مجرمون قتلة

قالوا الاسد او نحرق البلد 

وادخلوا ايران وروسيا لاكمال العملية 

اعتقلوا الالاف وقتلوهم تحت التعذيب 

قصفوا سورياوهدموها حجرا حجرا 

هجروا الناس وشردوهم داخليا وخارجيا 

فلنسمع  لمايقوله احدهم 

الثورات العربية بعد ست سنوات

صديق قادم من ليبيا شارك بالثورة من أولها يقول لي اليوم:

كان عندنا قذافي واحد صار عندنا ألف قذافي. ليبيا في طريقها إلى الانهيار التام. الدينار خسر 80% من قيمته. الناس في رعب، والأمن مفقود، والعصابات تتحكم في كل شيء.

لا أكتب هذا ليفهم الغبي الذي لا يريد أن يفهم، أنني ضد الثورات العربية، فأنا معها لو أدت إلى أضعاف ما نعانيه اليوم، فهي ولادتنا من جديد ولم يكن لنا وجود قبلها بل كنا في عداد الأموات.

ما يحصل في كل الدول العربية التي ثارت على قدرها وعلى حكامها وعلى نفسها وعلى تخلفها وعلى جهلها وعلى كل العالم، هو ما حصل في كل العالم الذي نراه اليوم متقدما ونسعى للحاق به، فقد مرت البشرية بما مررنا به وسننهض كما نهضوا وسنغير كما غيروا. ولن نكون مضطرين لخوض حربين عالميتين ولا أن نقدم ثمانين مليون قرباناً.

المشكلة أن القضية ليست قضية سنوات بل عشرات السنوات. يكفينا أن قام هذا الجيل بفتح ثغرة كبيرة في جدار السجن الكبير ليخرج منه الناس ويكفيه أن الناس قد خرجت وسارت تبحث عن طريقها وتبحث عن وجودها وعن بناء حياتها من جديد، هي كالسجين الذي خرج إلى صحراء لم يجد فيها بيته الذي يعرفه ولا أهله الذين تركهم نحن أشبه بعازر الذي بعثه الله بعد موته مائة عام. الفرق أننا متنا خمسمائة عام.

ألا ترون هذه الهجرة الجماعية في سوريا مثلاً، عشرة ملايين مهاجر إلى تيه يتيهون فيه أربعين سنة تزيد أو تنقص ولكنهم سيبدأون بعدها الحياة الحقيقية. هي هجرة من خرج من سجنه ليجد لا شيء، لا مقومات للحياة ولا وسائل ولا مال ولا معين ولا ناصر ليس معه إلا نفسه وإرادته وما أعطاه الله في أرض مهجره الجديد ليصنع منه حياة جديدة من لاشيء.

سيقتتل الناس في الطريق على الخبز وعلى الكلآ وعلى الماء وعلى كل شيء، وسيبدأون البناء من الأسس، وسيختلفون على كل شيء وسيؤسسون كل شيء من جديد فلا تستغربوا ما يحدث. ستموت أفكار كانت مقدسة لمئات السنين وسيعرف الناس الحياة من جديد في عصر جديد وزمان جديد ومكان جديد. لن يكون هناك ثوابت ولا محرمات سيعاد تعريف كل شيء مع كل ما يحمله التعريف الجديد للجامدين والمتجمدين من تحد وخوف ورعب على مفاهيمهم وأفكارهم وعاداتهم ومقدساتهم. سيكتشف الناس دينهم من جديد وسيكتشفون إنسانيتهم بمفاهيم جديدة، وسيعرفون ربهم كما لم يعرفوه من قبل وسيعرفون نبيهم كما لم يعرفوه من قبل وسيعرفون دينهم كما لم يعرفوه من قبل. وما نراه اليوم إلا بداية هذا الصراع ليدفع الله الناس بعضهم ببعض ويدفع الأفكار بعضها ببعض ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه. ليس بالضرورة الحق الذي كنا نظنه حقا بل الحق الذي هو من عند الله وبمراد الله وبمشيئة الله عز وجل.

سيتفرق الناس شيعاً وطوائف وأحزاباً يجرب كل منهم ما كان يحلم فيه ويبدأ محاولة البناء الذي تخيله طوال عمره ويؤسس لمجتمع يظن أنه مجتمع أفلاطون أو دولة خلافة أو العصبة الطاهرة أو النخبة التي تعرف كل شيء وتفهم كل شيء، وسيجربون ويجربون ويَقتُلون ويُقتَلون ويتحاورون ويختلفون ولكنهم في النهاية سيدركون الحقيقة وسيعرفون ماذا يجب أن يفعلوا ومن أين سينطلقون.

سيتعلمون أن يجلسوا جميعا على طاولة واحدة أو في مكان واحد، وسيتعلمون أن يسمع بعضهم لبعض، وسيتعلمون أن يثقوا ببعضهم البعض، وسيتعلمون كيف يختلفون دون أن يصفي بعضهم بعضاً، وسيجدون حلولاً لمشاكلهم مهما كانت معقدة، وأهم ما سيكتشفون أنهم ليسوا أبناء الله وأحباءه، وسيبدأون البناء، وسيدركون أنهم لا يعيشون منفردين في هذا الكون، وأن الله خلق الاختلاف ليبقى ويدوم إلى الأبد، وأن إكراه الناس على فكرة يخالف أمره تعالى ومراده، وأن اللون الواحد لا وجود له في الأرض.

سيكبر هذا المولود الجديد ويحبو ويقف ويخطو خطواته الأولى وسيتعثر وسيقع وقد يؤذي نفسه، ولكنه سيبلغ أشده وسيستوي على ساقيه وسيتعلم السير واجتياز العقبات وتحديد الأهداف والوصول إليها.

لا تستكثروا الخسائر ولا تهونوا أمام التحديات فهذه سنة الكون، وانظروا إلى من سبقكم وماذا كلفهم ما وصلوا إليه اليوم. بإمكاننا أن نقلل الخسائر بالاستفادة من تجارب السابقين ومن فهم الآخرين ولكن هذا صعب جداً لأن مرحلة الاستفادة من تجارب الآخرين مرحلة متقدمة تحتاج إلى ما لا نملك من الوعي للأسف، ولذلك ستكون التجربة قاسية وأقسى مما نشاهد اليوم ولكنها ضرورية ومصيرية لا بد منها. ومن لا يتعلم من غيره يتعلم من تجربته الذاتية هذه سنة الكون، ونحن إلى الآن نرفض أن نتعلم من غيرنا لاعتقادنا بأننا مختلفون عن العالم ونعيش خارج سنن الكون وقوانينه، ولكننا في النهاية سنتعلم أننا مخطئون جداً وسيكلفنا هذا التعلم الكثير

قد تنتهي ليبيا التي نعرف وقد تنتهي سوريا التي نعرف كما انتهت العراق التي نعرف، ولكن سيولد شيء جديد أفضل من ليبيا ومن العراق ومن سوريا، سيولد الإنسان الذي يستطيع أن يصنع ألف ليبيا وألف سوريا وألف عراق وهذا هو الأهم.

وسوم: العدد 702