دور مجلس النواب في حل الصراعات السياسية والنزاعات المسلحة والوقاية منها في الوطن"1"

أ.د. نجيب سعيد غانم

الدرس القادم من أفريقيا

خلال العقود الماضية التي شهدت نزاعات مسلحة وحروب أهلية في منطقة غرب أفريقيا لم تقم البرلمانات في تلك الدول بأي دور يذكر في حل تلك النزاعات او في إيقاف الحروب التي اندلعت فيها والتي أفضت الى كوارث مدمّرة, فضلا عن عدم قيام تلك البرلمانات بأي جهود أو إجراءات لوقاية شعوب غرب أفريقيا من تلك النزاعات والصراعات المسلحة.

وفي محاولة لردم تلك الفجوة, قام برلمانيون  في عدة دول غرب أفريقية بعقد سلسلة من الحوارات وورش العمل والمناقشات المفتوحة وتحديدا في مدينة أبيجان عاصمة دولة ساحل العاج (آيفوري كوست)  في أكتوبر 2013م, شارك فيها برلمانيون من:

• بوركينا فاسو (وطن الشرفاء)

• ساحل العاج (آيفوري كوست)

• جامبيا

• موريتانيا

• السنغال

• توجو

كما شاركت في تلك الجهود والحوارات والمناقشات عدة جهات وهيئات ومؤسسات برلمانية  متخصصة وهي:

• اللجنة البرلمانية للاتحاد الاقتصادي والنقدي لدول غرب أفريقيا ( WAEMU)

• لجنة الاقتصاد المجتمعي البرلمانية لدول غرب أفريقيا  ( ECOWAS)

• اللجنة البرلمانية للمجلس التشريعي لدول شرق أفريقيا

شارك جميع هؤلاء في المؤتمر البرلماني الإقليمي حول  دور مجلس النواب في حل الصراعات  السياسية  والنزاعات  المسلحة والوقاية منها  في دول غرب أفريقيا والذي جرى تنظيمه بالتعاون مع المجلس التشريعي لساحل العاج والاتحاد البرلماني الافريقي.

وقد قام المؤتمر باعتباره منتدى للنقاش بالتعرّف على السياسات والتشريعات والطرق والإجراءات والبرامج التي يمكن للبرلمان  انطلاقا من صلاحياته الدستورية أن يشارك من خلالها وذلك في ظل الجهود لإنهاء دورات النزاعات المسلحة والصراعات السياسية والأزمات المتكررة في أفريقيا.

ابتداء لا يمكن أن نعرّف تلك الجهود ما لم نصل الى التعرّف على الأسباب التي تؤدي الى تلك  النزاعات وكذلك على الأشكال والأنماط التي تظهر بها تلك النزاعات.

وقد ساهمت تلك النقاشات في مساعدة  البرلمانيين الأفارقة   بالتعرّف على تلك الأسباب سواء كانت أسباب مباشرة أم غير مباشرة وسواء على المستوى الاقتصادي والسياسي وكذلك على  الصعيد الثقافي المجتمعي.

وبينما كانت كل تلك الأسباب للنزاعات المختلفة  قد حظيت بالكثير من اهتماماتهم, فإنّ نقاشهم ترّكز على أبرز تلك الأسباب والتي تمّ التعرّف عليها  و كانت على النحو التالي:

• ضعف السلطة الحاكمة

• انتهاك حقوق الانسان

• عدم احترام القانون في الدولة

• عدم انتظام  الدورات الانتخابية وغياب التداول السلمي للسلطة

• ضعف في البناء المؤسسي للدولة

• غياب الرؤية عند قيادة الدولة

• تفشي الفساد في أروقة الدولة ومؤسساتها وعلى كافة مستوياتها

• فقدان الدعم الشعبي للسلطة واعتمادها على النخب السياسية وانحطاط في الممارسات الأخلاقية المدنية

• تفشي الوساطة والمحسوبية في الدولة

• ازدياد معدلات الفقر

• عدم التوزيع العادل للموارد  والثروة

• ارتفاع معدلات الأمية في أوساط الجماهير

• إقصاء وتهميش الأقليات العرقية

• ممارسة أنواع مختلفة من التمييز والتلاعب بجذور الأقليات العرقية والعواطف الدينية.

خلافا للحكمة التقليدية والتي تقول إنّ السلطة التنفيذية تتحمّل كامل المسئولية لكل مصادر ومنابع النزاعات, فقد لاحظ البرلمانيون أنّ البرلمانات لديها أدوار مهمة  لابد من أن تؤديها بحكم صلاحيتها الدستورية وبالتالي بحكم موقعها في هيكل سلطات الدولة ووظائفها وأنشطتها المختلفة ومسئوليتها الوطنية والأخلاقية.

وباعتبار أعضاء البرلمان الممثلين الحقيقيين  للشعب فإن لديهم بحكم الصلاحيات الممنوحة لهم سلطات تشريعية ورقابية بأبعادها السياسية والاجتماعية والتي من خلالها بإمكانهم أن يحددوا  الإطار والمدى التشريعي والرقابي الذي ممكن أن ينشطوا من خلاله.

وبتصور كيف يمكن للبرلمان أن يساهم في إدارة النزاع  القائم من جهة ومن جهة أخرى وقاية الدولة من تلك  النزاعات مستقبلا, فإنّه يتعيّن علي البرلمان أن يبلور الرؤية لكيفية حل النزاعات  وكذلك يصمّم الاستراتيجية ويحلّل  بنى و هياكل النزاعات المعقدة ويقسمها  الى تراكيب  أقل  تعقيدا, كما يتعيّن عليه ان يحرّك الموارد اللازمة لتوطيد السلام والاستقرار في الدولة على اعتبار أن السلام ليس هدف من جملة أهداف سيسعى البرلمان الى تحقيقها ولكنّ تحقيق  السلام  في الدولة هو هدف البرلمان الوحيد.

واستنادا  لقواعد ومبادئ  الحكم الرشيد وبناء على جهود البرلمان لمنع النزاعات والأزمات الأخرى وفق ما ذكر أعلاه, فإنّ  المشاركين في هذا المؤتمر ومنتدى النقاش البرلماني قد خلصوا أنّ على البرلمان القيام بالآتي:

• رفع وتيرة اليقظة أثناء مراقبة البرلمان لأداء كل أعمال الحكومة ومدى التزامها بسيادة القانون.

• ضمان تفعيل التشريعات الخاصة بحقوق الإنسان وفق المعايير الدولية السائدة وعلى نحو فعّال وإنفاذها على كافة المرافق الحكومية.

• على الحكومة أن تقدم ما يثبت التزامها بالمبادئ الديمقراطية وخاصة فيما يتعلّق باحترام حقوق الضعفاء والمظلومين وكذا احترام حقوق الأقليات والفئات المحرومة أو المهمّشة في المجتمع وضمان حماية   مجتمع متعدد الكيانات والثقافات  والمواقف السياسية.

• ضمان سيادة مبادئ الشفافية والمسائلة على أعمال البرلمانات نفسها وكذا على مستوى أعمال بقية هيئات ومؤسسات الدولة في السلطتين التنفيذية والقضائية من أجل خفض مخاطر الفساد وآثاره المدمّرة على المواطنين.

• ضمان تعزيز أداء مرافق الدولة ضمن منظومة الحكم الرشيد من أجل استعادة ثقة المواطنين بالدولة وهذ خطوة لا غنى عنها من أجل مساعد قادة الدولة على حشد الرأي العام  خلف الجهود التي ستفضي الى بناء مجتمع سلمي ديمقراطي.

• ضمان التغيير الديمقراطي الذي يؤدي حتما الى التداول السلمي للسلطة من خلال تأسيس نظام انتخابي شفّاف ومساعدة الأحزاب السياسية لإعادة صياغة ثقافتها السياسية لتتواكب مع الزيادة المتوقعة في مشاركة النساء والشباب والأقليات المهمّشة و العرقية من خلال آلية تسرّع في انتظام الدورات الانتخابية.

ولضمان تنفيذ ما ذكر أعلاه فإنّ البرلمانيين المجتمعين في هذا المؤتمر وحلقات النقاش  قد تبنّوا التوصيات التالية:

• ليبدو النظام أكثر واقعية نوصي الأحزاب السياسية بتجذير ثقافة  روح القبول بالآخر بين أعضائها وبتدريب الأعضاء على كيفية تحمل  التباين في وجهات النظر  مع الآخرين, وكذا احترام راي الآخرين  وتعلم ممارسة ثقافة القبول بنتائج الانتخابات (أيا كانت النتائج), مع تثقيف الأعضاء باستمرار حول القضايا  والمواضيع المرتبطة بالمصلحة الوطنية  وتعلّم كيف يدار الخلاف والتباين في وجهات النظر سواء داخل الأحزاب او فيما بينها وبوسائل ديمقراطية وسلمية بعيدا عن الاحتكام للعنف المفضي لاستخدام السلاح, وكذا التعريف بالمسببات الحقيقية للنزاعات والصراعات التي تفضي الى الحروب.

• كما أوصوا البرلمانات أثناء مناقشة الموازنات الحكومية  باتخاذ إجراءات  متعلّقة بضمان الزام الحكومات بتأمين موارد اقتصادية تفي بحاجة المواطنين بما فيها تأمين موارد مالية للفئات الضعيفة أو المظلومة   أوالمهمّشة في المجتمع والمعرّضة للاستلاب والاستغلال (مثل التوظيف السيء  أو التجنيد لشبابها  أثناء الحروب الأهلية), مع ضمان التوزيع العادل للثروة وضمان تعليم الأطفال والفتيات  وتشجيع وتوفير فرص العمل للشباب.

دور البرلمانات في حقبة ما بعد النزاعات المسلحة (بعد أن تضع الحرب أوزارها)

تم دراسة عدة افتراضات لما يمكن أن تقوم به البرلمانات في الفترة التي تلي الصراعات المسلحة وبعد أن تخمد أصوات المدافع, وقد مضى النقاش حول كيف يمكن أن يتأقلم البرلمان لمواجهة كل تلك التحديات والتغيرات التي أحدثتها الحروب  المدمّرة في الوطن.

وتعتبر البرلمانات إحدى الأدوات والآليات التي تقدمها  الهيئات والأنظمة  السياسية الحديثة على مستوى المشهد الوطني لأي بلد خرج لتوه من أتون الحرب والاقتتال الأهلي.

من ضمن الجهود المبذولة  لمحاولة تأقلم وتكيف البرلمان للقيام بالدور المنوط به فإنّها تشمل إنشاء وإدارة هياكل وبرامج تنسيقية  جديدة بين مؤسسات الدولة, وبحيث يجري تصميم تلك الهياكل والبرامج  المؤسسية للدولة لتتيح من خلالها للبرلمان  الإشراف على معالجة قضايا إعادة البناء والتعمير لما خلّفته الحرب وكذا استرداد الأمن والطمأنينة والاستقرار والسلم الاجتماعي  للمواطنين.

وفي فترة ما بعد الحرب لابد من التبني الإلزامي للبرلمان للتعامل مع  المجتمع والوطن أفرادا وكيانات وجماعات وهيئات ومؤسسات وأحزاب واقليات  بصفة شاملة ومن مسافة واحدة بحيث  لا تستثني ولا تقصي  أو تهمّش أحدا ويكون التعامل متساويا وعادلا مع ضمان تمثيل كل تلك الفئات في الكيانات والمرافق واللجان المتخصصة  التابعة للبرلمان.

إنّ دور البرلمان يستدعي في فترة ما بعد الحرب تخصيص إجراءات محددّة يرتبط من خلالها مع كيانات وهيئات ومؤسسات من خارج البرلمان وعلى وجه التحديد من داخل السلطة التنفيذية والسلطة القضائية,  وبحسب ما تقتضي الحاجة من أجل تناغم وتكامل السياسات بين السلطات الثلاث للدولة بما يحقق الرؤية لإحلال السلام  والاستقرار والأمن وسيادة القانون وبالتالي الإعمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية .

وكل تلك السلطات الثلاث للدولة لابد أن تكون على صلة وثيقة بمؤسسات وهيئات وكيانات المجتمع المدني.

وبالنسبة لأي برلمان حديث التكوين يأتي بعد انتهاء الحرب لابد من أن يدّعم بكفاءات فنية متخصصة  قادرة على مواجهة كل التحديات والمشكلات  مع القدرة على تقديم الحلول المناسبة لها.

ومع توقع محدودية الموازنات الحكومية وبالتالي القيود  المالية التي قد  تواجه الحكومة  والبرلمان في فترة ما بعد الحرب والتي قد تحد من قدرات سلطات الدولة  على تحقيق الرؤية في معالجة آثار ما بعد الحرب وهنا لابد من تدخل هيئات التمويل الدولية  وصناديقها المختلفة  وكذلك الدول المانحة سواء على المستوى الإقليمي  والدولي من أجل المساعدة في سد العجز في الموازنات الحكومية  من أجل تلبية الحاجات الملحة  لإعمار البنية التحتية وفي تأمين المواد الضرورية للبلاد.

  كما أخذ بعين الاعتبار تنشيط ما بات يعرف على مستوى العلاقات الدولية  بالدبلوماسية البرلمانية والتي تعد إحدى وسائل التواصل مع برلمانات دول  العالم حيث مصادر صناعة القرار وحيث توجد القدرة على تنوير أعضاء البرلمانات بحجم التحديات التي تواجه الوطن في فترة ما بعد الحرب ولتبادل وجهات النظر واستثمار أفضل الخبرات والتطبيقات  التراكمية لدي برلمانات الدول الأخرى  خاصة في مجال التصدي لتحديات فترة ما بعد الحرب  وكذلك لبلورة صيغ من الشراكة مع تلك البرلمانات لتقوية مؤسسة البرلمان في الوطن.

أ.د. نجيب سعيد غانم                                 

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

وسوم: العدد 727