورة المشهد السوري. وشراكة عملية ميدانية على مدى خمسة عشر شهرا في مشروع قتل السوريين ، وتدمير عمرانهم ، وإخراجهم من ديارهم . ثم تنسيق مستقل ومباشر مع بشار الأسد الذي لا يزال يعترف به دوليا ، كرئيس للدولة السورية . والأهم من كل ذلك انتشار أكثر من مائة وخمسين ألف مرتزق طائفي من جنسيات مختلفة تعمل بإمرة القيادة الإيرانية على الأرض السورية . وهي وإن لم تكن موازية أو مكافئة للقوة الجوية الروسية ، إلا أنها قوة لا يمكن تجاهلها .

ويبقى السؤال المهم ما هي أوراق القوة العملية التي أهّلت الحكومة التركية للدخول إلى هذه الشراكة ؟ والسؤال بالمفهوم الاقتصادي ما هو رأسمال تركية في هذه الشراكة الجديدة ؟؟

لا بد أن نشير ابتداء إلى أن عدد الجنود الأتراك الذين دخلوا الأرض السورية ، في ظل عملية درع الفرات ، إنما دخلوا نتيجة هذه الشراكة ، وثمرة لها ، فلا يمكن أن نعتبر أن سيطرة تركية على جرابلس أو على الباب ، إن تم ، هو ورقة من أوراق هذه الشراكة ..

لا أحد يستطيع أن يزعم أن روسية وإيران قبلتا تركية شريكا على سبيل الصدقة أو الإحسان . ولا أحد يستطيع أن يزعم أن تركية قُبلت شريكا في الملف السوري لأن شركاءها يطمعون فيها في ميدان آخر . صحيح هناك علاقة مستطرقة في مصالح الدول ؛ ولكن تركية حين دخلت التحالف الروسي – الإيراني في سورية كانت بلا شك تملك أوراق قوتها التي تعتد بها ، والتي يعتد بها بشار الأسد نفسه وكذا الإيرانيون والروس .

ورقة تركية الأساسية في هذه الشراكة هي الورقة التي منحها إياها الموقع الجغرافي . ( الجيوسياسي) . وتركية اليوم قد قررت أن تلعب هذه الورقة ، بل لعبت هذه الورقة منذ انطلاق هذه الشراكة أي منذ الإعلان عن معركة درع الفرات . فتغير الكثير من معطيات الثورة السورية . والشواهد ليست في حلب وحدها وإنما فيما تلا حلب ويمكن ان يتلوها بعد. كثير من السوريين يعقد الخوف أو الدهشة السنتهم فلا يأنون ولا يتأوهون. 

تحدث الناس طويلا عن حنفية الموك .. والموم ، ولكن ما تملكه تركية من أمر المشهد السوري عمليا أخطر مما كان يملكه الموك والموم !!

 تركية بموقعها الجغرافي من الشمال السوري ، وبحدود تمتد على أكثر من تسع مائة كيلو متر ، تحيط بقبضتين قويتين على القصبات الهوائية للثورة السورية ، بل على مجرى الدم من الشرايين أيضا . تركية الجارة القوية المعتدة في لب لباب الأصدقاء ، تتحكم في الواقع الراهن بكل أوراق الشعب السوري وعلى الصعد : الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والثورية .

 في عصر جدر الفصل التي تنتشر في كثير من أصقاع الأرض هذه الأيام ، تركية هي التي تملك ، بل لعلها تسعى ، إلى بناء جدار يحميها من سورية والسوريين أو الإرهاب والإرهابيين ، كما يقولون.

وإذا تفهمنا هذا جيدا ، أدركنا أبعاد الدور الذي ينتظره بوتين والإيرانيون وبشار الأسد من تركية . وأدركنا حقيقة الحرج الذي تقع فيه الثورة السورية نتيجة التحول التركي الخطير . وأدركنا أخيرا حاجتنا إلى إعادة استيعاب المعطيات وحسن تقدير الموقف ، بعد إعادة فرز القوى ؛ هذا إن كنا نؤمن حقا أنه لا بديل عن الثورة إلا الثورة ، واننا لن نتنازل عن هدف ثورتنا الأساسي في بناء سورية وطنا حرا سيدا لجميع أبنائه وبجميع أبنائه. إذا كنا نريد أن يتمتع الشعب السوري بحريته كما الشعب التركي وكما كل الأحرار من شعوب الأرض.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 701