تربية.. سبع نجوم!!

كان "عامر" أكبر تلاميذ الصفّ عمرًا، وأشدّهم بنيةً، وأقلّهم دراسةًً، وأكثرهم شغبًا، وكان دائم المعاندة لأستاذ الرسم، هذا الذي كانت أقلّ الكلمات بذاءةً يخاطب بها التلاميذ: «بعدين بعطيكن صَبّاطي ترسموه ها!». فهل كان هذا الأستاذ من "أشقياء الأساتذة" مثلما كان عامر من "أشقياء التلاميذ"!

ذات يوم... قَرع بابَ الصفّ مدير المدرسة، و"سلّم" باليد للمعلم الشقيَّ عامر، الهارب من درس "الفنون الجميلة"، والمتواري في "دورة المياه"! 

المعلم وجدها فرصة ثمينة لمعاقبة هذا التلميذ الشقي. أمر اثنين من جلاوزة الصفّ أن يرفعاه. اجتهدا في خلع حذائه (صبّاطه) ولم يكن ذلك سهلا، ثمّ انفرد كلّ منهما بقدم، ورفعا... والأستاذ يوالي شتائمه المقذعة. ولحظة انهال بالضربة الأولى على القدمَين الفوّاحتَين، تراءى له أن يرافقها بشتيمة من "الوزن الثقيل"، الثقيل جدا، الذي لا يهضمه المواطنون الطيّبون عادة! وإذا التلميذ، الذي بدا الآن غيورا على القيم، ينتفض انتفاضةً حرّرت القدمين، أو لعلّ القابضين عليهما تواطأا مع صاحبهما انتصارًا للقيم!

الآن عامر ينهض، وهو يشتم المعلم، دفاعًا عن "القيم المهانة"، ومندفعًا نحوه. 

المعلم بدا وكأنما انتابه خوف من تلميذه المتطوّر الشقاوة. قذفه بالعصا، آخر أسلحته، وفتح الباب وهرب. 

لما رأى عامر معلمَه يولّي من الصفّ هاربًا منه، كفّ عنه، والتفت يوزّع النظرات والبسمات على زملائه، متمتّعًا بلذّة الانتصار، وعصا المعلم مرفوعة في يده.

ما وقع بعد هنيهة أنّ مدير المدرسة قرع الباب مرة أخرى، متيحًا للمعلم أن يدخل بعنايته وحمايته... فلا التلميذ الشقيّ عوقب، ولا عوقب الأستاذ: واحدة بواحدة!

الجميل أنّ هذه المدرسة اسمها "إعدادية ابن زيدون"، باسم الشاعر الأندلسي الرومنسي صاحب القصيدة التي مطلعها «أضحى التنائي بديلا عن تدانينا...»، والأكثر مفارَقةً أنّ مديرها كان يردّد أنّ مدرسته هي الأرقى بين مدارس البلد.

وقع ذلك... في زمن بعيد...بعيد جدا.

وسوم: العدد 706