عرب بلا سلاح تمهيدًا لدولة الحلم الصهيوني

منذ بداية ظهورها دولة في مايو/  أيار 1948، حتى لا نقول قبله ، اهتمت إسرائيل أقصى اهتمام بأن تتفوق عسكريا على كل العرب متخطية مشكلة قلتها العددية وَضآلة إمكاناتها المادية قياسا بالعرب مجتمعين . ومن وسائل هذا التفوق منع أي دولة عربية منفردة أو عدة دول عربية مجتمعة من التغلب عليه في صورة استقواء بالتوحد معا ، أو بامتلاك سلاح يكسره. وفي هذا التوجه ، شاركت في العدوان البريطاني _ الفرنسي على مصر في 29 أكتوبر / تشرين الأول 1956 للإجهاز على إمكانية تنامي قوة  الجيش المصري بعد صفقة الأسلحة التشيكية في 1955 . وحين توحدت مصر وسوريا دولة وجيشا في 1958 قال بن جوريون رئيس الوزراء يومئذ : " إسرائيل الآن بندقة بين فكي كماشة " ، وسعت مع القوى الغربية و دولة خليجية إلى القضاء على هذه الوحدة دون إغفال فاعلية ما شابها ذاتيا من عيوب وأخطاء عجلت بنهايتها في1961. وحرب 1967 تأتي في هذا السياق ، وسجل إسرائيل كله ينتمي إليه . وبظهور المقاومة الفلسطينية ثم اللبنانية ، واجهت إسرائيل مشكلة جديدة : إنها لا تستطيع ضرب هذه المقاومة بالأسلوب العسكري التقليدي لإدامة تفوقها العسكري وقدرتها على الردع والحسم . وحتى هزيمة قوات منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان في 1982 ، ورغم ما اتسمت به من حسم لصالح إسرائيل ؛ فإنها أسهمت بتأثير حقيقي في تصاعد  المقاومة في غزة والضفة لاقتناع الفلسطينيين فيهما بانتقال عبء المقاومة كليا عليهم . ولما لم ينفع تفوق إسرائيل العسكري في القضاء على مقاومة غزة والضفة لاختلاف نوعية المواجهة ؛ لجأت إلى السياسة ، فكانت نكبة أوسلو . وفور وصول قوات منظمة التحرير إلى غزة شرعت تجمع السلاح القليل فيها ؛ فهو لم يعد شرعيا بمقتضى بنود أوسلو التي توجب التخلي الفلسطيني عن السلاح في السعي للحل مع إسرائيل . وبعد أن قهر حزب الله الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان ، وأجبر قواته على الفرار بليل في 25 مايو /أيار 2000، صارت مواجهة خطر الحزب العسكري على رأس أولويات إسرائيل . وعندما انفجرت خرافة الربيع العربي ، انتهزتها إسرائيل متضافرة مع قوى الغرب ممثلة في أميركا وبريطانيا وفرنسا  للقضاء على الجيوش العربية في البلدان التي اجتاحتها عاصفة هذه الخرافة ، فتلاشى الجيش الليبي في سرعة تلاشي فقاعة ، ونكب الجيش السوري بحرب داخلية فتحت فيها كل حدود البلاد للإرهابيين والسلاح من كل العالم ، وأنهك الجيش العراقي " الجديد " في حرب داخلية مع داعش ، وأغرق الجيش المصري في " شبر ماء  "  في سيناء مظهرا ضعفا يجسد فضيحة كبيرة حتى لجيش دولة صغيرة ، وتزوده إسرائيل في حربه التي مضت عليها قرابة أربعة أعوام بالمعلومات الاستخبارية ، وأحيانا تقاتل معه بطائرات الدرون ، وهي في الحقيقة تضلله وتعمق انغماسه في مأزقه . وشغل فوق الحرب بالنشاط الاقتصادي والتجاري مغالاة في صرفه عن مهمة الجيوش الوحيدة التي هي حماية البلاد من الخطر الخارجي ، وأكبره الإسرائيلي  . وفي تهور خالص ، جرت السعودية أكثر من عشر دول عربية وأفريقية إلى حرب عقيم على الشعب اليمني ، تقترب من عامها الثالث ، وكل ما أنتجته قتل أكثر من 10 آلاف يمني ، وإصابة  عشرات الآلاف ، وأكثرهم _ قتلى ومصابين _ من المدنيين ، وتدمير واسع للبنى التحتية اليمنية ، وفوق القتل والإصابات والتدمير ، خسارة مئات المليارات من الدولارات ، وقتل وإصابة أعداد من الجنود السعوديين تتكتم عليها ، واشتداد الحاجة للغرب تسليحا وتأييدا سياسيا ودبلوماسيا وغض بصر عما في هذه الحرب الخرقاء من جرائم ومآسٍ ، وكل مساوئها للعرب  مكاسب لإسرائيل . والآن ، وسيرا على نفس النهج الإسرائيلي المتضافر مع الغرب لتحطيم الجيوش العربية وصرف وجهتها عن إسرائيل ، تعد أميركا ترامب وإسرائيل لناتو عربي يبدأ بأربع دول هي مصر والسعودية والأردن والإمارات سيكون مفتوحا لأي دولة عربية ، وسيوجه هذا الناتو العربي اسما والغربي _الإسرائيلي وظيفة للتصدي لإيران ، وسيقتصر _ مثلما ذكر _ دور إسرائيل على تزويده بالمعلومات الاستخبارية عن إيران ! بوضوح : تريد إسرائيل وأميركا من العرب محاربة إيران نيابة عنهما بلا ثمن ، وكل هذا سير على نفس نهج إسرائيل الأساسي  الذي يستهدف أن تكون هي القوة الوحيدة المتفوقة عسكريا في المنطقة ، وأن يكون أعداؤها وأولهم العرب بلا سلاح حقيقي في مواجهتها ، بل يحاربون نيابة عنها متوهمين أنهم يحاربون عن أنفسهم ، أو مجبرين على هذا التوهم خضوعا لمشيئة الغرب وإسرائيل . ولم يبق الآن أمام إسرائيل من سلاح عربي سوى سلاح المقاومة في لبنان وغزة ، وقد جعلته  إسرائيل شغلها الشاغل، وتعمل متعاونة مع القوى الغربية وبعض الدول العربية على التخلص منه إما حربا وإما سياسة ، ومن السياسة عرض ليبرمان وزير دفاع إسرائيل الأخير لجعل غزة سنغافورة ثانية ازدهارا ورفاهة عيش إذا وافقت المقاومة فيها على نزع صواريخها وردم أنفاقها لتكتمل نكبة " عرب بلا سلاح " تمهيدا لدولة الحلم الصهيوني الممتدة من نيل مصر إلى فرات العراق والشام . إنهم يحلمون ، ويكدون جادين على طريق حلمهم ، ونحن أقوى وسائلهم لبلوغ هذا الحلم الذي لن يصبح واقعا إلا على أنقاضنا بشريا وحضاريا .  

وسوم: العدد 708