الخليج العلماني .. ومصر الثيوقراطية!

برح الخفاء!

أخيرا اكتشف الناس في بلاد العربان والعالم أن سر الحصار الذي فُرض على دولة قطر الصغيرة جدا؛ وحجمها مثل ميدان العتبة وحي الأزهر والحسين، يكمن في أنها غير علمانية مثل بقية دول الخليج بما فيها أكبر هذه الدول، مملكة آل سعود!

أنبأنا بهذا السر سفير دولة الإمارات العربية المتحدة بواشنطن سعادة السفير يوسف العتيبة، في حديث إلى تلفزيون بي بي إس، وقال الرجل بالنص: إنه يرى أن خلاف دول الحصار مع قطر يتجاوز الخلاف الدبلوماسي، بل يذهب أبعد من ذلك، مضيفاً «إنه خلاف فلسفي».

وأوضح كلامه قائلاً: «إذا سألت الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين أي شرق أوسط يريدون رؤيته في السنوات العشر المقبلة، فسيكون شرق أوسط مختلفاً بشكل أساسي عما تريده قطر خلال الفترة نفسها، نحن نريد شرق أوسط أكثر علمانية، مستقراً ومزدهراً تقوده حكومات قوية».

أي إن دول التحالف التي تحاصر قطر، لا تحاصرها لأسباب سياسية، أو دبلوماسية، ولكنها تحاصرها لأسباب فلسفية، فهي تريد أن تكون الدوحة علمانية، وكذلك مكة والمدينة اللتان شهدتا مولد الإسلام على ثراهما، فالعلمانية هي النظام الذي ينبغي أن يسود بلاد المسلمين(سابقا)، ولا مكان فيه للثيوقراطية التي تعيشها أو عاشتها مصر كما رأت السيدة ليلى تكلا في الأهرام 31 /7/2017، وتشير بذلك إلى عام الديمقراطية والانتخابات النزيهة التي أسفرت عن انتخاب رئيس مسلم للبلاد.

ويمكن أن نستنتج من هذا أن العلمانية سبب عدم مبالاة تحالف دول الحصار بما يفعله الكيان النازي اليهودي الغاصب في فلسطين المحتلة وقتل الفلسطينيين وإغلاق المسجد الأقصى للمرة الثانية ومنع صلاة الجمعة فيه بعد مرور خمسين عاما على احتلاله. فالعلمانية التي يبشر بها السيد العتيبة لا تهتم بمسألة فلسطين أو المسجد الأقصى، لأن دولة الاحتلال كيان ديني لا يعنيها، والعلمانية في قطر غائبة، ولذا فرض عليها الحصار، ولابد أن تكون علمانية وحكومتها قوية من أجل فك الحصار!

ومن ثم يمكن أن نفسر ما نُقل عن دول تحالف الحصار من أنها تتفهم الإجراءات الإرهابية النازية لدولة الاحتلال اليهودي في المسجد الأقصى والقدس العتيقة من منع الصلاة وإقامة المتاريس والبوابات الإلكترونية وتعليق الكاميرات التي تسجل كل حركة وسكنة في المسجد الأسير! أي إن دول التحالف العلمانية وفقا لكلام السفير الإماراتي في واشنطن توافق على ما تقوم به دولة الاحتلال النازي اليهودي ضد أولى القبلتين وثالث الحرمين، ولا ترى غضاضة فيما تقوم به ضد المقدسيين الذين يحرصون على الصلاة التي تخالف الفهم العلماني. ولا بأس بعد ذلك أن يخطفوا انتصار المقدسيين بادعاء أنهم تحدثوا مع أولياء أمورهم الصليبيين لفتح الأقصى! 

عقب الانقلاب العسكري الدموي الفاشي في مصر كتبت وكررت مرارا أن الانقلاب أو الثورة المضادة لا تهدف فقط إلى خطف الإرادة الشعبية والرئيس المسلم الذي جاءت به الانتخابات الحرة، ولكنها جاءت حربا على الإسلام والمسلمين، وحضرت لتستأصل الإسلام من النفوس والقلوب قبل أن تحذفه من المناهج والمجتمع، بعد اكتشافها أن شعوب الأمة لم تنس الإسلام في ظل الانقلابات العسكرية والنظريات الاشتراكية والبعثية والقومية المادية التي استبعدت الإسلام وطاردته وأزرت به.

العلمانيون في دول أوربة الاستعمارية الصديقة يفهمون أن العلمانية تعني  الديمقراطية وحرية التعبير وحق أتباع الأديان في بلادهم أن يعبروا عن أنفسهم في إطار سلمي ومن خلال صندوق الانتخابات والمساواة بين المواطنين دون النظر إلى لون الشخص أو عرقه أو دينه، فهل الانقلابيون والمحاصِرون يقيمون العلمانية وفقا لهذه الأسس، أو يزجون بعشرات الألوف من المسلمين في غيابات الجب، ويطاردون الآخرين ويمنعونهم من ممارسة حقوق المواطنة وحرية التعبير؟

الواقع يشير إلى أن الأغلبية الإسلامية في الخليج والوطن العربي تحولت إلى جالية منبوذة غير مرحب بها في أرض العلمانية التي تُحكم بالحديد والنار والدبابة والطيارة وصندوق الذخيرة، وأيضا غير مسموح لها أن تمارس أي نشاط يعبر عن دينها وقيمها وأخلاقها في وسائط التعبير المختلفة، كما أنبأنا السيد العتيبة، حتى في أرض الوحي التي لم يصدر عنها كلمة واحدة تعبر عن موقفها من كلام السفير الإماراتي المبجل، مما يعني أنها توافق على كلامه، مع أن آل سعود منذ قيام دولتهم يعلنون أنها قامت على الكتاب والسنة، وبالتأكيد فالكتاب ليس رأس المال لكارل ماركس، والسنة ليست أفكار نيتشة أو داروين أو جان بول سارتر!

هناك تغريدات خجول صدرت عن بعض الأمراء الشباب أو بعض المواطنين في الحجاز ترفض ما قاله السفير الإماراتي العلماني المحترم، دفاعا عن الإسلام والوحي، ولكن الحكومة الرسمية تنوي- كما نشر- إباحة البكيني على شواطئها!

على أية حال ، فالحرب ضد الإسلام أضحت سافرة، وما كتبته السيدة ليلى تكلا ليس جديدا في سياق تجريد مصر من الإسلام، وتحريمه على الجالية الإسلامية فيها .

إن السيدة ليلى تكلا من منطلق طائفي متعصب، تطالب منذ فترة طويلة وعلى صفحات أكبر جريدة عربية بتطهير المناهج التعليمية في مصر من الإسلام ومن آثاره العدوانية التي تصنع الإرهاب والفتنة الطائفية وتؤسس للتفرقة بين المواطنين.

إنها ترى أن بناء المجتمع يقتضي تطهير المناهج التعليمية من الإسلام وآثاره، بوصفه ضرورة أمنية لتقوم دولة دستورية ديمقراطية اختارها الشعب بعد أن تخلص من دولة ثيوقراطية(تشبه الفاتيكان بالضرورة!)عاناها وثار ضدها. وترى أن المرجعية الإسلامية لأغلب المواد والموضوعات في المناهج التعليمية أمر لا يتفق مع تعاليم الأديان ولا مع مبادئ الإسلام التي تقوم على أنه لا إكراه في الدين(؟؟)، كما أنه ينتهك الدستور الذى به 12 مادة تدعو للمساواة وحرية الأديان وعدم التمييز بالإضافة إلى أنه يتناقض مع هدف التعليم في تكوين العقل والفكر الذى يقود إلى سلامة الوطن والمواطنين. وبذلك ومن هنا فإن هذه المسألة ليست قضية دينية أو فئوية لكنها مسألة أمن قومي(؟!). أي يجب أن تكون الحكومة علمانية قوية كما يطالب السيد العتيبة! إن السيدة الطائفية المتعصبة ترى أن المرجعية الإسلامية تغرس أسس دولة ثيوقراطية، المرجعية فيها للنصوص والفتاوى المتعارضة. وتخلط بين الدين والسياسة وتسيء لكليهما وتحرم الدين مما يستحقه من احترام وجلال ومهابة ومكانة مقدسة بإقحامه في ساحة السياسة بما يسودها من نقد ومعارضة.

أرأيتم ما يتوجب فعله على الجالية الإسلامية في مصر؟

يجب إلغاء الإسلام حتى لا تقوم دولة ثيوقراطية يحكمها الكهنة مثلما حدث في أوربة القرون الوسطى، حين كانوا يمنحون الغفران ويحكمون بالحرمان.. مش كده يا سيدتي؟ أيها السادة لا تلوموا الأخ العتيبة، فالمقدسيون أثبتوا أن العلمانية الخليجية الانقلابية تعمل بالكرباج واستئصال الإسلام، وليس بالديمقراطية وحرية التعبير!

الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!

وسوم: العدد 732