لماذا يريدون تجريدنا من الإسلام؟

أما التجريد من الإسلام فهو قرار نافذ اتخذته قوى الشر في العواصم العالمية المعنية، وتنفذه العواصم الموالية بكل السبل، وتوظف من أجل ذلك نخبا فقدت الضمير والرشد والأخلاق، وباعت نفسها للشيطان أيا كان اسمه أو رسمه.

ويبقى السؤال: لماذا يريدون تجريدنا من الإسلام، وإحلال معتقدات ونظريات لا علاقة لها بالإنسان أو الضمير أو الأمل. ولا تقبل بالإسلام وأهله، وتصوغ ذلك في خطاب كراهية بشع وقبيح وكاذب ومضلل ومدلس؟

لاريب أن جوهر الإسلام- وهو إقامة العدل ومقاومة الظلم- يمثل تهديدا خطيرا لمن اتخذوا قرار تجريد المسلمين من الإسلام، لأنه يقطع الطريق عليهم في عمليات النهب والسطو والاستعباد التي امتهنوها منذ قرون، وخاصة مذ راحوا يشنون حروبا همجية باسم الصليب، وينتقلون إلى ما عرف باسم الاستعمار الذي طال المسلمين وغيرهم لدرجة استئصال شعوب وطوائف من أوطانها مثل الهنود الحمر والغجر وأتراك القرم والفلسطينيين والروهينجا.. وغيرهم.

ومن المفارقة أن يتحول الضحية إلى قاتل ومتهم ومطلوب على كل المنافذ، مع أنه يُقتل يوميا بأحدث آلات الحرب، ويُهجّر، ويطارد، ويحاكم، ويوصف أنه إرهابي دموي يجب تخليص البشرية منه، أليس مسلما؟

يتجاهل الظالمون الهمج وأتباعهم من النخب الفاسدة ما يحدث للمسلمين في كل مكان، حيث القتل على مدار الساعة في سورية والعراق وليبيا واليمن ومصر وأفغانستان وفلسطين وكشمير والروهينجا وغيرها. القتلي بالملايين ومئات الألوف، ولكن الظالمين الهمج لا يتوقفون إلا عند بضعة قتلى في عاصمة صليبية هنا وهناك ، ويجيشون العالم ضد المسلمين والإسلام..

الهمج المتوحشون قتلوا أكثر من نصف مليون مسلم في أفغانستان، وفي العراق أكثر من مليون، وفي سورية قرابة المليون، وفي بقية البلدان الإسلامية قتلوا ويقتلون الآلاف والمئات، تحت ذرائع سخيفة واهية. ما معنى قتل المسلمين المدنيين البسطاء في الأسواق وأمام المخابز وفي المساجد والمستشفيات؟ يسوغون إجرامهم أحيانا بأن الأمر حدث خطأ. يأتون من كل فج صليبي بعيد بأحدث الطائرات والبوارج والصواريخ والدبابات، وينطلقون لدك القرى والبيوت والمساجد والمصانع والمتاحف والآثار، ويقولون إنهم يحاربون الإرهاب. يصطنعون جماعات إرهابية يزودونها استخباراتيا بالمال والسلاح، ويجعلونها مسمار حجا ليقتلوا المسلمين الذين لا يعرفون معنى داعش أو القاعدة أو بوكو حرام، ويتمادون في تصنيع قتلة محليين ماتت أفئدتهم وجفت ضمائرهم لينجزوا ما عجزوا عنه بأسلحتهم الفتاكة!

ثم يأتي أوغاد- وصفا وليس هجاء- ليطالبوا الإسلام بالتصالح مع الظالمين الهمج، ويرددوا مقولات بابا الفاتيكان التي تتحدث عن عدوانية الإسلام ودمويته وتحرشه بالعالم! ويغمضوا أعينهم عن تدمير مدن الحضارة الإسلامية: بغداد، الموصل، سامراء، الرقة، حلب، حماة، حمص...

لم يسأل هؤلاء الأوغاد أنفسهم، ولماذا لا يتصالح الظالمون الهمج مع الإسلام، ويخضعون للعدالة والسلم، ويتعاونون على المحبة التي يلوكونها صباح مساء بينما يذيقون العالم المسلم سوء العذاب ويجرّعونه حميما وغسلينا صباح مساء؟!

كان هؤلاء الأوغاد يلفّون ويدورون في الماضي حين يهاجمون الإسلام وقيمه وأخلاقه، أما اليوم وبعد الغدر بثورات الربيع العربي، أظهروا عين الفجور الوقح في مهاجمة الإسلام وتشريعاته، وما كاد أقطاب الثورة المضادة في تونس الإسلامية مثلا يعلنون لأسباب سياسية نفعية انتهازية عن رغبتهم في إلغاء النص القرآني الثابت والواضح والقاطع والصريح في ميراث الرجل والمرأة حتى تنادى الأوغاد من شيوعيين وملحدين وبعثيين ومرتزقة إلى تأييد الدعوة الجاهلة، وعدها فتحا جديدا يضيف للمرأة حقوقا كانت مهدرة بالتشريع الإسلامي؟ ألا بئس ما يقولون!

الإسلام الذي قامت أسسه على العدل ومقاومة الظلم يتهمه الأوغاد بما ليس فيه. ويرونه يهدر حقوق المرأة؛ هو الذي أنقذها من الوأد، وجعلها جزءا من الرجل، ولها مثل ماله بالمعروف، بينما المرأة في عقائد أخرى لا تملك حق الميراث، ولا حق الطلاق، وهي كائن نجس، وكائن لا يجوز الاقتراب منه في أيام الدورة الشهرية.

يحمل الأوغاد المرتزقة على الأزهر، ويصورونه في إطار الكهنوت الذي يملك الحرمان والغفران، بينما لا يستطيعون أن يقتربوا من الكهنوت الحقيقي في عقائد الآخرين بكلمة، والمفارقة أن الأوغاد المرتزقة يعزفون على نغمة أنه لا يجوز خلط الدين بالسياسة، ونسألهم: لماذا لا تقولون لقادة الثورة المضادة لا تخلطوا الدين بالسياسة لتحققوا مكاسب في مجال اغتصاب السلطة والإرادة الشعبية؟ إن الإسلام كله سياسة، والحياة الإسلامية كلها سياسة، لسبب بسيط وهو أن المسلم في يقظته ومنامه يجب أن يكون مرتبطا بالله في إحسان العمل وإتقانه، وفي التعامل مع الآخرين، وفي كل فعل يؤديه، وكل عبادة يبذلها ، فالله يراقبه ويحاسبه ويجزيه على ما يقترفه.

يحدثنا الأوغاد المرتزقة عن الأمر الواقع وضرورة فهمه، وهذا أمر طبيعي، ولكنهم يربطون تخلفنا بالإسلام، ويفرضون قبول النموذج الاستعماري مهما تصادم مع أخلاقنا وقيمنا وتشريعاتنا. وتناسوا أن التخلف سببه أوضح من الشمس، وهو الحكم الاستبدادي الفاجر، الذي جثم على صدر الأمة، وصنع نخبة مجرمة تسوغ جرائمه، وتبارك فجوره، وتحول فشله الفاضح إلى إنجاز راسخ، وترد له الجميل الذي قدمه إليها حين اختارها من أحط مستويات الجهل والخسة والنذالة، وصدّرها في المشهد الفكري والثقافي والدعائي والعملي، لتغني لدولة الأشلاء، أو تتعبد أمام هياكل الزيف والبهتان والتضليل والتدليس، ليرضى عنها ويمنحها المزيد من العطايا الحرام.

بدلا من حديثهم عن الإرهاب الذى يهددنا باسم الإسلام ويهدد العالم؛ فليحدثونا عن القتل اليومي الذي يمارسه الطغاة الظالمون على مدار الساعة، وعن أوكار التعذيب وجحيم المعتقلات ونار السجون التي تصادر فيها آدمية الشرفاء والنبلاء من العلماء والطلاب وغيرهم، وبدلا من تشبيه المسلمين بالنازيين، فليخاطبوا النازيين الحقيقيين في الداخل والخارج أن يكفوا عن فكرهم الدموي العنصري. يقولون إننا نعيش بأجسادنا في قاهرة الخديو إسماعيل وبأفكارنا في قاهرة كتبغا وقايتباي. ولو صدقوا لقالوا إننا نعيش بأجسادنا في عهد المستبد الدموي ستالين حيث التقي قادة الثورة المضادة على قمع الشعوب ونزع كرامتها وإفساد حياتها وتدمير مستقبلها، وشعارهم المتفق عليه هو تجريد المسلمين من الإسلام، تحت ذرائع كاذبة: مقاومة الإرهاب، وتجديد الخطاب الديني، وتغيير ثوابت الإسلام، ومنع تحرش المسلمين بالعالم الصليبي!

هل يستطيعون حقا تجريدنا من الإسلام؟

  الله مولانا. اللهم فرج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!

وسوم: العدد 745