قمة الرياض : أمن إيران ومصالحها على كف عفريت

قمة  أميركية - عربية  مصغرة ستعقد في الرياض في الثلث الأخير من شهر أيار الجاري، بمشاركة الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)  في أول زيارة خارجية رئاسية يقوم بها.

أطراف القمة تمّ تسميتهم مبكراً، وهم قادة دول مجلس التعاون الخليجي، مع احتمالية انضمام الرئيس المصري، وملك الأردن إلى هذه القمة لاحقاً.

ردّ الفعل الإيراني يأتي تباعًا من طهران، فقد  أكد أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، والقائد السابق للحرس الثوري الإيراني "الجنرال محسن رضائي" أن لدى طهران  معلومات  مؤكدة  أن أميركا بصدد إيجاد نظام إقليمي  جديد يخدم مصالحها، ويسعى لافتعال مغامرة إقليمية واسعة النطاق، مما يتعارض مع المصالح  الثورية الإيرانية، ويضعها على المحك أمام هذا التحدي غير المسبوق،  داعياً الشعب الإيراني  إلى  الاتحاد والاستقلال الإقليمي، والسعي لبناء تحالف إقليمي مضاد يصب في مصلحتها، معبراً  عن فخره  - في الوقت نفسه - بأن تنظيم (داعش) قد  انتشر تقريباً في العراق، وسوريا، واليمن، وأفغانستان والمنطقة، لكنه بفضل العناية الإلهية  لم يتمكن من الوصول إلى إيران .

 دخل المسئولين الإيرانيين حالةٌ من التخوف والتقييم غير المسبوقة لقمة ( ترامب) المصغرة في المنطقة، وهو ما تبدى من خلال محاولة تقييم حول قمة الرياض، بعد تحميل الأمير  (محمد بن سلمان) وزير الدفاع السعودي مسؤولية  المبادرة لعقد  هذه القمة، خلال زيارته إلى واشنطن ولقائه مع الرئيس الأمريكي (ترامب) الذي بادر بالموافقة على هذا الاقتراح  على الفور .

يمكن حصر القلق الإيراني من خلال ما صدر من تصريحات خلال الأيام الماضية، التي تطابقت، واعتبرت أن أحد أهم أهداف هذه   القمة العربية الأميركية المشؤومة، عزل إيران ومحاصرة نفوذها، والسعي لتحجيم دورها، وتحويل الفرص التي تحققت لطهران في المنطقة إلى تهديدات، إلى جانب أن الرئيس (دونالد ترامب) يحمل معه تعديلات على مبادرة السلام العربية، ستفرغ المبادرة الأصلية من غالبية بنودها، إلى جانب توقع  عدم نقل السفارة الأمريكية الى القدس في المرحلة الحالية، خوفاً من إثارة مشاعر الرأي العام الإقليمي والدولي، وإسناد المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية مقابل نصف تطبيع سياسي وتطبيع اقتصادي كامل بين العرب وإسرائيل، وأضافت التوقعات الإيرانية  إلى أن (ترامب) سيعلن من إسرائيل الاتفاق على حسم نتائج المفاوضات بين إسرائيل والجانب الفلسطيني على أسس ومعايير جديدة تنهي حلم الدولتين  وبلا رجعه .

الملفت أن إيران لا يعنيها  حلم السلام بقدر ما يهمها  اليقظة على تداعيات دفع إدارة (ترامب) لعملية  التطبيع العربي – الإسرائيلي، وتأثير ذلك عليها، بعد توقع النتائج الوخيمة لحالة اصطفاف الإقليمي غير المسبوق ضد طهران، وهو ما جعل جريدة كيهان المحسوبة على المرشد تقول" أن أمن ومصالح إيران باتت على كف عفريت اسمه ترامب، وعزت ذلك إلى الاستدارة  السياسية الأميركية الكاملة، والذي تجلى من  موقفها المعلن من الحروب التي تخوضها أمريكا في العالم وخاصة في الشرق الأوسط وتحديدا في سوريا، بعد أن أمر وبشكل مفاجئ بشن هجوم صاروخي على مطار الشعيرات العسكري يوم الإثنين 7 ابريل/نيسان الجاري، رداً على الهجوم المفترض بالسلاح الكيمياوي على بلدة خان شيخون في إدلب في الرابع من نفس الشهر، حيث تسألت الصحيفة، أين ستتجه صواريخ (ترامب) ومغامراته  في المرة القادمة ؟ .

أما الرهان   الإيراني فهو على التصعيد في شبه الجزيرة الكورية، والذي سيكون بمثابة الهدية من السماء  لإنقاذها، حيث ستُشغل  هذه الأزمة - حسب الرؤية الإيرانية - العالم  بأتون أزمة جديدة،  وتدرأ  دائرة الخطر عن إيران لسنوات عديدة قادمة .

التحليلات الإيرانية  تعتبر الهجوم الصاروخي على سوريا رسالة غير مشفرة إلى إيران، التي استفزها (ترامب) بتغريدات على حسابه الشخصي في موقع (تويتر)، ثم على الحساب الرسمي لشخص الرئيس الأميركي الذي اعتبر إيران أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم  ”، ولم يتوقف (ترامب) عند هذا الحد؛  بل ذهب إلى اتهام إيران بابتلاع العراق، واتهامها بالعمل على  "استفزاز" واشنطن، وتهديد المصالح الأمريكية في بلدان مثل اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان.

 ولم يكتف (ترامب) بهذا الاستفزاز، بل أمر ترجم ذلك عملياً، من خلال تعزيز الوجود الأميركي في العراق وسوريا، والتبشير بوضع إستراتيجية فاعلة في اليمن، وتوجيه إنذارات إلى إيران بعدم إجراء تجارب صاروخية متوسطة أو بعيدة المدى ، إلى جانب التبشير بولادة تحالف إقليمي بدعم أميركي لمواجهة إيران . طهران  لم تقف مكتوفة الأيدي؛ فقد  مارست كعادتها من خلال تصعيد الخطاب السياسي، حيث ردّت بقوة ، وعلى لسان عدد من المسئولين السياسيين والعسكريين  وأتحفتنا بشعاراتها الرنانة عن الممانعة والغضب ومقاومة الاستكبار،  لكنها سلوكها كان براغماتيًا بامتياز، فقد توقفت عن التحرش بالقوات البحرية الأميركية التي تصول، وتجول قبالة السواحل الإيرانية على معزوفة  البوب ميوزيك، وأوقفت خانعة تجاربها الصاروخية منذ 29 يناير الماضي، وبدأت قياداتها بالتسابق في نسبة الفضل  عن دورها في إبعاد شبح المواجهة مع الولايات المتحدة، وتصدر هذا السجال (خامنئي – وروحاني)  مؤخرًا.

من الواضح ان إيران بدأت تستشعر أنها مقبلة على   مرحلة في غاية الخطورة، وقالت بشكل واضح أنها  باتت  مهددة في أمنها واستقرارها بسبب سياسة الرئيس  (ترامب) المتناقضة والمتهورة، وشخصيته المريضة والمتقلبة وغير المتزنة، وبسبب إحاطته بمجموعة من المتطرفين والمهوسين بسيناريو المواجهة مع إيران، والمدافعين عن مصالح " لوبي السلاح،  والحروب الانتقائية ”، بل هناك من بين هؤلاء المتطرفين من يقدم مصلحة " هذه اللوبيات التي تمثل الدولة العميقة ” على مصلحة أمريكا، ووصلت التحليلات الإيرانية إلى أنه بات من الصعب التنبؤ بأفعال أو ردة أفعال (ترامب)  تجاه إيران، وتشتت الخيارات للتواصل المباشر مع هذه الإدارة من خلال حلفاء موثوق بهم بالنسبة لإيران، نظراً لصعود  اليمين المتطرف الذي يتقاسم مع (ترامب) نفس التوجه، متوقعين أن   يتخذ الرئيس الأميركي  أخطر القرارات التي تخص أمن واستقرار المنطقة والعالم .

من الواضح  أن طهران باتت تدرك أن إدارة (ترامب) قد رسمت بالفعل إستراتيجيتها لمستقبل منطقة الشرق الأوسط،  والتركيز على محورية ومركزية دور (السعودية)، باعتبارها دولة إقليمية فاعلة وجامعة للإمكانات، ومركزًا محورياً لتطويق عبث إيران وداعش، وستؤسس لمرحلة جديدة في مكافحة الإرهاب والتطرف، وبناء دعائم تحالف جديد لاستهدافه  .

فحوى وتوقيت واختيار  الرئيس الأمريكي للرياض كأولى محطات جولته الخارجية  مهم، ويضع مصداقية الإدارة الأميركية الجديدة على المحك  في عدم توظيف مداخل الأزمات الإقليمية، والاتجار بأرواح الضحايا والأبرياء، لأغراض التكسب الاقتصادي، والسياسي على حساب أمن شعوب دول المنطقة التي ذاقت أهوال المغامرات الإيرانية، والإسرائيلية . 

لننتظر .... وإن غداً لناظره قريب

د. نبيل العتوم   

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية

وسوم: العدد 719