لا يصلح السيف والسوط الناس بل يصلحهم العدل والحق

تعليق صحفي

  عقد ظهر الاربعاء في مقر محافظة الخليل اجتماع ضم كافة محافظي المحافظات الشمالية ترأسه اللواء الحاج اسماعيل جبر مستشار الرئيس لشؤون المحافظات بحضور الحاج موفق دراغمة منسق شؤون المحافظات.

وبعد نهاية الاجتماع وفي مؤتمر صحفي قال اللواء جبر: "لقد ناقش هذا الاجتماع مواضيع هامة أبرزها الحفاظ على السلم الاهلي والأمن ودور المحافظين في هذا الموضوع وتوفير المناخ الامني للمواطنين بالتعاون مع المؤسسة الأمنية". وأضاف "يجب أن نؤكد على الموقف الثابت والراسخ بأننا لن نسمح لأحد بالخروج عن النظام وليس هناك أحد فوق القانون وسنلاحق كافة المجرمين والخارجين عن القانون وسنصل إليهم في كافة أماكن تواجدهم وسنحاسبهم حسب القانون والقضاء" مؤكدا أنّ هناك أجندات غير وطنية يحاول البعض تنفيذها ولكن سيتم التعامل معهم بكل حزم.

غريب هو منطق السلطة وقادتها بل عجيب، فإما هم مخبولون لا يدرون بأي أرض هم أو أنّ عندهم انفصاما في الشخصية فلا تدري يمينهم ماذا صنعت شمالهم.

فعند الحديث عن القانون والنظام والخروج عنهما، ألا يلاحظ هؤلاء أنّ السلطة وأجهزتها الأمنية ورئيسها هم أول من يخالف القانون بل ويدوسون عليه؟!

أليس الاعتداء على الوقفات السلمية الاحتجاجية على ممارسات السلطة حقا قد كفله قانون السلطة؟! فمن الذي قمع وأصدر الأمر بقمع الوقفة السلمية الاحتجاجية التي نظمها وجهاء وعشائر الخليل وبمشاركة من حزب التحرير في الخليل يوم 4/2/2017 للاحتجاج على تآمر السلطة على أرض وقف الصحابي تميمي الداري؟!

ومن الذي قمع وأصدر الأمر بقمع الوقفة السلمية الاحتجاجية على الاعتقال السياسي في الخليل يوم 25/2/2017م وضرب وفرق الحشود بالقنابل المسيلة للدموع وسجن العشرات؟!

ومن الذي قمع وضرب المحتجين ووالد الشهيد باسل الأعرج في رام الله أمام مجمع المحاكم لاحتجاجهم على محاكمة الشهيد ورفاقه؟!

أم أنّ السلطة تعتبر نفسها وقادتها ورئيسها فوق القانون، والناس هم فقط من يجب أن يطبق عليهم القانون، فحتى رئيس السلطة ورئيس وزرائه قد خالفا القانون الصريح وقرار محكمة العدل العليا وتآمرا من أجل تمليك أرض الوقف للبعثة الروسية المعروفة بتاريخها المشين في تمرير الأراضي للاحتلال. ف{كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.

إن كانت السلطة صادقة حقا في حبها وحرصها على القانون، فلماذا لا تطبقه أولا على قادة أجهزتها الأمنية ورئيس وزرائها ورئيسها ومحافظيها؟!

فكيف للناس وهم يشاهدون السلطة أول من يدوس على القانون أن يفكروا بالتزام القانون أو احترامه؟!

فإن كانت السلطة ترى في القانون خيرا فحري بها أن تكون أول الملتزمين به والمنصاعين له،{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}وإن كانت تراه باطلا فكفاها عارا أنها اتخذته قانونا وخير لها أن لا تدعوا الناس للالتزام به.

إنّ السلطة تظن أنها بالتغول والعربدة ستستطيع أن تجبر الناس على الخضوع لها وتحسب أن الهيبة تصنع بالقوة والغطرسة، وهي في ذلك واهمة بلا شك.

فالناس عندما ترى أزلام السلطة أصبحوا مرتزقة وحولوا ما تسميه بالمشروع الوطني إلى مشروع استثماري، بل ولاحقت الناس في أرزاقهم وأقوات عيالهم بالضرائب والرسوم والتشريعات من أجل تأمين الأموال لقادتها لضمان انتفاخ جيوبهم وملء بطونهم، ورائحة فساد المسئولين قد أزكمت الأنوف وملأت الأفاق، والسلطة تغطي عليهم بل وترفع درجاتهم ورتبهم، لينطبق عليها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) كيف والحال كذلك تتوقع السلطة أن يحترم الناس السلطة أو قانونها أو رجالاتها؟!

وعلى الصعيد السياسي، فالناس ترى كيف أصبحت السلطة شريكا للاحتلال في قتل أبنائهم وملاحقة مقاوميهم ومصادرة أرضهم، ومعاونة ليهود في تثبيت دولتهم وغطرستهم وتدنيس المقدسات،  في حين أن السلطة تقدس التنسيق الأمني العار الذي يفتق بأبناء فلسطين وشرفائهم، وبدلا من أن يرى الناس الأجهزة الأمنية وهي تدافع عنهم أمام هجمة يهود الشرسة على فلسطين وأبنائها، هم يرون كيف تختفي العناصر الأمنية وتخلو الساحة منهم لمجرد وجود نشاط أمني للاحتلال، فتدخل قوات يهود تقتل وتهدم وتعتقل آمنة مطمئنة كأن السلطة غير موجودة وتخرج قوات يهود دون أن تنبس السلطة ببنت شفاه أو تومئ بعصاة.

اما على صعيد الإسلام وثوابته، فالناس ترى كيف أصبحت السلطة تخاصم الله وتبارزه بالعداوة، فهي من تحرف المناهج وترعى كل رذيلة وساقطة، وفتحت الباب على مصراعيه للغرب ومؤسساته لينفث سمومه في المدارس والجامعات والبنوك والشارع والمؤسسات. وهي من تحاول منع كلمة الحق من المساجد وتسعى لتحويل منابرها إلى خطب سلطوية تسبح بحمد التنسيق الأمني ورئيسها، وهي من تعتقل كل من ينكر المنكر أو يأمر بالمعروف ظنا منها أنها ستتمكن من تمرير مشروعها التفريطي على أهل فلسطين.

فكيف تتوقع سلطة كهذه أن يكون في قلوب الناس لها هيبة أو ذرة من احترام؟ وكيف تظن أنّها بالحديد والنار ستفرض هيبتها على أناس لطالما استعذبوا النضال والتضحية من أجل الحقوق والكرامة؟! أم أنها تحذو حذو صناديد قريش الذين نظروا إلى فعل غيرهم ونسوا جرائمهم وكبائرهم، قال تعالى:(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)

إنّ العدل والحق هو ما يصنع الهيبة والمكانة، وما الظلم إلا طاقة توقد النار تحت الناس لتنتقم ممن يطغى عليها ويتجبر بها.

كتب والي خراسان واسمه الجراح بن عبد الله لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ذات مرة يقول: إنّ أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك، فكتب إليه عمر: أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط فقد كذبت بل يصلحهم العدل والحق فابسط ذلك فيهم والسلام.

25/3/2017م

وسوم: العدد 713