إيران وفوبيا التعديلات الدستورية التركية

حالة من "الهستيريا والتخويف  غير المسبوقة "أصابت الإعلام والمسئولين الإيرانيين  قبل وبعد الاستفتاء التركي على التعديلات الدستورية التي قدمها حزب العدالة والتنمية الحاكم، وأقرها البرلمان، وكأن على رؤوسهم الطير ... 

شنت  إيران حملة منسقة  من خلال إعلامها الرسمي، وغير الرسمي،  حملة واسعة على الرئيس ( رجب طيب أردوغان)، واتهمته  بألفاظ نابية وغير مسبوقة، ونعتته بصفات " التطرف " " والحكم الاستبدادي ( جريدة كيهان 17/ 4/ 2017)"  والحكم الشمولي في تركيا  " ( جريدة  مردم سالارى 17/ 4/ 2017 )" "والدكتاتورية" و"السلطوية" " والهتلرية ( موقع مشرق نيوز " 18/ 4/ 2017) وهتلر تركيا "( تابناك 18/4/ 2017)" وأردوغان : الدخيل الجورجي يحكم تركيا " (جريدة خراسان 19/4/2017) وموسيليني تركيا  " ( تابناك 19/4/ 2017)" وخطر العثمانية الجديدة "(آفتاب يزد ، 19/ 4/ 2017)  " والأردوغانية المتسلطة "  " واصلاحات رجب باشا " ( جريدة جمهورى اسلامى ،19/4/2017) " واستفتاء السلطان أردوغان "  ( كيهان 19/4/2017)....

تبنت إيران إستراتيجية سياسية قامت على أساس  توجيه  الإعلام   لتشويه  ماهية التعديلات الدستورية،  وتداعياتها الخطيرة داخلياً وخارجياً على تركيا، محذرة من ابتعاد تركيا عن الديمقراطية والعلمانية الرشيدة .. داعية الشعب التركي بشكل مباشر وصريح لرفض التعديلات الدستورية، والخروج في مظاهرات ضدها، في تدخل سافر، وصريح في شؤون دولة ذات سيادة, وهو أمر غير مسبوق في العلاقات الدولية،  ولو حدث العكس، وتدخلت تركيا، أو غيرها في استفتاء،  أو انتخابات  إيرانية  لقامت الدنيا، ولم تقعد في طهران ..

الأمر لم يقف عند هذا الحد بل استمر بعد الإعلان عن نتيجة الاستفتاء،  والتي جاءت مخيبة لآمال إيران، فما كان من الإعلام الإيراني،  وبعض المسئولين المغمورين  إلا أن انهالوا بالاتهامات على حكومة (أردوغان) بزعم أنها زورت  إرادة الشعب التركي، ومارست سياسة الإقصاء والتهميش  مستهدفة المعارضة، وأنها قامت بالزج بإعداد غفيرة منهم في السجون،  هذا بالإضافة إلى توجيه اتهامات مباشرة للحكومة التركية بتسخير إمكانات الدولة لصالح الترويج للتعديلات الدستورية، وحجب رؤية المعارضة عن الشعب التركي، إلى جانب اتهامات بتزوير نتائج الاستفتاء والرهان على بطلان النتائج   .

الملفت  أن إيران قد انضمت بقوة  إلى  جانب أوروبا في انتقاد  الاستفتاء، بل وتقاسمت معه نفس  العبارات تقريبا، وهذه من المفارقات الغريبة التي يجب التنبه لها 

العجيب الغريب  أن إيران  باتت  بعد  هذه التصريحات كالمومس التي تحاضر في  الأدب والأخلاق،   فجُل الانتخابات الإيرانية  ليست نزيهة ولا محايدة  ولا حتى شرعية ؛  فالنظام الإيراني يتحكم بمسارها ونتائجها، في الوقت الذي زج به نظام الملالي  بآلاف من عناصر المعارضة في السجون، هذا إلى جانب تصدر إيران بجدارة قائمة الدول في قمع الحريات،  وتكميم الأفواه، ومصادرة  حقوق الإنسان، إلى جانب أنها تجلس في مقدمة الدول التي تمارس عمليات الإعدام في العالم .

إيران ولعنة التعديلات الدستورية :

 

 

clip_image002.jpg

لا شك بأن  التعديلات الدستورية  الجديدة ستُقيد  من دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، وتبعد خطر الانقلابات العسكرية، إضافة إلى أنها  ستمنح صلاحيات أوسع للبرلمان، وهو أمر سيزيد من الاستقرار السياسي،  بينما تريد إيران أن تبقى تركيا فريسة للانقلابات العسكرية، و تحت رحمة الاضطرابات،  والحكومات الائتلافية الواهنة، مما يضعفها داخلياً وخارجياً، ومن شأن ذلك تقوية المشروع الإيراني في المنطقة . 

فبعد رحلة  معاناة طويلة  ومريرة  حول طبيعة  التكوين الدستوري والقانوني للدولة التركية ، تمكن الرئيس ( رجب طيب أردوغان) أخيراً من تمرير  التعديلات الدستورية التي تمنح لرئيس الجمهورية صلاحيات أوسع، وتُحوِل بذلك تركيا إلى دولة ذات نظام رئاسي، وهذا الموضوع حسم حالة الصراع والتجاذب بين معسكرين  متعارضين، المعسكر الأول : تمسك  بالنموذج (الأتاتوركي) التقليدي الذي حكم تركيا، ومن خلفه مؤسسة عسكرية حرصت على العلمانية بطابعها المتحالف ضمناً مع الصوفية .

 أما المعسكر الأخر :  فهو الذي دافع عن النموذج (الأربكاني) الذي بات مصبوغاً بنزعته الدينية الوسطية، و الحريص على نسج علاقات إقليمية ودولية تراعي مصالح الدولة التركية أولاً وأخيراً، مدعومة بدور مركزي تعزز من خلاله صلاحيات الرئيس، الطامح لإحداث نقلة نوعية شاملة في مسار الدولة التركية .

لكن  فما هو السبب في كل هذا الهجوم،  والانتقاد الإيراني لتركيا؟!..

clip_image004.jpg

 

المؤكد أن إيران لا ترغب برؤية  دولة مسلمة قوية إلى جانبها خصوصًا إذا كانت دولة سنية؛ لأن هذا يصب عكس مصالحها؛ فدولة مثل تركيا تدافع عن قضايا الأمة الإسلامية،  وتتحالف مع دول كبيرة للوقوف أمام المشروع الإيراني في المنطقة، مما يربك حسابات  طهران التي  دخلت  في سياسات وسلوكيات  مشبوهة بشدة منذ سقوط  العراق، وتغير الدور الوظيفي لإيران التي باتت أحد أهم الأدوات لبث الإرهاب والفوضى  غير الخلاقة في العالم مستهدفة العالم الإسلامي أولاً .  ومن الواضح كذلك أن التعديلات الدستورية قد أسهمت في رفع وتيرة  الخشية الدولية والإقليمية  معاً ؛  لتعكس (فوبيا)  خاصة  متعلقة بافتراض عملية الترويج لفكرة  رغبة الرئيس (أردوغان)  في إعادة دولة الخلافة إلى الوجود مرة أخرى  من خلال توطيد السلطات بين يديه، حيث ستبدأ من خلال تأمين  حماية النظام التركي من الانقلابات العسكرية، والتمهيد  لتحويل تركيا إلى مركز الثقل للنموذج الإسلامي ، مما سيسمح في  إعادة الخلافة الإسلامية التي سيكون مركزها تركيا العثمانية.

clip_image006.jpg        الحملة الإعلامية  الإيرانية غير المسبوقة ضد (أردوغان)،  حاولت أن تلخص  استراتيجية  الرئيس (أردوغان)؛ حيث  حاولت  أن تظهر تعاطف تركيا (أردوغان)  مع (الإخوان المسلمين)، وتقريبه لحركة  (حماس) وغيرها، إضافة إلى كونه  المستفيد الأول من ضعف (الإخوان) في العالم العربي، إذ حاول الوقوف إلى جانب القضايا العربية  الشعبية، ولا سيما القضية الفلسطينية، والسورية....

    كل ذلك قد  أسهم في  خلق رأي عام شعبي عربي وإسلامي  هدفه التمهيد لعودة  مركز الثقل إلى تركيا..

إيران و الترويج لفكرة المواجهة السعودية  لمشروع (أردوغان) :

تعتقد إيران أن تركيا تحاول  أن توظف المتغير  الجغرافي  في موقع يجعلها نقطة ارتكاز  لإعادة مشروع بناء الخلافة، لكن إيران تراهن بقوة على وجود متغيرات مهمة لإحباط مشروع (أردوغان) :

الأول : المتغيرات الخاصة بالبيئة الداخلية التركية : حيث يروج الإعلام الإيراني أن مشروع (أردوغان) سيؤدي إلى  اصطدام مع مكونات الداخل التركي ذات التوجه العلماني،  والرافضة لعودة النموذج الديني ما يجعل قرارات (أردوغان) وسعيه إلى أخونة الدولة على غرار النموذج المصري تهددان تركيا بالسقوط في حرب أهلية،

و سيؤدي إلى اندلاع  الحرب الدينية والأهلية والحضارية والثقافية داخل الدولة التركية، والتسريع في عملية الإطاحة بـــــ(أردوغان) .

الثاني : المتغيرات الخاصة بالبيئتين الإقليمية والدولية : تعتقد إيران أن مشروع (أردوغان) لإحياء الخلافة العثمانية  سيؤدي إلى مشاريع تتنافس مع المشاريع المختلفة والمتضاربة  في المنطقة، مما سيؤدي إلى حدوث مواجهة  عنيفة مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، حيث لا زالت إيران تطرح فكرة الرهان داخل المنظومة الإقليمية الواحدة  من خلال رفع احتمالية المواجهة ليس مع إيران وحدها، بل ترك هذه المهمة للمملكة العربية السعودية التي يتحالف فيها الحكم مع الحركة الوهابية، حيث  تعتقد نفسها كبديل شرعي  ثان عن  الخلافة العثمانية، إضافة إلى  اعتبار   الجزيرة العربية بمثابة  العاصمة التاريخية والدينية لدولة الخلافة، ومرجعيتها الحضارية،  وليست تركيا (الأردوغانية) التي تحلم باسترجاع الإمبراطورية الإسلامية العثمانية، مما ينبئ بمواجهة بين السعودية وتركيا في المستقبل القريب، والتي لن تسمح  الرياض بدورها بحدوث مثل هكذا سيناريو قياساً على موقفها المناهض من أحداث مصر الذي أفضى إلى الإطاحة بالرئيس الإخواني (محمد مرسي)، هذا إلى جانب الأدوار الإقليمية والدولية التي ستدفع السعودية لمواجهة المشروع (الأردوغاني)، وتوظيف مختلف الأدوات ، ولاسيما الاقتصادية للإطاحة بهذا المشروع واجتثاثه .  

إيران والسيناريوهات المستقبلية :

clip_image008.jpg

بقدر ما سيشكل هذا الاستفتاء الدستوري  تأثيراً بالغاً على  السياسة الداخلية التركية في السنوات المقبلة، فسيكون له أيضاً تأثير كبير على علاقاتها الخارجية. فما الذي يمكن أن نتوقعه  من  علاقات  ثنائية بين تركيا وإيران، إلى جانب  مسار الأحداث  التي قد تطرأ على سياسات أنقرة الخارجية بعد الاستفتاء ؟.

على مدى العام الماضي، تدهورت علاقات تركيا مع إيران  تدريجياً، وكانت الأزمات  المستمرة في العلاقات هي إحدى مظاهر العلاقات بين الجانبين بسبب دور إيران المدمر من خلال الأزمات الإقليمية، ونشر الفوضى والطائفية في المنطقة .

وقد اقتصرت الأزمة بين تركيا  وإيران عند هذه النقطة من التصريحات، لكن بعد إقرار الاستفتاء، وتفعيله  يمكننا أن نتوقع صدامات أعمق بين الدولتين .

قبل الاستفتاء، كانت التوقعات لمستقبل موقف تركيا من العلاقة مع إيران  في معظمها  متأرجحة؛  ففي سوريا كانت تركيا عالقة بين روسيا وإيران، وأخفقت في تشكيل تحالف قوى مع الروس لكبح جماح الاندفاع الإيراني،  كما أن المصالحة المشهورة بين تركيا وروسيا لم ترق إلى مستوى توقعات أنقرة، إذ لم تغير موسكو إستراتيجيتها في سوريا لاستيعاب مصالح تركيا، بل باتت أحد أهم مهدداتها .

ما تزال كل من طهران ومليشياتها  تدعمان العنف والإرهاب، ويدعمان ضمناً تحركات (داعش) لاستهداف الأمن التركي، والتصريح الإيراني بعد نجاح عملية  الاستفتاء الذي أعلنت  فيه طهران عن خطورة التعديلات الدستورية، وتعهدت  بالوقوف ضدها، على الرغم من أن تركيا أكدت مراراً وتكراراً أنها تعدّ هذه المسألة خطاً أحمر.

وفي العراق، تواجه تركيا أيضاً مشاكل بسبب سعي إيران للعب بالورقة الطائفية، واستهداف المكون السني ، حليفة تركيا، والجماعات التركمانية التي كانت تحت الحماية التركية، ومحاولة  طهران تصدير تداعيات الأزمة العراقية إلى تركيا تباعًا مع تزايد احتمالية تكثيف ذلك مستقبلاً بدعم وتوجيه إيراني .

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل ستساعد نتيجة الاستفتاء تركيا على الخروج من مخاطر وتداعيات  السياسة الخارجية  التركية الإقليمية، وجلها بفعل  البيئة الصراعية التي أوجدتها إيران ؟

أبرقت  طهران، كما جرت عادتها، رسائل عنيفة  حول استفتاء تركيا الدستوري؛ إذ هنأ الرئيس (روحاني) ، الرئيس التركي (أردوغان) على فوزه في الاستفتاء، بينما تقاسمت وسائل الإعلام الإيراني المحسوبة على مختلف أجنحة الحكم ومؤسساته أدوارها لتوجيه انتقادات  عنيفة ضد نتائج الاستفتاء وتداعياته على إيران ومشروعها الإقليمي  كما عرضنا لذلك مسبقاً .

يمكن النظر إلى التناقض بين تهنئة  روحاني  ومواقف الأجنحة ومؤسسات الدولة الإيرانية العميقة  حول نتيجة استفتاء تركيا  على أنه مؤشر خطير ومهم ؛ لعدم وجود نوايا طيبة حول ما جرى في تركيا من تطور دستوري، حيث بدت متشككة وحذرة إزاء التغييرات التي تحدث في تركيا، وصلت إلى درجة ترك - فوبيا   .

في تقديرنا أن إيران  تراهن  على جملة من السيناريوهات والتطورات  التي ستجري في تركيا  :

  السيناريو الأول : الرهان  الإيراني على حدوث انقلاب عسكري، واعتبار أن الإرادة  الخاصة  بالعسكر هي التي ستهيمن في نهاية المطاف، استناداً إلى التجربة  التاريخية والسياسية  لتركيا، والرهان على  الدور الأميركي الغربي في إحداث  انقلاب عسكري شامل يطيح بـــــ(أردوغان)؛ خصوصاً أن هذه الدول لن تسمح بإمبراطورية عثمانية جديدة إلى جوار أوروبا، وما يمكن أن يحدثه ذلك من تداعيات خطيرة على الداخل الأوروبي  الحليف الاستراتيجي لأميركا .

السيناريو الثاني :  سيناريو تراجع أو تجميد لعملية تفعيل المواد الدستورية التي تم الاستفتاء حولها، حيث راهنت بعض وسائل الإعلام الإيرانية ولا سيما  المحسوبة على الحرس الثوري الإيراني  على هذا السيناريو، وعن  أوراق ضغط اقتصادية وسياسية وعسكرية  ستمارسها  الولايات المتحدة ضد  تركيا  لكبح جماحها واندفاعها الذي سيكون له نتائج وخيمة سوف تتجلى من خلال صعود تركيا كقائد للحركات السنية " المتطرفة " ونهوضها لمواجهة الغرب، على حد تعبير الإعلام الإيراني .

 السيناريو الثالث : سيناريو المحاور لإحباط المشروع (الأردوغاني)، وهو يقوم على أساس  التقارب الإيراني – الغربي – الروسي –  الخليجي "السعودي "، وهو ما تروج له طهران ضمناً بشكل كبير استناداً إلى التجربة المصرية، حيث ستسهم  نتائج الاستفتاء – حسب تحليلنا لهذه الرؤية -، و تساعد على تقوية علاقات إيران  مع المحور  سالفة الذكر، وتسهم في إيجاد  جبهة موحدة ضد الاندفاع التركي " العثمانية الجديدة " لبناء مجال حيوي  بالاتجاه نحو دول أسيا الوسطى والقوقاز وباتجاه العالم العربي السني، مما يشكل خطراً محدقاً بالأمنين الروسي،  والغربي ، والإيراني، والسعودي على حد سواء، وهو ما يقتضي التدخل العاجل لمنع مثل هكذا سيناريو، وهذا السيناريو سوف يدفع موسكو للسعي إلى علاقة أقوى مع طهران لمواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد  في المنطقة، ومن المؤكد أن  بوتين سيكون أكثر اهتماماً بإقامة علاقة أقوى مع الدولة الإيرانية ، والسعودية على ضوء هذه الرؤية، بل حتى مع الغرب لدعم سيناريو الانقلاب العسكري في تركيا، أو إغراق تركيا في قضايا وأزمات إقليمية تستنزف قدراتها، خصوصاً في ظل احتمالات كبيرة لتدخل عسكري تركي جديد  بعد إشارات إلى أنها  قد تشرع قريبا في عملية جديدة عبر الحدود، حين صرح الرئيس (أردوغان) قبل الاستفتاء إلى  إن درع الفرات لن تكون آخر عملية لتركيا  في المنطقة.

 ولم يحدد إطاراً زمنياً، أو مكان العملية المقبلة، مع محاولات أنقره المتكررة الترويج إلى الدعم الشعبي لعملية درع الفرات من خلال الترويج إلى أن  غالبية الشعب التركي سوف تدعم عملية أخرى عبر الحدود، ولاسيما إذا كانت  هذه العملية ضد حزب العمال الكردستاني، أو ميليشيا كردية تابعة له.

السيناريو الرابع : سيناريو غرق تركيا بعد الاستفتاء في وحل الأزمتين السورية والعراقية  من خلال القيام بمغامرات عسكرية هناك،  والرهان على مواجهة أميركية وروسية كلا على حدا مع   الأهداف التركية، ودرس احتمالية كيف يمكن لإيران توظيف هذا المتغير لصالحها  وإضعاف تركيا؛ إذ من المرجح جداً أن يستفيد الرئيس (أردوغان) من التفويض الذي منحته له التعديلات الدستورية  للقيام  بعملية عسكرية أخرى  بعد درع الفرات لأسباب خاصة  متعلقة برفع شعبيته، حيث هناك أهداف محتملة يحاول الترويج لها من خلال هذه  العملية مثل  السيطرة على المنطقة الواقعة غرب نهر الفرات، والمنطقة الشرقية لنهر الفرات، وسنجار، أو شمال العراق، إذ تقع المنطقة الواقعة غرب نهر الفرات تحت السيطرة الروسية، ومن غير المرجح أن تسمح روسيا لتركيا بالتحرك بحرية بهذا الاتجاه، ومن ناحية أخرى، تقع منطقة  شرق نهر الفرات تحت سيطرة الولايات المتحدة التي تستعد في الوقت الحالي لعملية الرقة القادمة، ومن غير المحتمل أن تسمح لتركيا بأن تأتي، وتزعزع التوازن في هذه المنطقة.

ومن المرجح حسب الزعم الإيراني أن تسمح نتائج الاستفتاء للرئيس (أردوغان) الشروع في عملتين جديدتين هدفها سيكون  نحو العراق، أولها  منطقة سنجار في العراق،  والتي تعتبر ذات أهمية إستراتيجية كبيرة  بالنسبة لتركيا، ولذا ترغب تركيا في السيطرة عليها،  وإذا استهدفت تركيا  هذه المنطقة التي  تعد جسراً طبيعياً بين العراق وسوريا، فإن ذلك سيتيح لها الفرصة لتكون مؤثرة في كل من عمليتي الرقة والموصل، ثاني هذه العمليات، وهي المناطق التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، مثل (ميتينا) (وأفاسين باسيان) (وهاكورك) بالقرب من الحدود التركية. ضد أهداف حزب العمال الكردستاني.

رهان طهران  على أن   الولايات المتحدة تريد أن تسيطر على نتائج هاتين العمليتين، لذلك فمن المستبعد جداً أن تمنح (أردوغان) موافقتها على عملية سنجار وحتى استهداف الحركات الكردية المعارضة، وهو ما لن تسمح به روسيا، مما ينذر بمواجهة تركية مع القوى الرافضة لهذا التوجه العسكري .

د. نبيل العتوم

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية