هكذا أفهم الاختلاف؟

أكره لكن ... : أكره الكفر، أما الكفار فأحبّ لهم الهداية وأرجو أن أكون ممّن يجلبونها لهم وأدعو الله أن يهديهم ، لماذا ؟ لأنهم إخواني في الانسانية ، من نفس التراب و الأبويْن ، ولولا فضل الله عليّ لكنتُ مثلهم ، فأنا أحبّ الهداية للناس جميعا ، يسرّني أن يدخلوا  الجنة لا أن يُلقوا في النار ... هذا ما تعلمته من الهدي النبوي ، ان أبغض الفقر وأحب الفقراء.

وأكره المعاصي ، أما العُصاة فأشفق عليهم ، أحاول دعوتهم إلى التوبة وأدعو الله أن يهديهم لتكثير سواد المسلمين وإغاظة الشيطان ، لا أنتقص من قدرهم لأني أخشى أن تكون ذنوبي أبغض إلى الله من ذنوبهم ، فلستُ راضيا عن نفسي حتى انتصب قاضيا عليهم ، إنما أنا إنسان ضعيف وداعية بالحسنى.

الدنيا تموج بالاختلاف ، هكذا خلقها الله تعالى ، وبأضدادها تتمايز الأشياء ، تختلف الأديان والأفكار والآراء والثقافات والميول والأذواق والألوان ، فأعدّ هذا مصدر ثراء لبضاعتي العلمية ولرحلتي في الحياة الدنيا ، لا أطلب من أحد أن يكون صورة طبق الأصل مني – حتى أبنائي – و لا أتعاون مع من يوافقني في كل شيء فحسب بل ألتقي مع أي كان في أي حيّز نتفق عليه لننجز عملا مفيدا نافعا إن لم يكن للإسلام فللبشرية ، وأبقي أناقش وأحاور وآخذ وأردّ فيما اختلفنا فيه ، وقد أغيّر رأيي وقد يغيّر الآخر رأيه ، والدنيا تتسع للجميع ، ولو شاء الله لجعل البشر على دين واحد ورأي واحد ومذهب واحد ، وإذًا لا تكون دنيا.

إنما أبغض الظلم والظالمين والعدوان والمعتدين ، مهما كان الظالم ومهما كان المظلوم ، هنا أنتفض ولا أهادن ، أقاوم باليد واللسان والقلب ، لا أسكت ولا أتغافل ، مهما كان دين الظالم ومذهبه ، وهل للظلم دين أو مذهب ؟ والجهاد في الاسلام ليس قتال الكافر وإنما قتال الظالم ، أي هو انتصار للحق والعدل والحرية ضد الجور والتسلط والقهر ، أما العقيدة فلا يحاسُب عليها الناس في الدنيا – فضلا عن أن يقتَلوا – إنما أمرها إلى الله يوم القيامة ، وقد عايش الرسول صلى الله عليه وسلم الأديان الموجودة ولم يحمل السلاح لجعلهم مسلمين بل لردّ عدوانهم الواقع أو الوشيك.

كلّ ما سبق هو ما يقتضيه القلب السليم والفهم الصحيح والإحساس بالمسؤولية نحو البشرية : " لتكونوا شهداء على الناس " ، ولن تقوم لنا قائمة أخلاقية إلا إذا التزمنا بهذه الثقافة وأشعناها ، وهذا هو الاسلام الذي شوه صورتَه التطرف والتشدد على غير بصيرة ، رغم أن ذلك ما ينضح به القرآن والسنة ... إنها موازين الاعتدال والوسطية الاسلامية.

ماذا يعني الاختلاف ؟ : إن اختلافي مع أي كان لا يعني أبدا أني أريد إلغاء وجوده أو أنه يمثل الشرّ المطلق ولا خير فيه إطلاقا ، لا ثم لا ، إنما تعلمت من كتاب الله وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم أن أرفض اعتداءه المادي و الفكري على عقيدة المسلمين وأرضهم ، ، فهو حرّ إذا أصرّ على فكر أرى من وجهة نظري أنه مخالف للحقيقة ، لكن أرفض أن يتوسّل بالدسائس والألاعيب من أجل التشويش على منظومتنا الدينية والأخلاقية والثقافية وبثّ فكرته المخالفة لها.

أنا لا أكره اليهود لأنهم يهود ولكن لأنهم معتدون على أرضنا العربية الاسلامية ، والمسالم منهم أعامله كإنسان اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.

يحقّ للمسيحي أن يبقى على مسيحيته والبوذي أن يتمسك ببوذيته وكذلك الهندوسي والسيخي والملحد ، فالله هو الذي يتولّى محاسبتنا وإياهم على عقائدنا وأعمالنا يوم القيامة ، أما في الدنيا فنرفض عدوانهم ، نرفض بثّ سموم التنصير بيننا ( ولو كان المنصّرون جادين وصادقين لوجب عليهم أن ينصّروا البلاد الغربية أولا لأنها تمخر في إلحاد صريح قبيح ) .

أنا لا أطلب من الشيعة ألتخلّي عن دينهم وإنما أطلب منهم الكفّ عن إيذائنا من خلال الطعن في رموزنا الدينية من جهة ومحاولة تحويلنا إلى التشيع من جهة أخرى ، فلا شيء يؤلمنا كالتجنّي على أبي بكر وعمر وعائشة والزعم ان القرآن الذي بين أيدينا ناقص ، وبلادنا عاشت محصّنة ضدّ التشيع الذي حكمها رغما عنها زمن العبيديين ، فلما رحل لم يبق له ظلّ ولا أثر والحمد لله ، تماما كما في مصر بعد الفاطميين.

وإذا رأى بعضهم أن يركبوا موجة إنكار السنة النبوية فهم لا يمثّلون أي خطر على مرجعيتنا وثوابتنا وإنما تتصيّد دعايتهم ضعاف النفوس والمستوى الذين تستهويهم " المودة " الجديدة من اللباس وتسريحة الشعر إلى الأفكار الشاذة ، فلا تعني مخالفتهم أننا نريد قتلهم بل نتوجّس منهم ونحذّر وندعو الله أن يهديهم.

وخلافي مع الوهابيين الذين يسمون أنفسهم  " سلفيين " لا يجرّني إلى تكفيرهم ، معاذ الله ، ومشكلتي ليست مع عقيدتهم وإنما مع غلوّهم الذي يفسد صورة الاسلام ومع أخلاقهم المتنافية مع الهدي النبوي ، أنا لا أدعو إلى اقتلاع جذورهم ولا أطالبهم بأن يصبحوا أشاعرة او مالكية ، أنا أرفض محاولتهم تحويلنا إلى المذهب الحنبلي والولاء لآل سعود واتخاذ تقاليد عربية ( بل أعرابية ) معينة  أحكاما شرعية ملزمة.

مع كل هؤلاء أنا ألتزم القاعدة الذهبية " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه " ...ومن رفض هذه القاعدة الشرعية الانسانية  فقد أقصى نفسه.

ربح وخسارة : ماذا نربح وماذا نخسر لو التزمنا هذه المعاني ؟ كان سيزول التطرف الديني ويربح المسلمون أكثر من غيرهم مساحات شاسعة على مستوى القلوب والمصالح ، بل سيسود الوئام النسيج الاسلامي الداخلي الذي أنهكته النظرة السوداوية للدين والحياة والآخر مهما كان ، فانتشر البغض " في الله " على حساب المحبة التي تدخل القلوب بغير استئذان ، وليس هناك شيء أفسد ثقافة التعايش مثل مفهوم " الولاء والبراء " حين تناوله من ليس له تصوّر مكتمل عن الاسلام فجعل منه معول هدم  لا يبقي ولا يذر.