الربيع العربي : إيران والإخوان المسلمين ودعم الإطاحة بمرسي

مصر بين ثورتين" 25 يناير وثورة 30 يوليو " 

تنطلقُ هذه الورقة البحثية من العديد من التساؤلات (من التساؤلات الآتية:) : (أولها) كيف تطور الموقف الرسمي الإيراني من ثورة 25 يناير، وما أعقبها من أحداث 30 يوليو؟ وما هي أسباب هذا التطور، أهدافه وأسبابه ؟، وما هي حقيقية موقف إيران من انتخاب الرئيس مرسي ومن الإخوان المسلمين؟ وكيف تنظر الصحافة الإيرانية بتقسيماتها المختلفة عموما ً، إلى التغييرات التي جرت في مصر، وإلى أي مدى يمكن الحديث عن تقاطع في المواقف والرؤى بين الصحافة المحافظة والإصلاحية فيما يتعلق بهذه التطورات ؟ .

 سلسلة من الحلقات سوف نسبر من خلالها موقف إيران من حركات الإسلام السياسي؛ ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين، حيث ارتأينا تناول المواقف والسياسات العملية التي توضح بجلاء الموقف الإيراني وأهدافه ودوافعه إزاء هذا التنظيم بعد الثورة الإسلامية الإيرانية .

 يتسمُ نمطُ العلاقة بين الدولتين الإيرانية والمصرية بقدر كبير من التعقيد، فرضه التوترُ والصراع الذي شابَ العلاقات بين البلدين لعقودٍ متتاليةٍ، نظراً لغياب نمط محدد لهذا الصراع، وقد راوحتْ تطورات العلاقات المصرية - الإيرانية، بعد ثورة 25 يناير، بين التطور والفتور الذي شابهُ التوتر، ثمّ ما لبثَ أنْ حاولتْ إيران إحداث مقاربة في سياستها الخارجية، هدفها الإطاحة بحكم الإخوان لما يشكله من خطر كبير على إيران ومشروعها في المنطقة، إلى جانب أهمية التقارب مع الدولة المصرية في أعقاب 30 يوليو 2013 م .

 رحبتْ طهرانُ بدايةً بحكم الإخوان المسلمين لمصر، بل إن ثمة في إيران من صوّر انتخاب (محمد مرسي) رئيسًا لمصر على أنه إعادة بعث للصحوة الإسلامية التي أطلقتها الثورة الإسلامية الإيرانية قبلَ أربعة وثلاثين عاماً، لكن هذا التفاؤل الإيراني سرعان ما تبدّد، وبدأت تنفذ مقاربه هدفها الإطاحة بالرئيس مرسي، بسبب الكثير من الوقائع والتطورات المستجدة التي أخذت تؤثر على السعي الإيراني للتقارب مع مصر، وخاصة فيما يتعلق باختلاف موقف البلدين الحاد من تطورات الأوضاع في سوريا، فضلاً عن محاولة إخوان تقارب مصر من المملكة العربية السعودية، تحت تأثير قوة التأثير للتيار السلفي المتنامي النفوذ، وهو ما لا ترغب به إيران. [2]

 أما مراحل تطور الموقف الرسمي الإيراني من الأحداث في مصر، فيمكن رصدها وفق التطورات التالية :

الموقف الرسمي بعد نجاح ثورة 25 يوليو :

 بالعودة إلى تقييم مواقف إيران من الأزمة في مصر، نلاحظ أن إيران تبنّت تأييد الثورة المصرية في البداية، وبعد تنحية حسني مبارك باركت إيران هذه الثورة، بل أكثر من ذلك صرّح خامنئي في خطبة جمعة بأن الثورة المصرية هي امتداد للثورة الإسلامية الإيرانية، وحاولت إيران ركوب الموجة وجني ثمار الثورة الجديدة، وفعلاً بدأت العلاقات الإيرانية المصرية تتبلور في العهد الجديد بعد أكثر من ثلاثين سنة من القطيعة، بتبادل زيارات رئيسي البلدين، وعقد اتفاقيات، لكن ما عطّل مسار هذا التطبيع هو موقف مصر الداعم للثورة السورية التي تعتبرها طهران مؤامرة على نظام الممانعة الذي تؤيده بقوة. الشيء الذي أطفأ حماسة طهران نحو مصر وحوّلها إلى خيبة أمل تزامنت وزيارة الرئيس مرسي القصيرة لطهران للمشاركة في قمة دول عدم الانحياز وخطابه الحاد اللهجة الذي فاجأ إيران وقامت بانتقاده بشده. [4]ليعيد الموقف الإيراني الرافض لما تشهده مصر من تطورات إلى الصدارة ، حيث دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلمة أمام مجلس الشورى الجيش المصري إلى عدم قمع الشعب، ووصف الشعب المصري بالحرّ والمكافح العظيم ، مبدياً تعاطفه مع هذا الشعب الذي يتعرض لحملة قمع ظالمة . [6]

 حصيلة موقف الحكومة الرسمية الإيرانية تغير، وتبدل ليرحب بما جرى، حيث لم تعتبر ما حصل هناك انقلاباً عسكرياً، بل مؤامرة أميركية قادها أوباما والإخوان المسلمين لتدمير المنطقة ونشر الفوضى، وتعاملت بكل براغماتية مع الأحداث الجارية هناك . ويمكن النظر إلى مواقف إيران من الأحداث في مصر من خلال عدة زوايا :

الأولى : حرص الدولة الإيرانية على عدم التصادم مع المؤسسة العسكرية المصرية ، حيث كانت التصريحات الرسمية الإيرانية حريصة على عدم انتقاد دور هذه المؤسسة في الإطاحة بمرسي ، وعدم انتقاد رموز هذه المؤسسة ،وتحديدا عبدالفتاح السيسي في ما يجري، ورسمت صورة سوداوية لمظاهرات مصر وصفتها بأنها أحداث شغب للإخوان سيكون هدفها المستقبلي القضاء على الثورة الإسلامية الإيرانية . [8]

الزاوية الثانية : حسمت إيران مواقفها السياسية بالنسبة لما يحدث في مصر ووقفت إلى جانب المؤسسة العسكرية المصرية، فهي وإن عانت مع «الإخوان المسلمين» وهم في الحكم، إلا أنها ترى في ما يحدث في مصر من مؤامرة أمراً أكبر من الأخوان المسلمين كحركة ، وأكبر من الدولة المصرية. هي ترى في الأحداث الأخيرة إعادة تشكل لما كان يعرف بالمشروع الشرق أوسطي من جديد بـ« محور الاعتدال العربي» برعاية أميركية إسرائيلية .واستهدافا لمحور الممانعة الذي تتزعمه وهو المهدد بالتفكك ووصفت الرئيس مرسي بأنه يمثل الإخوان المسلمين فقط، وليس رئيساً للمصريين، وكان تضع صوراً في صحفها للتذكير بذلك أمام الرأي العام الإيراني .

الزاوية الثالثة : تركيز الإعلام الإيراني على التحالف بين الإخوان في مصر والقاعدة والسعي لتدمير المنطقة .

الزاوية الرابعة: التحذير من الفتنة الداخلية التي قد تجر على مصر حربا أهلية لا تحمد عقباها؛ وقد برز هذا الموقف على لسان رأس الدولة الإيرانية ممثلا بالمرشد علي خامنئي، الذي لم ينتقد أولاً المؤسسة العسكرية مباشرة ، مركزاً على تطورات الوضع الأمني، وتداعياته، و محذراً من الفتنة في مصر، وانتقد حكم الاخوان الذي وصفه بغير المسئول وأنهم يسعون إلى عسكرة الثورة المصرية، و دان بشدة ما وصفه بـ«تقتيل أبناء الشعب في مصر»، مؤكداً أن لغة العنف بين الجماعات في مقابل بعضها البعض لا جدوى منها إطلاقاً، و«إذا اشتعلت حرب أهلية فستتوافر الذريعة اللازمة للقوى الأجنبية، وسينزل كرب عظيم بالشعب المصري، مطالباً الشعب المصري باليقظة والحذر، وتفويت الفرصة على الأعداء للنيل من وحدة هذا الشعب [10]

الزاوية الخامسة : انتقاد الإخوان المسلمين بشكل لاذع، واتهامهم بالتنسيق مع أميركا ، مما أثار مخاوف إيران . وكان لافتاً أن إمام صلاة الجمعة المعين من قبل مرشد الثورة ، والتي تعتبر مواقفه معبرة عن المواقف الرسمية لرأس الدولة في إيران ، حيث تكشف بجلاء حقيقة الموقف الإيراني ، وهنا نلقي الضوء على خطبة أحمد خاتمي ، الذي أظهر ارتياحا بالغاً لتدخل الجيش وعزل مرسي. معتبراً "أن الإخوان لم يتعاملوا بشكل محترم ومقدر مع إيران، وأنهم أثاروا مخاوف الشيعة"، متهما الرئيس المصري محمد مرسي بالتنسيق مع الولايات المتحدة ، حيث كانت له لقاءات ومشاورات مع قادة أميركا ، وفي مقدمتهم أوباما الشيء الذي جرّ عليه غضب الشعب المصري ، ودفعه إلى هذا الحشد المهول مما دفع الجيش للتدخل لانقاذ مصر " ، ورسمت في إعلامها صوراً كاريكاتورية استهزائية تظهر اخوانية الرئيس أوباما ، وتحالفه مع الإخوان المسلمين لتدمير المنطقة . [12].

الزاوية السابعة : البعد المصلحي لما سيسفر عنه الانقلاب العسكري من نتائج مهمة لمصلحة إيران ،لا شك بأن سكوت إيران على تدخل الجيش للإطاحة بمرسي هو تزكية للانقلاب العسكري، في انتظار ما ستفرز عنه المرحلة المقبلة من متغيّرات. إذ لا شك بأن إيران ستكون سعيدة بوجود نظام سياسي يأتي بنخب لها صلات جيدة بإيران، من أمثال محمد البرادعي المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية، الذي تربطه علاقات طيبة مع الرئيس الحالي لإيران حسن روحاني منذ السنوات التي كان يترأس فيها فريق المفاوضين في الملف النووي، وهذا ما عبرت عنه المواقف الرسمية الإيرانية صراحة ، أو حتى حكومة عسكرية يجب على إيران التعاون معها ودعمها بكافة أسباب القوة لإطفاء الفتنة التي تسبب بها الإحوان المسلمين . [14].

الثاني : التقرب من النخب وقادة الأحزاب المصرية عموماً، حيث أعلنت إيران أنها تراقب باهتمام وعن كثب الأحداث في مصر بقلق بالغ[16]وأن إيران ترى أن مصر يجب أن تعود لدورها المحوري، وينبغي أن تلعب دوراً إقليمياً في تسوية مشاكل المنطقة ومنها الأزمة السورية، هذا عدا عن تصوير الاعلام الإيراني بأن مصر مرسي معناه تحالفاً مع السعودية وتركيا للوقوف ضد المشروع الإيراني . [18]وبهذا فإن إيران هدفت إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب من خلال الأحداث المصرية ، وتوظيف ما يحدث في مصر لصالحها ، مع توصف الإخوان المسلمين بإخوان الشياطين والربط بين جماعة الإخوان والتنظيمات الأخرى كالقاعدة ، والتسابق في إصدار الكتب لتجسيد هذه الصورة فيما بعد وبشكل ممنهج .

 يمكن وصف هذا التغيير والتحول في الموقف المتباين من جانب إيران في إطار ما ينتهجه النظام الإيراني من محاولة للتكيف طبعها براغماتية واضحة في ممارسة سياسته الخارجية، ولا سيما وأن إيران لا تعتبر جماعة الاخوان حركة موثوق بها لتكون حليفًا مستقبلياً محتملاً، إلى جان أن طهران ترى أهمية عدم تضييع فرصة عودة العلاقات مع دولة بحجم ووزن دولة كمصر، بما تمثله هذه الخطوة من أهمية إستراتيجية بالنسبة للنظام الإيراني الذي يعاني من عزلة ضمن البيئتين الإقليمية والدولية ، وعقوبات أممية غير مسبوقة في فترة الأزمة المصرية .

وسائل الإعلام الإيرانية وموقفها من التطورات المصرية :

 يمكن إجمال مواقف وسائل الإعلام الإيرانية التي تنتمي إلى تيارات إصلاحية ومحافظة ، من التطورات المصرية وفق التوجهات التالية :

أولاً : وسائل الإعلام المحافظة : عرضت رؤيتين الأولى ما لبثت أن تلاشت وهي ترى أن الإطاحة بالحكومة المصرية المنتخبة مهما كانت دوافعها يعد أمرا غير مقبول. وباتت هذه الصحف تقارن الإطاحة بالإخوان المسلمين من قبل الجيش المصري بتكرار ما حدث في عام 1953 في إيران، حيث الجيش الملكي قام آنذاك بانقلاب عسكري ضد حكومة الدكتور محمد مصدق، وباتت وسائل الإعلام المحافظة تنظر إلى الأمور من زاوية تكالب مخطط المؤامرة الداخلية والخارجية ،إذ باتت تقارن بين ما حدث في مصر وتشابه ظروف معايشة إيران على إيقاع الذكرى الستينية للانقلاب على الحكومة الوطنية بقيادة محمد مصدق، في عهد الشاه محمد رضا بهلوي. فيما تعيش مصر على تداعيات "الانقلاب العسكري" على الحكومة المنتخبة ديمقراطياً وشعبياً بقيادة محمد مرسي. إذ تستحضر وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة مسار حكومة رئيس وزراء شاه إيران خلال عقد الخمسينيات من القرن الماضي ومآلها، محاولة مقارنة ذلك بالوضع في مصر اليوم، فأنتهي إلى أن نموذج محمد مصدق في إيران يشبه إلى حد كبير نموذج محمد مرسي في مصر، لذلك لذا ركزت وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة على المقارنة بين تجربتي حكومة محمد مصدق في إيران وتجربة حكومة محمد مرسي في مصر. [20]بالمقابل هناك تقاطع في نظرة وسائل الإعلام المحافظة والإصلاحية تجاه ما يجري في مصر من خلال ما يلي :

 التشابه الأول : توافقت وسائل الإعلام المحافظة والإصلاحية أن إبعاد السلفيين عن الميدان السياسي وعزلهم يصب في صالح الشعب المصري، وعلاقات مصر الخارجية ، معتبرة هذا التيار الذي وصفته بالتكفيري بأنهم طالبان جدد، يهددون أمن واستقرار مصر والشرق الأوسط في. [22].

التشابه الثاني : وفيه أيضا أجمعت وسائل الإعلام المحافظة والإصلاحية ، على الأخطاء التي وقع بها شخص الرئيس مرسي ، معتبرة أن من أكبر أخطاءه هو سعيه للاتفاق بين السلفيين والإخوان، ورأت أن السلفيين أضروا بحركة الإخوان المسلمين بشكل عام ومرسى بشكل خاص ؛ خاصة أن حكومة مرسي قد منحت التيار السلفي هامشاً من النفوذ غير المسبوق ، مع اظهار الخشية من جانب ايران لتحالف سلفي اخواني سوف يهدد مصالح إيران في مصر وإفريقيا. [24]

التشابه الرابع : تركيز بعض الصحف المحافظة والإصلاحية من أن قوى الاستكبار العالمي ، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا، عملت على الدوام على بث الخلافات والصراعات بين المذاهب الاسلاميه، ونشر الفكر التكفيري لتحقيق مآربه . من هنا رأت أهمية وجود إستراتيجية موحدة لمحاربة الفكر التكفيري، واستئصاله، وأن التحالف بين الإخوان والسلفيين في مصر دق ناقوس الخطر لذلك.

[2] (مجيد علوى ، روابط ايران ومصر به كجا رسيده است ؟ ، روزنامه قدس ، 19 مرداد ، 1392)

[4] (روزنامه كيهان ،25 تير ، 1392.روزنامه جمهورى اسلامى ،7 تير ، 1392.روزنامه قدس ،2 شهريور ، 1392)

[6] ( روزنامه كيهان ، 21 مرداد ، 1392)

[8] (مرتضى بور ،مصر بعد از مرسى ، روزنامه كيهان ، 27 مرداد ، 1392)

[10] (روزنامه قدس ،5 شهريور ، 1392)

[12] (روزنامه جمهورى اسلامى ،2 شهريور ، 1392)

[14] (روزنامه اطلاعات ، 22 مرداد ، 1392)

[16] (روزنامه اطلاعات ،8 مرداد ، 1392)

[18] (روزنامه كيهان ،7 خرداد ، 1392)

[20] (روزنامه آفتاب ،23 تير ، 1392. روزنامه همشهرى،25 تير ، 1392. روزنامه خراسان ،26 مرداد ، 27 مرداد ، 4 شهريور 1392)

[22] (حسين مهتدى ، مصر وروابط خارجى ايران باكشورهاى خليج فارس ،روزنامه كيهان ،2 شهريور ، 1392)

[24] (روزنامه همشهرى 24تير ، 1392. روزنامه اطلاعات ،23 تير ، 1392. روزنامه شرق ،26 مرداد ، 27 مرداد ، 8 شهريور 1392)

 

[25] (روزنامه ايران ،18تير ، 1392. روزنامه جام جم ،20 تير ، 1392. روزنامه خراسان ،19 مرداد ، 27 مرداد ، 2 شهريور 1392)

وسوم: العدد 733