غسيل الأقدام ودماء الإسلام!

من حق المستنيرين الذين يعيشون في كنف الانقلاب العسكري الدموي الفاشي أن يبتهجوا بزيارة رئيس الفاتيكان لأنه حقق للانقلاب نوعا من الشرعية في العالم الصليبي الذي كان يداري إلى حدّ ما تأييده لإهانة الشعب المصري والزراية بإرادته واختياره، والموافقة على قتل الآلاف من أبنائه في الميادين والشوارع والبيوت، والزجّ بأكثر من ستين ألفا من أعز أبنائه داخل السجون والأقبية المظلمة، وتجريده من الحرية والكرامة والأمل. ومع أن بابا الفاتيكان من جماعة الرهبان الذين يتبنون ما يعرف بلاهوت التحرير، والانحياز إلى الشعوب ضد الطغاة والمستبدين، فالرجل لم يهتم في زيارته لمصر إلا بالسيّد ريجيني القتيل الذي "قُتل مثلما يُقتل المصريون" كما قالت السيدة والدته؛ وادعى أنه لا يتدخل في شئون الدول!  

بابا الفاتيكان لقي حفاوة فوق العادة، دفع ثمنها الشعب الفقير أوي أوي. علقت صوره في الشوارع والميادين والواجهات، لدرجة أن صورة ضخمة بارتفاع واجهة الأزهر الشريف علقت على البوابة الرئيسية مع صورة تواضروس وبين الصورتين علم انقلاب يوليو 1952العتيد! بالطبع لم توضع صورة لشيخ الأزهر ولا لأحد المنتسبين إليه، لأن هؤلاء لا يحبون السلام كما أنبأتنا – بمفهوم المخالفة - مئات المقالات والبرامج الانقلابية التي رحبت بالضيف الفاتيكاني السماوي الروحاني الملائكي!

لقد تبارت نعال البيادة من الكتّاب في مديح البابا، ووجد الطائفيون والمتنصرون فضلا عن الشيوعيين والناصريين واللليبراليين والمرتزقة فرصة ذهبية ليقدموا أوراق اعتمادهم إلى الجهات المؤثرة بوصفهم جنودا ضد الإسلام وقيمه وأخلاقه التي يمارسها المسلمون المتخلفون الظلاميون الإرهابيون، لدرجة أن بعض العوالم والغوازي دخلوا في ساحة الرقص بالكلمات أمام البابا، وقالت إحداهن: “البابا تحدى العالم والارهاب وخفافيش الظلام بهذه الزيارة التي لن ينساها المصريون”.

لم يكن رقص الغوازي بكلماتهن سيد الصورة، ولكن ملأ الصورة رقص الكذبة والمنافقين والأفاقين. خذ عندك بعض العناوين والفقرات: كنيسةٌ سماوية لكل المصريين، بابا الفاتيكان ينهى زيارة مصر بـ«قداس تاريخي»، بابا الفاتيكان: أزور «أم الدنيا» كصديق.. و«تحيا مصر»، أبانا القديس برتبة بابا فرنسيس ليتقدس اسمك، مرحباً بقداسة بابا روما، البابا في مصر رغم أنف الإرهابيين، فرنسيس قاهر الشيطان، بابا الفاتيكان يهزم دعاة حروب الأديان ويكشف مخططهم، بابا الفاتيكان عد الينا، رسول السلام. واقرأ ما تقوله متنصّرة تذوب عشقا في الكنيسة وقادتها وتكره الإسلام والمسلمين وشيخ الأزهر: " أجلسُ في مقصورة كبار الزوار تحت وهج شمس مصر الساطعة، أتأمل وجه هذا الراهب الطيب..، وهيبته التي ازدادت سموًّا حين تواضع وانحنى، قبل شهر، ليغسل أقدام فقراء اللاجئين من العرب الذين طردتهم بلادهم، محاكيًا السيد المسيح الذى انحنى وغسل أقدام تلاميذه وهو يعلّمهم درس التواضع التاريخي الأشهر. أتأملُ ذلك الراهب، البابا فرنسيس، الذى تفصلني عنه عدة أمتار، وأحار في عينيه اللتين تُشرقان بالبِشر والحب لكل البشر دون تمييز..... تُرى ما سرّ الفرح في عينيه، رغم أحزان العالم؟  »..   

البابا نفى تهمة الإرهاب عن الإسلام وقال: "أنا لا أحب أن أتحدث عن عنف في الإسلام لأنني عندما أتصفح الصحف يوميا في إيطاليا أرى أعمال عنف أيضًا: ذاك الذى يقتل خطيبته والآخر الذى يقتل حماته ... وهؤلاء هم كاثوليك ومعمدون. في كل ديانة نجد أشخاصا يستخدمون العنف، وفى كل ديانة هناك مجموعة متطرفين؛ قد يصل التطرف أيضًا إلى القتل ـ ويمكن أن نقتل أيضًا بواسطة اللسان .. وليس فقط بواسطة السلاح ـ لكن لا يمكننا أن نربط الإسلام بالعنف، لأن هذا الأمر ليس صحيحًا، لقد التقيت مع شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر وتحاورنا وأعرف كيف يفكرون: هم يبحثون أيضًا عن السلام واللقاء." وأضاف البابا قائلا: "هناك مجموعات متطرفة وكم من الشباب الأوروبيين قد تركناهم فارغين من القيم والمثل ويعيشون عاطلين عن العمل وفى دوامات الكحول والمخدرات أو يذهبون للانخراط في مجموعات متطرفة". 

المستنيرون من نعال البيادة لا يكفون عن تحميل الإسلام مسئولية الإرهاب وتفجير الكنائس، ولا يتورعون عن إهانة شيخ الأزهر، والحط من قدره، وقدر الأزهر، ولم يكن بعيدا عن الأمر ما قام به متنصّر  كان محفظا للقرآن الكريم في مسجد الحصري اسمه للأسف "محمد أبو حامد". تقدم المذكور لمجلس "أمي بتدعيلك" بمشروع قرار لنسف الأزهر، وتفكيكه، وتوزيع كلياته على الجامعات الأخرى، وتحديد مدة الشيخ، وتقديمه لمجلس تأديب، وتشكيل هيئة كبار العلماء من بعض العمائم الموالية للبيادة، وعدد من الملحدين والزنادقة الذين يسمونهم مثقفين، وأحيانا مستنيرين، وبعضهم لا يفيق من الخمر، ولا تعرف قدماه طريقا إلى المسجد حتى في الجنازات!

شيخ الأزهر ألقى كلمة رائعة وجريئة على غير عادته كشف فيها عن تدليس هؤلاء المستنيرين المرتزقة وتزييفهم ودافع فيها عن الإسلام أمام بابا الفاتيكان، وجاء فيها:

"يلزمنا العمل على تنقِية صُورة الأديان مِمَّا عَلِقَ بها من فهومٍ مغلوطةٍ وتديُّنٍ كاذبٍ يُؤجِّجُ الصِّراعَ ويبث الكراهية ويبعث على العُنف. يجب ألَّا نُحاكِم الأديان بجرائمِ قِلَّةٍ عابثةٍ من المؤمنين بهذا الدِّين أو ذاك. الأزهرُ لا يزال يسعى من أجلِ التعاون في مجال الدَّعوَةِ إلى ترسيخ فلسفة العَيْش المُشتَرَك وإحياء منهجِ الحوار واحتِرام عقائد الآخرين. لا بد من الوقوف معًا في وجهِ سياسات الهيمنة ونظريات صراع الحضارات ودعوات الإلحاد والحداثة اللادينيَّة وما ينشأ عنها من مآسٍ وكوارثَ في كل مكانٍ. نأمل أن يكون اللقاء خطوةً حقيقيةً نتعاونُ فيها على نَشْرِ ثقافَة السَّلام والتآخي والعَيْش المُشتَرَك بين الناس...".

لم يلتفت أحدهم إلى ما قاله شيخ الأزهر، ولم يذكروه بكلمة طيبة، ولكن وحشيتهم في العداء للإسلام، فاقت كل الحدود، فهم يريدون شطب الإسلام في التعليم والإعلام والفنون والصحافة والثقافة ويصمونه بالإرهاب والعنف والظلام والجمود والتخلف والرجعية لإرضاء الجهات المانحة والمحركة. في24/3/2017، التقي بابا الفاتيكان بزعماء الاتحاد الأوربي ووقف وسطهم في صورة تذكارية، ترى ماذا سيقول نعال البيادة لو وقف شيخ الأزهر في مثل هذه الصورة وسط الزعماء العرب والمسلمين؟

بالطبع كانوا سيقيمون الدنيا ولا يقعدونها، ويدّعون أن الزعماء لا يفصلون بين الدين والدولة، وأنهم يؤسسون لدول دينية إلى آخر أكاذيب مثقفي الحظيرة المعروفة! مع أنهم يعلمون جيدا أن البابوات قادوا الحروب الصليبية ضد المسلمين، وصنعوا ديوان التحقيق(محاكم التفتيش) في الأندلس، وحرضوا على إبادة كل أثر إسلامي هناك، وباركوا الاستعمار وإبادة الهنود الحمر، وقتل المسلمين المعاصرين في العراق وأفغانستان والصومال ومالي وفلسطين، ولم يعتذروا عن جريمة واحدة!

الله مولانا. اللهم فرج كرب الظالمين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!   

وسوم: العدد 719