وجود فراغ في التشريع يجرم اعتداء المتعلمين على المعلمين شجعهم على التمادي في العدوان

تلقى الرأي العام الوطني عموما  والرأي العام التربوي على وجه الخصوص  باستياء وإدانة شديدين  نبأ اعتداء متعلم جانح على أستاذه داخل الفصل الدراسي أمام أنظار المتعلمين الذين تسلى معظمهم  باعتداء زميلهم على أستاذه ، ولم يخف بعضهم الشماتة به والسخرية منه كما نقل ذلك الفيديو المسرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، والذي كان القصد من وراء نشره النيل من كرامة ذلك المربي ومن كرامة كافة المربين، بينما تظاهر بعض التلاميذ بمحاولة حماية الأستاذ المعتدى عليه إذ لو كانت المحاولة جادة لما تمكن المعتدي من الاعتداء عليه . وليست هذه المرة الأولى التي يعتدي فيها متعلم على أستاذه بل صرنا أمام ظاهرة اعتداء المتعلمين على المدرسين داخل الفصول الدراسية وفي فضاء المؤسسات التربوية وخارجها . والسر في ذلك هو خلو التشريع من نص  ينص  صراحة و بوضوح ودقة على إدانة وتجريم اعتداء المتعلمين على المدرسين . وكل ما يوجد في التشريع المدرسي هو مذكرة تمنع العنف داخل المؤسسات التربوية بنوعيه المادي والمعنوي، والتي يفهم منها غالبا  أن العنف المقصود هو عنف المدرسين ضد المتعلمين . ومقابل حق المتعلمين  في معاملة  المدرسين لهم معاملة تصون كرامتهم ، لا يوجد في التشريع ما ينص على حق المدرسين في نفس المعاملة، الشيء الذي يشجع المتعلمين على التجاسر عليهم ، وممارسة العنف ضدهم ماديا ومعنوي. وكان من المفروض أن يتضمن التشريع المدرسي نصا صريحا وواضحا وصارما يجرم اعتداء المتعلمين على المدرسين، ويعرضهم لعقوبة الفصل النهائي من الدراسة مع متابعتهم أمام القضاء الذي يجب أن يخصص  أشد العقوبة من تلك التي تطبق على المعتدين على غيرهم ،لأن اعتداء  المتعلمين على المربين خطير للغاية ، وهو في  حجم خطورة اعتداء الأبناء على الآباء والأمهات لما للأبوية والأمومة والأستاذية من حرمة وقداسة ، ذلك أن الذي يجرؤ على الاعتداء على مدرسه يكون في حكم من يتجرؤ على الاعتداء على والديه ، وهو اعتداء يعتبر في الشريعة الإسلامية عقوقا ،وهو من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله عز وجل .

ومقابل وجود نصوص تشريعية تجرم الاعتداء على الموظف أثناء القيام بواجبه، لا يوجد ما ينص على تجريم الاعتداء على المدرس أثناء القيام بمهمته النبيلة . ومقابل وجود نصوص تجرم اعتداء المرؤوسين على رؤسائهم، لا يوجد ما ينص على تجريم اعتداء المتعلمين على معلميهم . ومقابل  العقوبات التي تلحق المرؤوسين حين اعتدائهم على رؤسائهم بما فيها الفصل أو العزل أو الطرد من الوظائف والمهام فضلا عن عقوبات الحبس والتغريم ،لا توجد عقوبات مماثلة في حال اعتداء المتعلمين على معلميهم . ومع انتشار ظاهرة اعتداء التلاميذ على الأساتذة، لم تفكر وزارة التربية الوطنية في استصدار نصوص تشريعية رادعة للتلاميذ المعتدين على أساتذتهم . وحين يلجأ المعتدى عليهم من المدرسين إلى القضاء تكثر التدخلات ،والوساطات، والشفاعات ،و حتى الضغوطات أحيانا حين يتعلق الأمر ببعض أبناء الوجهاء وذوي السلطة  لثنيهم عن متابعة التلاميذ المعتدين أمام العدالة . وغالبا ما يستفيد  هؤلاء التلاميذ من عفو الأساتذة المعتدى عليهم بسبب تلك التدخلات أو الضغوطات .

وإذا كانت طبيعة  عمل المدرس تقتضي  نوعا من الصرامة مع المتعلمين لضبطهم ، وقد تأخذ هذه الصرامة أشكالا  معينة من الزجر حين يخرج المتعلمون عن حدود اللياقة المطلوبة داخل الفصول الدراسية ، أو يقصروا في القيام بالواجبات ، أو يرفضوا الانصياع لما يقتضيه تمدرسهم من انضباط ، فإن ذلك لا يجب أن يؤول بأنه ممارسة للعنف ضدهم ، بل هو من صميم مهمة التريية  التي تقتضسها مهمة التدريس ، تماما كما يخضع جميع المرؤوسين لصرامة رؤسائهم التي تقتضيها طبيعة وظائفهم  في جميع القطاعات. وجرت العادة أنه حينما تسجل حالة عنف مدرس أو مدرسة ضد متعلم أو متعلمة أن تقوم دنيا الآباء والأولياء وجمعياتهم و جمعيات المجتمع المدني ولا تقعد بغض النظر عن الأسباب التي تكون وراء ذلك الزجر ، والذي قد يكون سببه خروج المتعلمين عن حدود اللياقة المطلوبة . وفي المقابل لا يحصل نفس الشيء حين يكون الأساتذة ضحايا عنف المتعلمين ،بل قد يسخر منهم لعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم كما كان الحال بالنسبة لحادثة الاعتداء على الأستاذ التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا  حيث انتقد لضخامة جسمه ، وانعدام مقاومته  أمام التلميذ المعتدي عليه دون  التفكير في  حقيقة حالته الصحية التي  قد تكون وراء انهياره أمام المعتدي، علما بأن بعض مشاهد الفيديو كانت توحي بأن بعض التلاميذ قد ساهموا في الاعتداء على الأستاذ بتمكين المعتدي من العدوان عليه عن طريق عرقلة مقاومته  ، ومنعه من رد العدوان ، وذلك عن طريق زحام مختلق ظاهره حماية  الأستاذ وباطنه أو خلفيته تسهيل العدوان  عليه ،والمشاركة فيه، علما بأن المتعلمين في هذا الزمان لا تخلو تصرفاتهم من روح العبث في كل وقت وحين إذ لا يلازمهم الهزل في كل الأحوال ، و صار شغلهم الشاغل هو التندر بالمدرسين وببعضهم البعض .

ولقد جاءت حادثة الاعتداء على مدرس داخل الفصل مباشرة بعد حادثة تبادل تلميذة وتلميذة القبل داخل مؤسسة تربوية ،وقد لقيا  تضامنا ، ودعما وحظيا بدفاع عن سوء سلوكهما وسوء تربيتهما إلى درجة إدراج خبر معاقبتها في نشرة إخبارية للقناة الثانية حيث نقلت صورة مدير المؤسسة وهو يعترف بخطأ قرار فصلهما  عن الدراسة ويتراجع في تطبيقه ، وصورة أب التلميذة الذي لم ير بأسا في أن تقبل بنته، وانتقد قرار فصلها بسبب ذلك وهو لا يعلم أنه بذلك سيشجع بنته على المزيد من الانحراف  ، وكان من المنتظر أن يغضب لشرفه وعرضه كما يفعل كل ذي كرامة .

ولقد صارت هيئات  غالب المتعلمين والمتعلمات تشي بالسلوكات المنحرفة، ذلك أن أشكال حلاقة الرؤوس بالنسبة للذكور توحي بالتهتك والبلطجة  بحيث لا يختلف  شكل حلاقة المتعلمين عن  شكل حلاقة غير المتعلمين من المنحرقين  المتسكعين في الشوارع الذين يجاهرون بإذاية الناس والتفوه بالكلام النابي جهارا، وبالتحرش بالإناث . ولقد صار التحرش عملة رائجة ومتبادلة بين التلاميذ والتلميذات، وهو ما جعل الأمر يبلغ حد تبادل القبل في فضاء المؤسسات التربوية ، وقد يصل الأمر إلى  أكثر من ذلك كما كان الحال بالنسبة لمحاولة  اغتصاب بعض الجانحين ضحية على متن حافلة نقل عمومي، وهو عمل شنيع  دافع عنه بعض من بدت عليهم علامات الانحراف كما سجلت ذلك بعض الفيديوهات وهم يشجعون على مثل تلك الأفعال المشينة، ويدافعون عن الفاعلين ويبررون فعلهم بذرائع واهية  . ومقابل أشكال الحلاقة الموحية بالتهتك والانحراف، تنشر سراويل الجينز المرخاة على المؤخرات، والتي  يعرف بارتدائها المثليون الشواذ ،والتي تظهر بإرخائها ملابسهم الداخلية ، وهو مشهد يوحي بالمجاهرة بالانحراف والتهتك  ، كما تنتشر سراويل الجينز المفتوقة على الركب وعلى السيقان بالنسبة للذكور والإناث على حد سواء، الشيء الذي جعل المؤسسات التربوية تتحول إلى ما يشبه المواخير التي يعرض فيها الشواذ وبنات الهوى أجسادهم  للبيع . وكل هذا يحدث والوزارة الوصية على التربية غائبة لا تحرك ساكنا مع أن الوزير المقال ملأ الدنيا ضجيجا بالحديث عن الهندام المدرسي ، وشدد على ضرورة التزام  المتعلمين المدرسين  على حد سواء به ، و لكن كان حديثه صرخة في واد ،بل عرضه ذلك للسخرية والاستهزاء والتنكيت ، وقد شمت به الشامتون حين أقيل من منصبه ، وربما كان من أسباب ذلك رفض المستهترين بالأخلاق حرصه على تخليق المؤسسات التربوية من خلال فرض هندام مدرسي محترم .

ولا يدري المجتمع آباء وأولياء ومسؤولين أنهم  بترك الحبل على الغارب في ضبط المتعلمين إنما يغامرون بمستقبلهم ، وبمستقبل هذا الوطن الذي يراهن عليهم لخدمته والرقي به ،علما بأن الرقي لا يكون بسوء الخلق والاعتداء على المربين ، والانشغال بحلاقة الرؤوس ولبس السراويل المرخاة على  المؤخرات والمفتوقة على الركب والسيقان ، والعبث الدائم الذي لا ينقطع في الفصول الدراسية أثناء الحصص الدراسية وخارجها  .

وأخيرا على المسؤولين في القضاء وفي وزارة التربية الوطنية جعل المعتدي على أستاذه والذين شاركوه في جرمه عبرة لكافة المتعلمين في ربوع الوطن مع إسراع الوزارة الوصية على التربية في استصدار تشريع صارم يعاقب على جريمة الاعتداء على المدرسين  بالفصل والطرد مع إحالتهم على العدالة لمواجهة عقوبات شديدة ودون الاستفادة من  أي عفو .        

وسوم: العدد 745