لا وسطية في الصراع الوجودي مع إسرائيل

دائما تميز الإسرائيليون في الصراع الوجودي المحتدم بيننا وبينهم بميزتين . الأولى : الشعور بجدية هذا الصراع ، واعتباره صراعا وجوديا ؛ إما نحن وإما هم . والثانية : الفهم الصحيح لمحدداته ، وبين الميزتين اتصال ؛ فالشعور بجدية الصراع ينبع من الفهم الصحيح لتلك المحددات . وتصرفوا دائما بتأثير هاتين الميزتين ، ولم يبدُ عليهم أي تراخٍ في التفاعل معها . شعورهم بجدية هذا الصراع ومصيريته دفعهم إلى التسلح بكل عناصر القوة ، والسعي للتفوق فيها على العرب كافة ، وتجنب أي هزيمة في الحروب التي خاضوها معهم ، ولم يخدعهم أي سلام مع أي طرف عربي ، وظلوا في السر ضد أي استقواء حقيقي لمن سالمهم من العرب ، وموقفهم الحقيقي من مصر يشهد على ذلك . ومن البداية أيقنوا أن من محددات هذا الصراع أنه شمولي ، وأنه ليس مقتصرا على الفلسطينيين ؛ ببساطة لأن أهدافهم تتخطى فلسطين إلى المنطقة العربية كاملة ، بل إلى الدول الإسلامية مثل تركيا وإيران . ومن المفيد أن نشير هنا إلى ما ذكرته صحيفة " في . تي " الأميركية المعادية للصهيونية من أن نتنياهو اتصل حديثا بأميركا وبريطانيا يحثهما على العمل " لنزع " سلاح تركيا ، موضحة أن إسرائيل تطمع في هضبة الأناضول ( تركيا ) ؛ لأنها تعرف ما عرفه الرومان واليونان عن أهميتها الاستراتيجية في الربط بين شرق العالم وغربه وسواها من الأهميات الاقتصادية والحضارية . والإسرائيليون يخففون فقط أحيانا نبرة عدائهم لأهل المنطقة عربا ومسلمين لكسب مواقف محددة ، وإخفاء لشراسة هذا العداء وما فيه من انحطاط أخلاقي همجي ، وحالما تتاح إمكانية رفع تلك النبرة يرفعونها فورا . نقرأ ما كتبه المفكر الإسرائيلي مارتن شيرمان منذ أيام في " جيروزاليم بوست " الصحيفة الإسرائيلية اليمينية عن المعاملة التي يستصوب اتباعها مع الفلسطينيين ، كتب : " علينا أن نجعل حياة الفلسطينيين مرة وصعبة ، علينا أن نسجنهم في بلداتهم ، وأن نعمل على تجويعهم ، وأن نمنعهم من العمل في الاقتصاد اليهودي ، ويجب علينا قطع الكهرباء عنهم لتصير بيوتهم مظلمة ، وأن نعرض عليهم الأموال ليهاجروا إلى دول تسعد باستيعابهم " ، وفي نفس الاتجاه يسير أرنون سوفير أستاذ الجغرافيا في جامعة حيفا في كتاب له صدر حديثا حمل عنوان " قضايا في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط " حيث دعا إلى طرد الفلسطينيين ، وتحدث باستعلائية وقحة فرأى " أنه لا بأس في أن نبقي حاجتنا من الفلسطينيين لاستخدامهم في جمع القمامة ، والعمل في البنية التحتية الرثة ، وفي توفير الفواكه والخضار لنا ، والخدمة في المقاهي في المطاعم " . وهذه اللهجة المستعلية ليست جديدة في توجههم وخطابهم . تحدث بها جابوتنسكي في عشرينات القرن الماضي ، وهيرتزل الذي نصح بالاستفادة من الفلسطينيين في التخلص من الثعابين والوحوش الخطرة في فلسطين ! في مواجهة هاتين الميزتين الإسرائيليتين الخطرتين نرى تحالفا عربيا مع إسرائيل علنيا وسريا ، ونسمع دعوات لمسالمتها وإحسان مجاورتها ، وتصديا لمن يقاومها من العرب القلة ، واستياء ممن لا يفرق بين الصهيوني واليهودي مثلما حدث لبرلمانية تونسية مؤخرا شعر زملاؤها في البرلمان أنها أساءت في كلمة عابرة لها إلى " اليهود " . ونرى رئيس الاستخبارات الفلسطيني ماجد فرح يخبر موقعا إسرائيليا ان جهازه يستغل أي اضطراب في غزة لاكتشاف مكان القائد القسامي محمد ضيف الذي حاولت إسرائيل قتله مرات ، وقتلت أسرته في عدوانها الأخير على غزة . لا تهادن ، دعنا من التحالف والتعاطف ، كيانا مغتصبا ومجرما ومنحطا إلا أمة اهترأت روحها ، وفقدت حتى مقومات الوجود الفطرية ، وأولها حماية الذات ، وصارت بعيدة جدا عن إدراك حقيقة بسيطة مستخلصة من عقلية وثقافة وسلوك هذا الكيان ، وهي أنه لا وسطية في الصراع الوجودي معه .

وسوم: العدد 705