مَن الديكتاتور ، في تركيا !؟

الديكتاتور:(1) هو الحاكم الفاسد ، الذي يغطّي فساده ، بقمع الناس ، وخنق أصواتهم ، بما لديه، من قوّة السلطة !( فلينظر عباقرة الديموقراطية ، الذين يفبركون تُهَم الدكتاتورية- للحاضر- وهواجسَها-للمستقبل-.. في جباههم الناصعة، جدّاً، وأيديهم النظيفة ، جدّاً؛ ليعلموا: أين تعشّش  الدكتاتورية ، وعلى أيّ الدماء تتغذى .. ومَن يتنفّسها ، كالهواء ! ) .  

أو(2) من لديه ضعف ، أو عجز، عن فعل أيّ شيء مُجدٍ ، لدولته وشعبه - بما في ذلك عجزه ، عن مقاومة الاختراقات المعادية : الأمنية والسياسية والاقتصادية ، وغيرها.. لمؤسّسات بلاده - ! فهو يغطّي ضعفه ، أو عجزه ، بقوّة السلطة؛ فيمنع أفراد شعبه ، من الإشارة إلى الضعف ، أو العجز، الذي هو فيه ! ( فليتأمل عمالقة الديموقرطية الكبار، جدّاً، في تاريخهم المجيد، وإنجازاتهم الرائعة، التي أبدعوها ، لبلادهم وأمّتهم : عمرانياً ، وعسكرياً ، وسياسياً ، واقتصادياً.. قبل هذا العهد؛ ليدركوا معاني المصطلحات ، التي يثرثرون بها، من: ديموقراطية، وديكتاتورية ، وغيرها.. وأين تكمن ، وبأيّ جهاز استخباري دولي ، تحتمي !) .

 جاء في المثل العربي القديم : ( رمَتـني بدائِها وانسَلّت) !

 فعن أيّة ديكتاتورية ، يتحدّث هؤلاء ، المولَعون بتزييف المصطلحات ، والتشدّق بها !؟

عن ديكتاتورية اللصوص والمرتشين ، الذين ظلّوا ، عشرات السنين ، ينهبون مال الدولة، الغارقة في الديون، فلا تزداد إلاّ غرقاً، ولا يزداد البائسون ، فيها، إلاّ بؤساً !؟

عن ديكتاتورية الزعامات ، المحصّنة بقوّتها المالية والسلطوية ، ضدّ أيّة محاسبة .. ومن يفتح فمه ، لسؤالهم ، عمّا يفعلون ، بأموال البلاد ، يغلقون فمه ، برصاصة من مجهول ، او بحادث مروري متعمّد ، أو بتهمة ملفّقة ، يقضي بها ، بقية عمره ، في أحد السجون !؟

   إن تركيا ، هي ذاتها : بأرضها وسمائها ، بسهولها وجبالها ، وبحارها وأنهارها..!

فمن الذي نقلها، من دولة بائسة ، غارقة في الديون، ليرَتُها تفقد ثلث قيمتها، تلقائياً، كلّ عام.. إلى دولة غنيّة قويّة ، دائنة ، تنشيء مشروعات عملاقة ، كلّ عام ، وعلى كل صعيد !؟

  الديكتاتور: هو من يسرق ، ويقتل ، وينهب .. دون أن يسمح لأحد ، بمحاسبته ؛ لأن المحاسبة تفضحه ، أمام الناس !

 فهل يخاف أحد ، من أعضاء السلطة الحاكمة ، في تركيا ، اليوم ، من المحاسبة !؟

وهل يستطيع أحد ، التهرّب من المحاسبة ، محصّناً بسلطته ، أو بنفوذه !؟

وهل سلطات المحاسبة - التشريعية والقضائية- معطّلة ، اليوم ، أو سيعطّلها الدستور الجديد!؟

وهل سلطات الرقابة - الإعلامية والشعبية- معطّلة ، اليوم ، أو سيعطّلها الدستور الجديد!؟

 القوانين الجيّدة ، تحصّن المجتمع ، من الظلم والفساد ! فإذا صاحبتها أخلاق فردية نبيلة ، وأيدٍ نظيفة..عزّزتها- من حيث تحصين المجتمع- وحمَتها ، هي ، ذاتها ، من التعطيل، أو التلاعب بها ، أو التحايل عليها ، أو التهرّب منها !

 فإذا لم توجد الأخلاق النبيلة، والأيدي النظيفة، لدى رجال السلطة، تبقى مهمّة حماية القوانين، واجباً على الناس ، الذين يحتمون بها؛ فالقانون الذي لاتحميه ، لايحميك .. فالحماية متبادَلة !

 عمر بن الخطاب ، كان يحاسب نفسه ، وأهل بيته ، قبل أن يحاسب الناس .. ويهدّد أهله ، بأن يضاعف لهم العقوبة ، إذا وجد لديهم ، مايخالف منهجه ، في العدل ، واتباع الحقّ !

 لذا؛ لم يكن يخاف ، من أن يحاسبه أحد، على شيء ، ممّا عنده ، حتى لو كان ثوباً جديداً، يظنّ بعض الصحابة ، أنه استأثر به ، لنفسه ، دون المسلمين !

وحين وصلت غنائم المسلمين ، التي اغتنموها، من حرب فارس ، في العراق، رآها كثيرة جدّاً، وثمينة جدّاً ، فقال : إن قوماً ادّوا هذا ، لأمَناء !

 فقال له ، عليّ بن أبي طالب : ياأمير المؤمنين ، عَففتَ فعَفّوا، ولو رَتعتَ ، لرتَعوا !

  تلك هي المسألة : عفّ، هو، وأهل بيته ؛ فملكَ الجرأة ، على محاسبة رعيّته !

 والفساد : مرتبط بعضه ببعض ، وهو ظلم ، كله : الرشوة ، وسرقة المال العامّ، والتعدّي على أموال الناس ، وممتلكاتهم ، وأرواحهم ، وأعراضهم .. والتهرّبُ من الضرائب ، و سوءاستغلال السلطة ، وهدر المال العام - بلا منفعة للدولة -.. كل هذا ، ممّا يحاسَب عليه فاعله ، مهما كان موقعه ، في السلطة !

فإذا فسد رأس السلطة ، أو عجز عن محاسبة موظفيه ، تشكّلت- من المكلفين بحماية القوانين- عصابة إجرامية بشعة ، تمارس خرق القوانين ، وبعضُها يتستّر على بعض ، وكلّ من أفرادها: يَحمي غيرَه ، ويحتمي به .. ويعطَّل القضاءُ ، عن القيام بعمله ، إذا لم يدخله الفساد ، أيضاً !    

وهذه هي الدكتاتورية المخيفة ، كتلك التي نراها، في عدد كبير، من الدول المحكومة بالاستبداد، والتي كانت سائدة ، حتى في تركيا ، في بعض المراحل !

 فهل إطلاق يد الحاكم ، في محاسبة موظفيه ، بنزاهة وحزم ، دكتاتورية !؟

وهل إخضاع المسؤولين ، جميعاً ، لسلطة القضاء ، دكتاتورية !؟

وهل كفّ أيدي المافيات ، السلطوية الإجرامية ، عن العبث بمؤسّسات الدولة وممتلكاتها ، دكتاتورية !؟

 وهل كفّ أيدي الدول الخارجية ، عن العبث بالأحزاب السياسية ، وتسخيرها ، أو تسخير بعض عناصرها ، للعمل ضدّ مصلحة البلاد ، دكتاتورية !؟

 نرجو هؤلاء ، المهووسين بالعبث ، بالمصطلحات ، أن يحدّثونا ، عن مفهومهم للدكتاتورية ، كي نكون على بيّنة من أمرنا ، ونعرف ، ما الذي كانت فيه تركيا ، أيّام تسلط أمثالهم ، الذي أوصل تركيا، إلى الحضيض - سياسياً واقتصادياً- : أهو نوع خاصّ، من الديموقراطية ، التي لم نسمع بها ، من قبل !؟ أم هوطراز، من النزاهة الفائقة ، التي لم يعرفها علماء القانون !؟ أم هو شيء آخر، في رؤوسهم، لايحبّون الإفصاح عنه ، حتى يستلموا، هم ، السلطة ..وعندئذ !؟

 بقي أن نذكّر، بأن صاحب الأخلاق السامية النبيلة، يأبى ، إلاّ أن يظلّ نظيفاً ، ولو أحاطت به، مستنقعات الفساد ؛ فهو يأبى السباحة فيها ، ويسعى إلى تطهيرها ، احتراماً لنفسه، ولشعبه، ولأمّته !

والذي لايملك خلقاً نبيلاً ، ونفساً أبيّة كريمة.. يظلّ يلهث ، باحثاً عن مستنقع ، يسبح فيه ! فإن لم يَجده ، حرص على صنعه، وتوسيعه، حتى يشمل مجتمعه ، كله! لأن بعض المخلوقات، تعجز عن العيش ، في المياه النظيفة ! والديكتاتورية والفساد: عنصران متلازمان ؛ فهي مُنتجتُه الأولى ، وهو مناخُها الأمثل !

لذا ؛ يعبث الفاسدون ، بالمصطلحات ، لينحّوا الشرفاء ، عن السلطة ، بحجّة الخوف من الديكتاتورية ؛ ليتمكّنوا ، هم ، من الإمساك بأزمّة الدولة ، فيمارسوا فسادهم ، كما يريدون ، بأغطية من الحصانة ، تحميهم من المحاسبة ؛ حتى لو ارتكبوا جريمة الخيانة العظمى ، ضدّ شعبهم ودولتهم ! والأمثلة كثيرة ، أكثر من أن تحصى.. وواضحة ، أقوى من أن تُستر، أو تغطّى ! فلينظر كلّ: حوله، وفي الدول المجاورة له !

 والمحصّلة : أن الفاسد ديكتاتور، بالفعل ، أو بالقوّة – أيْ : هو مشروع ديكتاتور- فيما لو أتيح له ، استلام سلطة ! أمّا الصالح ، فلايمكن أن يكون ديكتاتوراً ، لو استلم سلطات الدنيا ، كلها؛ لأنه مستعدّ للمحاسبة، دائماً ؛ لعدم وجود ريبة : لديه ، أو لدى أهله، يخفيها عن الناس!

 فالخليفة الذي اختاره المسلمون، لقيادة دولتهم وأمّتهم، ومنحوه سلطة اتخاذ القرارات..لا يأبى، أن يحاسبه أصغر فرد، في دولته ! وليس حوله مجلسس نوّاب ، منتخب من الشعب، يحاسبه، ولا أحزاب تراقب سلوكه ، ولا وسائل إعلام - محلية ودولية- تحصي عليه أنفاسه .. ولا شعب يراقبه، ويسقطه في الانتخابات ، إذا رأي خللاً ، أو عجزاً ، في سلوكه ، أوأدائه ؛ كما هو عليه الحال ، اليوم ، في تركيا ، وغيرها ، من الدول الديموقراطية !

  ولا يسعنا أن نقول ، لتجّار المصطلحات ، الذين زيّفوها ، ثمّ تاجروا بها ..إلاّ ماقال الشاعر :

      إذا ساءَ فعلُ المرء ، ساءت ظنونُه       وصدّق ، مايعتاده ، عن توَهّمِ.