معارضات في مهب الريح

معارضات في مهب الريح

علي العبد الله

المدن:31/3/2015

مازالت المعارضات السورية، بعد اربع سنوات من انطلاق الثورة، بعيدة عن انجاز تصور عملي لمشروعها الوطني بحيث تتقدم باتجاه تحقيق اهداف ثورة الحرية والكرامة بطرح خطة خارطة طريق منطقية وعملية وخلق اجماع وطني حولها.

لقد بدأت برامج المعارضات بُعيد انطلاق الثورة ولكنها لم تتطور باتجاه خطط تنفيذية محددة الى الآن رغم الحاجة الماسة الى الانتقال من التأمل الى العمل، الى التنفيذ، في ضوء شلال الدم الذي لم يتوقف والقتل والدمار المستمرين وتزايد عدد الضحايا والمصابين والمعتقلين والمفقودين، وتفاقم اوضاع النازحين واللاجئين، والعجز عن توفير لقمة عيش كريمة او علاج مناسب لملايين السوريين المنكوبين، وانتشار الامراض الفتاكة، ناهيك عن انهيار الاقتصاد الوطني.

مازالت المعارضات تجرّب بتنظيم خيالها في تصورات عامة وكأنها لا تدرك الضرورة الملحة للتقدم خطوة الى الامام بوضع مخطط تنفيذي لتحقيق التصورات العامة، وكأنها لا تحس بحجم المعاناة التي يعيشها المواطنون او لا تكترث بهم، وكأنها تنتمي الى شعب آخر او تعيش في كوكب آخر. 

لم ينجح المجلس الوطني السوري في انجاز تصور عملي او خطة خارطة طريق وبقي يدور حول عموميات المطالب الوطنية، كما لم ينجح في استقطاب التنسيقيات التي اقامها شباب الثورة والكتائب المسلحة بحيث يتحول الى قيادة فعلية للثورة، ولم ينجح في تشكيل جبهة وطنية موحدة تحشد القوى وتدير الصراع تحت قيادة موحدة وخطة عمل واحدة، حتى اتفاقات القاهرة 2012، التي يدعو البعض الى العودة اليها واعتبارها اساسا للتحرك الراهن، التي اتفق عليها بين ممثلي المعارضات، وخاصة المجلس وهيئة التنسيق، أخذت شكل خطوط عامة، ولم يتم متابعة العمل عليها لتطويرها وتقنينها وتنفيذها بسبب الصراعات البينية على المواقع والادوار والولاءات الاقليمية التي تحكمت بادارة التحركات السياسية والميدانية. ولما تأسس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الذي بُرر تشكيله بتجاوز اخطاء المجلس وقصوره وعجزه، لم يبن على ما تم في المجلس واعاد انتاج آلية العمل السابقة بالبقاء في دائرة العموميات ذاتها. وقد جاءت وثيقته الاخيرة "وثيقة المبادئ الأساسية حول التسوية السياسية في سورية" ببنودها الثلاثة عشر نسخة مكررة عن المطالب العامة مع شيء من التفصيل لكن دون وجود آلية تنفيذ محددة وواضحة.

مناسبة هذا الكلام التحضيرات التي تتم لعقد لقاء القاهرة2 مع زيادة عدد الحضور للايحاء باتساع تمثيله للمعارضة وشرعية قراراته بتجاهل تام للخلفيات التي تحكم هذا اللقاء والدور المصري الخفي الساعي، مع بعض المعارضين السوريين، وبالتنسيق مع روسيا، الى تشكيل جسم سياسي بديل للائتلاف تحت مسمى "مؤتمر وطني شامل" منسجم مع توجهات النظام المصري الداعية الى عقد حوار بين النظام والمعارضة هدفه اعادة تأهيل النظام السوري، بذريعة الحفاظ على الدولة السورية ووحدة اراضيها، مع بعض التغييرات الشكلية، وخاصة اشراك بعض المعارضين في حكومة وحدة وطنية، وعقد صفقة سياسية بعيدا عن الثورة واهدافها.  تجلت تلك التوجهات في خطوات النظام المصري في القمة العربية الاخيرة في شرم الشيخ حيث لم يدعو الائتلاف، أو أي طرف معارض الى حضور القمة، ورفع علم النظام على مقعد سوريا الشاغر، بالاضافة الى ماقاله السيسي عن الوضع السوري في كلمته وتجاهله التام للثورة والمعارضة ومطالبها(قالت مصادر مطلعة انه سعى الى اقناع الدول العربية بدعوة رئيس النظام السوري الى القمة لكنه تخلى عن المحاولة لانه ووجه برفض عدد من الدول المؤثرة).

يشكل العمل على عقد لقاء القاهرة دون اعتبار لهذه المعطيات وما تنطوي عليه من مخاطر على مطلب التغيير الديمقراطي، نشير هنا الى الورقة التي صدرت عن لقاء القاهرة السابق وما انطوت عليه من تراجعات في مطالب الثورة، مقامرة بمصير الثورة لا يمكن ان يحجبها الحديث عن مصر والتغني بمآثرها فدور مصر مرتبط بتوجهات النظام المصري الحالي وبالجالس على كرسي الرئاسة فيها وما يتبناه من خيارات وسياسات لا بكون مصر مركز العالم العربي واكبر دوله، فالهام في هذه اللحظة السياسية الدقيقة خدمة هدف الثورة في تحقيق الحرية والكرامة عبر انجاز التغيير الديمقراطي، وليس تلبية تطلعات بعض الطامحين الى لعب دور قيادي في حل الصراع السوري ولو على حساب مطلب التغيير الديمقراطي. 

كان على الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ان يعيد قرءاة الخريطة السياسية الآن لتحديد المواقف الاقليمية والدولية من الصراع في سوريا، ويضع خطة خارطة طريق وطنية مفصلة تتمحور حول هدف رئيس: التغيير الديمقراطي، محكومة بمحددات واضحة وحاسمة، ويدخل في حوار جاد مع القوى السياسية والعسكرية حولها مقترنة بالدعوة الى تشكيل جبهة موسعة حولها، بحيث يكشف ثوابت المعارضات واستعدادها للعمل من اجل التغيير الديمقراطي دون سواه، وبذلك يتلافى الصدام حول تصورات ومواقف المعارضات وخلفياتها الذاتية والموضوعية حيث لايمكن ردم الهوة الواسعة بين تصوراتهوهيئة التنسيق كما عكستها الاوراق المتبادلة، دون ان ننسى فشل هيئة التنسيق في الاحتفاظ بوحدتها وانسجامها الداخلي على خلفية الانقسام حول التصورات والخيارات بين مكوناتها، ويسعى لتسويق الخطة عربيا ودوليا كمدخل لتحديد المدى الذي يمكن ان تذهب اليه الدول الصديقة في دعم عملية التغيير، ولاستدراج ضغط سياسي على النظام وحلفائه للقبول بالانتقال الديمقراطي او الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي.

في الختام لابد من الاشارة الى ان كثيرا من هذه الهواجس والمخاوف طرحت على لسان قيادات وكوادر في المعارضة بعامة وفي "الائتلاف" بخاصة مع ملاحظة سعي الائتلافيين للتبرؤ من المسؤولية عن العجز والفشل في التقدم على طريق تحقيق الاهداف، والذي، السعي للتبرؤ، عكسته كتاباتهم وطرحهم المشكلة وكأنهم ليسوا طرفا فاعلا في خلقها بممارساتهم وصراعاتهم المريرة على السلطة والمواقع والولاءات.