حول جنيف : الحكومة غير الطائفية والدستور الروسي..الحاوي ديمستورا وقبعاته الأربع

ما يزال الحاوي ديمستورا الذي رفض بشار الأسد وحكومته استقباله الأسبوع الماضي ،  يتنقل من عاصمة إلى عاصمة ، يحمل على رأسه قبعاته الأربع يستخرج منها في كل محفل ما يعجب ويرضي .

وليس عجيبا أن يستمر الموظف الأممي ديمستورا متعنيا خفاقا في تحمل الملف السوري يطير به من الشرق إلى الغرب ، ومن عاصمة إلى أخرى، فالرجل فيما هو فيه ساع على رزقه ، ملتزم بأداء وظيفي مناط به ؛ وإنما العجب كل العجب في إمساك من يعتبرون أنفسهم ممثلين لدماء مليون شهيد سوري،  بركابه ، والخوض في مخاضاته ، والتصفيق لمناديله تتحول من طيور إلى ثعابين !!

إن تأكيد ممثلي ( المعارضة والثورة ) أنهم سيشاركون في محادثات جنيف القادمة ، وتحت عناوين قبعات ديمستورا الأربع ، يعني أن هؤلاء الممثلين  قد تخلوا عن دورهم الوطني ، ومهمتهم الثورية ، واختاروا لأنفسهم  أن يطفوا على سطح الموج ومحركيه من روس وأمريكيين وإيرانيين ، فلا رأي ولا موقف غير إضفاء الشرعية على كل الذي كان وعلى كل ما يمكن أن يكون .  في حالة من تعويم القرار والموقف أضحت بعد أن أثارت الشفقة طويلا تثير الريبة والشك وتستدعي الجهر بالنكير .

أليس من حقنا أن نتساءل ونحن نواجه ملفات ديمستورا التي هز ممثلو المعارضة والثورة رؤوسهم بالموافقة عليها : كيف تحول المطلب الأول حسب مرجعية جنيف  في ( تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات ) إلى الحديث عن ( بحث في أسلوب الحكم ) أو ( تشكيل حكومة غير طائفية خلال ستة أشهر ) . كيف انقلب الطائر ، وإن كان بوما أو غرابا إلى ثعبان وله فحيح ؟! كيف حصل هذا ؟!  والمؤتمنون من قادة المعارضة يسمعون ويرون ويقبلون ويسترسلون ويؤكدون : ذاهبون ..ذاهبون ..ذاهبون  ..؟!

 أليس من حق أن نتساءل : كيف رضي قادة المعارضة ، وهم الوكلاء المؤتمنون ، بهذا النسخ والمسخ ، ثم أرسلوا جوابهم بالاستعداد للحضور ، متجاوزين دماء الشهداء وعذابات المعذبين ؟!

أليس من حقنا أن نسأل السيد ديمستورا وشركاه من كل الأطراف بمن فيهم هؤلاء المؤتمنون : حين يدعونا إلى تشكيل حكومة سورية ( غير طائفية ) ومتى كانت الحكومات في سورية طائفية ؟!!!

 ألم تكن هذه الحكومات تعج بالعشرات من الذين يجلس بعضهم وأمثالهم اليوم على نفس الكراسي التمثيلية، كلهم كان يشكل منديل العذر ينفي عن حكومات بشار وأبيه صفة الطائفية ويوشحها بالوشاح الوطني الذي لم يتغير منه شيء حتى اليوم ؟!

ثم ما هي حكاية الدستور يسابق إليها ديمستورا الزمن ، الدستور السوري يكتب فوق الأنقاض ، وتحت تهديد أسراب الطيران الروسي يخاطب أهل حي الوعر : تخرجون من دياركم أو تقصفون كما قصف أهل حلب من قبل !!  يحدثنا ديمستورا عن الدستور ، وفي كمه الأيسر الدستور الروسي الذي يعدنا أن يتلاعب بحروفه فيخرجه لنا بعد جولة أو جولتين من الكم الأيمن دستورا وطنيا سوريا ، يحمي حقوق الأقليات بحكم ذاتي ، وينعم على الأكثرية السورية بحكم وطني  في ظل بشار الأسد كما حدثنا رئيس اللجنة السياسية في الدوما الروسي !!

في القبعة الثالثة يخبئ ديمستورا ، منديلا زاهيا عنوانه انتخابات برلمانية ، بإشراف أممي وخلال ثمانية عشر شهرا ..

ولا ندري إذا كانت ثمانية عشر شهرا ستكفي لإحصاء أعداد الشهداء السوريين ، أو الكشف عن مصير المفقودين ، أو السماح لعشرة ملايين سوري بالعودة إلى وطن لم يهجروه وإنما هجّرهم منه القتلة والمجرمون..

لا ندري إذا كانت ثمانية عشر شهرا ستكفي لإعادة توصيف السجلات العدلية لعشرين مليون سوري ، تكاثر فيهم القتلة والمجرمون . وهي أبسط ما يشترط في الناخبين والمرشحين؟!

أما الحديث عن الحرب على الإرهاب فسنجدنا قابلين لتحدي ديمستورا وكل محازبيه أن يضعوا معايير موضوعية للإرهابي الحقيقي لنتفق على حربه ، بل نسبق إليه ..وهل يوجد على ظهر البسيطة اليوم إرهابي قتل كما قتل بشار الأسد أو عذّب كما عذّب أو هجّر كما هجر ..

إلى المؤتمنين على قرار الثورة السورية : نصيحة محب مشفق ناصح ، لن تخسروا شيئا إذا قلتم لديمستورا : ملفاتك هذه لا تعنينا . إن أي بديل اعتباطي لجهد ديمستورا سيكون أقل سوء مما تدعون إليه ، وتخوضون فيه ، والذي ما إخالكم إلا ستوقعون عليه ..  

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 713