موسم التفجيرات الإعلامية في مصر!

وكأنه يوجد بين ظهرانينا من لا يزال يتذكر قناة «المحور»، ومن ثم يشاهدها، ليكتشف وهو يجلس أمام شاشتها تكفير الشيخ سالم عبد الجليل للمسيحيين، ومن ثم يهب من فوره مستنكراً ومندداً، فيصبح الموضوع هو حديث الساعة، ليتدخل على إثره وزير الأوقاف فيمنع الشيخ من الخطابة، وتقوم إدارة قناة «المحور»، بوقف برنامجه!

يا إلهي لا تزال قناة «المحور»، تبث إرسالها، ولا تزال لها إدارة تتحرك وتجتمع وتقرر، لنكتشف في لحظة تاريخية فارقة أن القناة ليست لها إدارة فقط، ولكن فوق هذا تقدم برامج ومن بينها برنامج للشيخ سالم عبد الجليل، ثم أنها لا تنطلق من فراغ فيوجدهناك من يشاهد القناة متربصا، فعندما يجد الشيخ وقد كفر المسيحيين، تتحرك في عروقه دماء الوحدة الوطنية، فيهب لنصرة وحدة الوطن، فكيف للشيخ أن يكفر المسيحيين وهم مؤمنون وموحدون بالله؟!

قد يقول قائل إن مشاهدة تكفير الشيخ الأزهري للمسيحيين لم تكن بمشاهدة برنامجه على القناة، ولكن عبر السيوشيال ميديا، وليس البرنامج كاملاً ولكن هذه «اللقطة»، وهنا يكون ترويج عملية التكفير تمت عن طريق القناة نفسها، أو بواسطة من مهنتهم بث المقاطع المثيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يسبق للشيخ أن يقول في السابق كلاماً يمثل إثارة، ليجعل هؤلاء يتابعونه، فمن قام بعملية الترويج على أوسع نطاق لهذا المقطع: هل القناة نفسها وكان الواجب عليها أن تحميه من كبوته.. فما الدوافع إذن؟!

الشيخ سالم عبد الجليل، هو أحد قيادات وزارة الأوقاف، وهو مقرب من العسكر، إلى حد أنهم كانوا يؤهلونه لتولي منصب وزير الأوقاف بعد الانقلاب، وإذا كان قد تولى هذا المنصب بالإنابة بعد جريمة 3 يوليو/تموز 2013، فقد كان توقيعه على المكاتبات الرسمية تتم بصفته وزير الأوقاف وليس مجرد قائم بالأعمال، وهذا لفرط ثقته في أن قرار تنصيبه وزيراً هو تحصيل حاصل، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، كما قال شاعر!

قناة أزهري

اقد اعترض الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، على ترشيحه لهذا المنصب، فالشيخ يحسبه على صاحب قناة «أزهري» الشيخ خالد الجندي، ومنذ إطلاق هذه القناة، التي تردد أنها كانت بتمويل ليبي، وهو يريد أن يخترق بها مؤسسة الأزهر، التي أعلنت أن القناة لا تعبر عنها، ويريد أن يصنع لنفسه قيمة علمية بهذا الاختراق بعد أن حقق الوجاهة الاجتماعية، وصار نجماً فضائياً، فتحت له عموم الفضائيات بما في ذلك التلفزيون الرسمي لقربه من الأجهزة الأمنية، وحالياً انتقل ببرنامجه إلى قناة «المخابرات»، «dmc» ويلقي دروسه أمام شيوخ من الأزهر، كما لو كان الأستاذ المعلم، أو فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي وهو من كان يجلس شيوخ الأزهر في حضرته مجلس التلميذ من الأستاذ!

يقولون إن قناة «أزهري» كانت تغدق على من يقدمون البرامج فيها من الأزهريين أجوراً مبالغاً فيها. ولم يكن شيخ الأزهر الراحل يرتاح للجندي، وامتد عدم الارتياح للشيخ الحالي، فأصبح مجرد حساب الشيخ سالم عبد الجليل عليه محرضاً على اعتراض شيخ الأزهر على ترشيحه وزيراً للأوقاف، رغم أن «سالم» من منظومة الانقلاب العسكري!

والآن، وفي ظل عدم ارتياح السيسي لشيخ الأزهر، فعند أي تغيير وزاري فإن الشيخ سالم عبد الجليل هو من أقرب المرشحين لمنصب وزير الأوقاف، فلن يؤخذ رأي الشيخ الطيب في الأمر، ولن يكون لاعتراضه قيمة، لكن لأن «عبد الجليل» ليس محظوظاً، فإنه ينطبق عليه المثل الشعبي «قليل الحظ يجد العظم في الكرشة»، ففي هذا الوقت يقع في شر أعماله بتكفيره للمسيحيين، والبابا هو الحليف الاستراتيجي لقائد الانقلاب العسكري، وليس من المنطق إغضابه بهذا الاختيار، وقد اعتبرها وزير الأوقاف الحالي رمية بغير رام، فتحرك على الفور ليقرر منعه من الخطابة!

فهل كانت بالفعل رمية بغير رام؟! لا سيما وأن الشيخ «عبد الجليل» يعلم خطورة كلامه، وقد تربى في مدرسة الإخوان، قبل أن يغادرها إلى أحضان السلطة مبكراً، وهي مدرسة غير مشغولة بأمور العقائد كما المدرسة السلفية، فضلاً عن أن البعد السياسي حاضر في أذهان من تربوا فيها، فهل يمكن لمثلي أن يعتبر عملية التكفير هذه كانت مدفوعة فقط بسوء الحظ الذي يلازم الشيخ؟!

قنبلة يوسف زيدان

مهما يكن، فإن الاستغلال السياسي لما قاله عبد الجليل بدا لي ليس طبيعياً، والأمر انتقل إلى مناقشته عبر برامج في قنوات أخرى، بعد أن أصبح موضوع الساعة عبر السوشيال ميديا، وبدت محاولة أخذ الناس بعيداً عن السياسة مقصودة، والذي زاد وغطى، هو أن قنبلة أخرى انفجرت عبر القناة شبه الرسمية لعبد الفتاح السيسي «أون تي في»، والتي انتزعت من مالكها الأصلي رجل الأعمال نجيب ساويرس، الذي باعها صاغراً، في اتجاه تجريده من أذرعه الإعلامية!

لقد استضاف عمرو أديب، الكاتب والأديب يوسف زيدان، الذي انطلق مهاجماً صلاح الدين الأيوبي بوصفه «أحقر الشخصيات في التاريخ». وهو أمر جاء في سياق سياسة إشعال الحرائق!

وقد انتهيت تواً من قراءة الجزء الأول، من مذكرات أحد ثوار يوليو/تموز 1952، وأحد الضباط الأحرار، وعضو مجلس قيادة الثورة، الراحل «عبد اللطيف البغدادي»، وقد راعني اعترافه بمسؤولية جمال عبد الناصر عن ستة تفجيرات تعرضت لها القاهرة، وقال إن ناصر نفسه اعترف لهم بمسؤوليته عن ذلك وأنه يستهدف إشعار الشعب المصري بالخوف من المجهول، ومن ثم دفعه للتمسك بالحكم العسكري لحمايته من المخاطر، وكان الرئيس محمد نجيب يقود الاتجاه داخل مجلس قيادة الثورة لعودة الجيش لثكناته وعودة الأحزاب والحياة النيابية!

إشعال الحرائق، من المعروف بالحكم العسكري بالضرورة، وقد ارتفعت دعوة لرئيس توافقي لمواجهة عبد الفتاح السيسي في انتخابات 2018، وهو يخاف من هذه الانتخابات بلا ضرورة موضوعية، لأن طبيعته تخشى دائما المجهول، فقد كان لا بد من إشعال الحرائق وإحداث التفجيرات لكن عبر البرامج التلفزيونية!

لا أعرف كيف لمن يقدم نفسه على أنه أديب ومؤرخ، أن يستخدم أوصافاً غير علمية مثل الوصف «أحط»، لكن من الواضح أن استخدامه كان بهدف تأدية المهمة على خير وجه، لا سيما وأن من وصف به هو شخصية لها مكانتها في قلوب الناس لانتصاراته العظيمة على الصليبين!

اللافت أن بعض نخبتنا ومنهم من كان يعتبر صلاح الدين رمزاً عظيماً، اندفعوا لتروج الهجوم على صلاح الدين الأيوبي، بحجة حربه على الدولة الفاطمية وهى ذات النخبة التي بنت سمعتها على العداء لإسرائيل والتبشير بصلاح الدين آخر يحرر بيت المقدس، ثم أنها ترى في الفتح الإسلامي لمصر غزواً، ومع هذا تنحاز للدولة الفاطمية!

وهو عداء معروف لأنه يسعى لتجريد الأمة من كل رموزها الإسلامية، ففي لحظة الهوس بالعداء مع التيارات الإسلامية يجري التعامل مع «صلاح الدين الأيوبي» على أنه المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين!

ومن هنا فقد ساهمت هذه النخبة الفاشلة في الترويج لما قاله «يوسف زيدان»، مع أنها معنية بفكرة البديل الرئاسي، فقد تمكن منها العداء للتيار الإسلامي حد أنها تساهم في إذكاء الحريق المشتعل والمفتعل، أما كونه مفتعلاً فلأنه لا مبرر للحديث عن صلاح الدين الأيوبي الآن، إلا إذا كان الهدف لفت الأنظار بعيداً في حروب التاريخ للاستغناء بها عن حروب الواقع!

سرقة عزازيل

هل كان عمرو أديب مندفعاً فقط بحثاً عن الإثارة المجردة؟! لقد كان الأهم من ذلك أن يناقش مع ضيفه الاتهام الموجه له شخصياً بالسرقة الأديبة، ومنذ حصول روايته «عزازيل» على جائزة «البوكر العربية»، والاتهام موجه له بسرقتها، وقد كتبت حينئذ مقالاً بدأته بالتساؤل: رواية أم مخطوط هو مذكرات الراهب هيبا؟!

الاتهام بسرقة «عزازيل» وغيرها من مؤلفات «يوسف زيدان» بدأت ولم تتوقف، وقد بثت قناة «العربية» تقريراً عن ذلك، جاء فيه أن «عزازيل» هي ذاتها رواية «هيباثيا» التي كتبها القس تشارلز كنجزلي عام 1852 م، وهو الاتهام الذي كرره بعد ذلك التونسي كمال العيادي في سنة 2014، من أن «عزازيل» مسروقة، من القس تشارلز، ويرى العيادي أن كتابات «زيدان» متفاوتة المستوى بشكل واضح مما يؤكد أنها مسروقة من كتاب آخرين! وهو الاتهام الذي كرره علاء حمودة بعد ذلك في فبراير/شباط الماضي!

وكان يمكن لعمرو أديب أن يحقق الإثارة المطلوبة بتوجيه الاتهام ضده في ما هو منسوب إليه، ليمكنه من الرد، إن كانت ثمة ردود عنده، لكن الإثارة هنا كانت ستكون قاصرة على المهتمين بالأدب وشؤونه، وليست إثارة تستهدف القطاع الواسع من المصريين، لشغلهم بعيداً عن السياسة، وزيادة الأسعار، والبحث عن بديل!

في ليلة إشعال الحرائق ومن «المحور» إلى «أون تي في» كانت لميس الحديدي وأحمد موسي في رحلة بحث عن الإثارة بعيداً عن السياسية وهمومها فلميس كانت تناقش قضية الزواج العرفي، بينما كان موسى يناقش قضية زواج القاصرات، في محاولة لتغيب المصريين عن واقعهم المزري!

ومهما يكن، فإن «تيران وصنافير» مصريتان!

أرض – جو

-تأخروا على إبراهيم عيسي في جلبه لقناة «المخابرات» فأشاع أنه سينتقل لـ «الجزيرة».

صحافي من مصر

وسوم: العدد 720