صليبيُّ وراء آخر .. ورَحْلَ أُمُّ قَشْعَمِ!

كان الصليبيون القدامي يصفون المسلمين بالكفرة والمهرطقين والبرابرة. أما الصليبيون الجدد فيصفونهم بالمتشددين والمتطرفين والإرهابيين، وكان ضحايا الصليبيين القدامى والجدد دائما من المسلمين الأبرياء!

هل من الممكن أن نعدّ دونالد ترامب انبعاثا لشخصية بطرس الحافي (توفي في 8 يوليو 1115م) الذي قاد الحرب الصليبية الأولي لتحرير القدس من المسلمين الكفرة؟ كان بطرس الحافي راهبا من مدينة أميان الفرنسية وكان متحدثاً مفوهاً وشخصية كاريزمية قادرة على التأثير على الجماهير، وقد استجاب لدعوته آلاف الفلاحين وأًجَراء الأرض لأنه ادّعى أنه عًيّن من قبل المسيح ذاته، كما انضم إليه بعض الجنود النظاميّين والفرسان المدربين وبعض النبلاء. وكانت دعوة البابا أوربانوس الثاني (1042 – 1099م) للحروب الصليبية محركا قويا للراهب الهمجي صاحب المظهر الرث ليقود الصليبيين الهمج إلى ما يسمى قبر المسيح في فلسطين وبداية عهد من الدم والنهب والتخريب ظل قرابة مائتي عام حتى انتهي عام 1291م . 

كانت الحروب الصليبية بداية الانطلاق للدولة الدينية في أشد صورها وحشية وسحقا للإنسان، كما كانت بداية لظهور ما يسمى بصكوك الغفران وقرارات الحرمان. وفي خطبته 26 نوفمبر 1095 بكليرمونت، الجنوب الشرقي من فرنسا، ألقى أوربانوس خطبة شهيرة في جموع من السوقة، والأشراف، والأمراء الإقطاعيين، يدغدغ مشاعرهم ويعدهم ويمنيهم بالمغفرة والغنى والفتح، ... ومما جاء في خطبته:   

" أيها الجند المسيحيون، لقد كنتم دائما تحاولون من غير جدوى إثارة نيران الحروب والفتن فيما بينكم، أفيقوا فقد وجدتم اليوم داعيا حقيقيا للحرب. لقد كنتم سبب انزعاج مواطنيكم وقتا ما، فاذهبوا الآن وأزعجوا البرابرة ( يقصد المسلمين)، اذهبوا وخلصوا البلاد المقدسة من أيدي الكفار(أي المسلمين) ....

يا قوم إذا دعاكم الرب اليسوع إلى مساعدته، فلا تتواروا في بيوتكم متقاعدين، ولا تفكروا في شيء إلا فيما وقع فيه إخوانكم المسيحيون من الذل والهوان والمسكنة، ولا تستمعوا إلا إلى القدس وزفراته ...".

لاشك أن دونالد ترامب يمثل الصورة العصرية من بطرس الحافي وأفكار أوربانوس الثاني، فهو يصف المسلمين بالإرهاب، ويتحدث عن سحق الإرهاب الإسلامي ، ويطبق ذلك عمليا على أرض الواقع بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، ويستثني اليهود من هذا المنع، وكان أول اتصاله بحكام الشرق الأوسط  مع زعيم العصابات النازية اليهودية في فلسطين الذي وصف مكالمته بالرائعة للغاية. ثم إن اليهود يصفقون له ويرون فيها رسولا من عند الله ليحقق مآربهم – كما وعدهم - ويهدم قبة الصخرة في القدس المحتلة ليقيموا على أطلالها ما يسمونه بالهيكل ..

وقد قال وزير الداخلية اليهودي الإرهابي الأسبق "عوزي برعام" ، إن "الله أرسل ترامب من أجل انبعاث إسرائيل من جديد"، وإنه جاء لتخليص العالم من الأوبئة التي استوطنت فيه وسيعمل للارتقاء بـ"شعب الله المختار".

ووصف "برعام"، في مقال له نشرته صحيفة "هاآرتس" العبرية، الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب بـ"رسول الله"، في منظور معسكر الإيمان اليهودي. لأن المتطرفين من اليهود والحاخامات "لم يقبلوا أبدا بقوانين الصهيونية العلمانية التي سعت إلى إقامة دولة يهودية ديمقراطية". وأشار الوزير اليهودي الإرهابي الأسبق إلى فرحة اليهود بفوز ترامب، معتبرًا أنهم يرون "دولة إسرائيل" ليست النهاية، وإنما طريقا نحو إزاحة قبة الصخرة وبناء الهيكل، وهو الأمر الذي "سيساعدنا فيه ترامب الرسول الجديد".

في المقابل فإن ترامب لم يعر زعماء العرب والمسلمين أو وكلاء الروم في أرض الإسلام أدني اهتمام؛ وإن كان بعضهم قد أظهر فرحه بتوليه الحكم وبالغ في التودد إليه وإعلان الولاء المطلق؛ وأيد قراراته ضد شعوبهم لأنه سيحارب الإسلام الذي يسميه الإرهاب، وسيضع المسلمين على قائمة الإرهاب، ويرسل طائراته وبوارجه ليحارب خصومهم السياسيين نيابة عنهم ..

فلسطين نالت عقوبة من ترامب بتأييد بناء المستوطنات اليهودية ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإعلان وفاة ما يسمى حل الدولتين، فضلا عن منع المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية، حيث كشف موقع صحيفة "معاريف" النقاب عن أن ترامب يدرس تعليق المساعدات المالية التي أمر بتحويلها الرئيس أوباما إلى السلطة في آخر عهده، والتي تبلغ 22 مليون دولار وكانت الإدارة تدفعها إلى سلطة عباس؛ استجابة لرغبة العصابات النازية اليهودية التي رأت مؤخرا معاقبة عباس لأنه يتراخى في الاعتراف بالكيان اليهودي الغاصب بوصفه دولة دينية يهودية نقية لا مكان فيها لأهلها الفلسطينيين العرب، ولأنه قد يستثمر هذه المساعدات في التحريض والعنف( يعني المقاومة!).

كان من نصيب مصر اتصال طال انتظاره بعد موعده المقرر بسبب انشغال ترامب في مكتبه، وأبدت بعض الأذرع الإعلامية قلقها وخوفها من عدم إتمام الاتصال، ولكنه تم مع أن قائد الانقلاب  فرَّغ جدول أعماله، مساء ليلة الاتصال، من أجل تلقي المكالمة التي جاءت بعد يوم من اتصال ترامب بالإرهابي اليهودي بنيامين نتنياهو. 

وأعلن المتحدث باسم البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي أكد في الاتصال الهاتفي، التزام بلاده بالمساعدات العسكرية لمصر! وأضاف أن دونالد ترامب أشاد بالخطوات الشجاعة لنظيره المصري بشأن الإصلاحات الاقتصادية (التعويم والاقتراض)، وأكد التزام بلاده بمساعدة مصر في حربها على الإرهاب.

وإذا كانت الأبواق الإعلامية في مصر تهلل لاعتزام بطرس الحافي الجديد أو دونالد ترامب سحق الإسلام الإرهابي اقتداء بسلفه القديم، فإن بعض الأبواق تهالكت في حبه، وتوهمت أنه أفضل من سابقه باراك أوباما الذي شيّعه كاتب خليجي بشطر بيت من الشعر القديم «إِلى حيثُ أَلقتْ رَحْلَها أُمُّ قَشْعَمِ»، وتصوّر المذكور أن الصليبي اللاحق سيكون أفضل من الصليبي السابق (أوباما)الذي حمّله كل ما نراه من فوضى في منطقتنا بسبب ضعفه وخوره( يعني ليس بسبب ضعفنا وخورنا واستبدادنا)، وسوء رأيه فينا، وسياسته الجبانة. كما حمله إطلاق يد إيران وأتباعها لتذبح وتقتل وتدمر، ويتفاءل صاحبنا ببطرس الحافي الجديد (ترامب) لأنه سيقلم أظفار إيران وأتباعها، ولن يصل ضرره إلى ما وصل إليه ضرر سلفه.   

ونسي المذكور أن المفاضلة بين الحكام في دول صليبية تحكمها المؤسسات والمصالح هراء لا أساس له، لأن الصليبيين الهمج لا تعنيهم غير مصالحهم وإشباع تعصبهم الصليبي أو الشعبوي كما يسميه بعض خدام الاستبداد في بلادنا، والحاكم هناك ليس شيخا لقبيلة أو زعيما لعشيرة يمكن تقبيل رأسه ليغير قرار بلاده  وموقفها.

الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!

وسوم: العدد 708