الحرب على الإرهاب في سورية وضرورة بقاء إيران

بقراءة متأنية لما ينشره الإعلام الإيراني ، وما يصدر من تصريحات على لسان مسؤو لين سياسيين وعسكريين على مدار الساعة ، و بشكل ممنهج وشبه يومي عن وجود معلومات استخباريته إيرانية تؤكد أن الإرهاب سيتجدد بشكل مضطرد وعنيف في سورية والعراق بعد القضاء على داعش وقرب عقد مؤتمر جنيف 8 ، وقمة سوتشي ... والحديث بضراوة عن ضرورة الوصول لمقاربة سياسية ،صعدت طهران من لهجتها بشكل غير مسبوق حول أن المهمة لم تنتهي ، ولا زالت هناك جماعات مسلحة " إرهابية " تعمل على نطاق واسع، مُستغلة اتساع الرقعة الجغرافية ، حيث لم تستهدف الغارات أغلب معسكراتٍ التدريب التابعة لها ، و لم يتم تدمير مكامن قوتها ، و لا مراكز القيادة والتحكم لها .

 ولقد ارتفعت حدة الخطاب الإيراني خلال الأيام القليلة الماضية و ذلك من أجل التحذير من مغبة الإعتقاد أن معركة الإرهاب قد انتهت ، لذا فعلى إيران ووكلائها البقاء لدعم الحكومة والشعب السوري ، لأن المهمة طويلة وشاقة ، وبدأت بتسريب معلومات استخباراتية عن حجم المنظمات والمليشيات التي تنعتها "بالإرهابية "، وكيف وجدت ، وطبيعة توزعها ، والجهات التي تدعمها ، وطبيعة تكوينها ؟.

 يسهب الاعلام الإيراني بالحديث عن بقايا وفلول داعش، جيش الإسلام، جيش الفتح، جبهة النصرة، جيش خراسان ... الخ، هي أسماء لمجموعات إرهابية تكفيرية متشددة، إلى جانب مئات من التنظيمات الإسلامية المتشددة التي ما زالت تنشط في ميادين القتال في سورية و وبعضاً منها انتقل إلى العراق، مع التحذير أن البعض منها يفكر في هذا الاتجاه فهل يعني هذا الرغبة أو التمهيد لتوسيع الضربات لتطال المصالح والنفوذ الإيرانيين في المنطقة وربما داخل إيران ذاتها ، معتبرين هذه التنظيمات صناعة أمريكية إسرائيلية سعودية تركية قطرية من أجل زيادة الشرخ بين المسلمين واستمرار وإدامة الحركة التكفيرية لضمان الفوضى في المنطقة .

 حيث يسلط المقال الضوء على تحليل العديد من التقارير الإعلامية التي تشمل تقارير استخباراتية هدفها إيصال رسائل للداخل الإيراني ، و التي تتحدث عن جيوش من الإرهابين ؛ تضمها هذه التنظيمات المتواجدة على الأراضي السورية – حسب الزعم الإيراني - من أمريكا وأوروبا والدول الإفريقية، والدول العربية ، وقد اتخذت من سورية والعراق ملاذاً آمناً لها بسبب الحرب الدائرة هناك.

 و قد تقدر أجهزة المخابرات الإيرانية وجود أكثر من 360 ألف مقاتل يتبعون لهذه المليشيات خلال العام 2016، يتبعون لحوالي 93 جنسية ، منهم 21,500 مقاتل من جنسيات أوروبية وأميركية ، عاد منهم 8500 مقاتل حتى نهاية العام 2016.

 تُقدر أجهزة الأمن الإيراني أن مقاتلي داعش والنصرة وجيش المهاجرين والأنصار ، ومجاهدي القوقاز والشام ، وتنظيم جند الأقصى ، وأجناد القوقاز بحوالي 21 الف مقاتل حتى نهاية العام 2016م .

 أما بالنسبة لأعداد المقاتلين من أصول سعودية فهم 14 ألف مقاتل ، وقد قتل منهم 6 الآف مقاتل حسب المعلومات الإيرانية وذلك منذ بداية الأزمة السورية ولغاية نهاية العام 2016 ، فضلا عن وجود 350 ضابط تركي يقومون بتدريب وتوجيه عمليات الجماعات " الإرهابية " في شمال سورية لغاية الآن .

تتحدث التسريبات أنه وخلال سنوات الحرب في سورية قام 2300 انتحاري (يتبعون تنظيم داعش والنصرة) بعمليات جلها ضد أهداف مختلفة .

أما بالنسبة للتكاليف التي تبرع بها داعمو التيارات التكفيرية ، وذلك وفقا للتسريبات الاستخبارية الإيرانية ، أن السعودية وقطر قد قدمتا 45 مليار دولار ، دفعت الرياض 18 مليار دولار منها ، أما قطر فجاءت بالمرتبة الثانية حيث قدمت 17 مليار دولار .

المعلومات الإيرانية تؤكد وجود 800 تنظيم مسلح اليوم تحت أسماء وعناوين مختلفة ، يأتي في مقدمتها داعش، جبهه النصرة، فیلق‌الرحمن، أحرار الشام، جیش الإسلام، جندالأقصی، حرکة نورالدین الزنکی، الحزب الترکستانی، الجیش الحر و جیش المجاهدین و الأنصار ، وبحسب التقديرات ؛ فإن هناك عشرة دول أساسية " تُشكل جنسيات هذه المنظمات وهي على التوالي من حيث الأعلى :

1 ــ السعودية 2 ــ ترکیا 3 ــ الصين 4 ــ تونس 5 ــ لیبيا 

6ــ العراق 7 ــ لبنان 8 ــ ترکمنستان 9 ــ مصر 10 ــ الأردن.

أجهزة الأمن الإيرانية و تقييم أخطر التنظيمات المعارضة المسلحة في سورية :

 الخطر الأول : الجیش الحرّ (ارتش آزاد) و يتصدر أخطر هذه التنظيمات وفقا للرؤية الإيرانية ، حيث تستعرض التسريبات مسيرة هذا التنظيم منذ العام 2011 م وتشكيله من جانب رياض الأسعد ، ومحاولاته استقطاب فئة الثوار من الجيش السوري ، وبرعاية سعودية إماراتية، و قطرية وتركية و أردنية ، وقام التنظيم بتشكيل فصائل مسلحة أخرى مثل ، الفاروق الاسلامی، لواء التوحید، لواء‌ الفتح،‌ لواء الإسلام، صقور الشام و مجلس ثوار دیرالزور ، واعتبار أن أحد المسارات الخطيرة للجيش الحر ما هو إلا انضواء جماعات واسعة من المقاتلين التابعين للإخوان المسلمين تحت لوائه سراً، الأمر الذي استدعى ضرورة تدميره بشكل عاجل ، وضرورة الإسراع باغتيال قياداته ، فكانت محاولة اغتيال رياض الأسعد و التي تسببت في إحداث إعاقة له ، فحل محله العميد عبدالإله البشیر وذلك ابتداءا من العام 2014م.

بموازاة ذلك أسهم استهداف الجيش الحر من جبهة النصرة وداعش وأحرار الشام في اضعاف هذا الفصيل بدرجة كبيرة جداً.

مراکز نشاط الجيش الحر : إدلب، ريف دمشق، حلب،‌ حماه و دیرالزور.

جبهة النصرة

 فهي من أشد التنظيمات خطورة على ايران نظراً لفكرها السلفي الجهادي ، حيث تتناول التسريبات أصول نشأة التنظيم ، وعملياته الانتحارية في حلب ودمشق ، ثم تستعرض أبرز الجنسيات المنخرطة به؛من الدول العربية ، تركيا أوزبكستان ، طاجكستان ، الصين وأوروبا ، و يتناول التقرير إدراج أميركا لتنظيم النصرة على لائحة الارهاب في العام في العام 2012 – 2013م ، متهمة المخابرات السعودية بتوفير الدعم المالي واللوجستي وتأمين المرور الى سورية عبر تركيا ، فضلا عن اتهام الأردن بتسهيل مرورهم عبر درعا جنوب سورية .

يتناول التقرير مراكز وقواعد جبهة النصرة : ريف حلب ، ريف دمشق خاصة منطقة القلمون بالقرب من الحدود مع لبنان ، الغوطة الشرقية والغربية ، قرى درعا ، ويتحدث التقرير عن علاقة النصرة بإسرائيل التي وفرت لهم الغذاء والدواء وعلاج المصابين في المستشفيات الاسرائيلية ، وقيامه بقصف مواقع الجيش السوري حول القنيطرة دفاعاً عن النصرة .

ثالثاً : جیش الاسلام

يتكون جیش الإسلام حسب ما يذكره التقرير من أكثر من 50 تنظيم مسلح مثل "سریة الإسلام" ، و"لواء الإسلام" ويعتبر زهران علوش القائد الأعلى لها ،ذو الفكرالسلفي الوهابي التكفيري حسب ما تزعمه الوثيقة .

و ينشط جيش الاسلام في الريف الشرقي لدمشق ، خاصة في مدينة دوما ، وفي بعض مناطق حمص، اللاذقیه، وحماه و إدلب .

رابعاً : جیش الفتح

أحد فروع القاعدة ، ويتكون – حسب التقرير- من 4 الآف مقاتل " إرهابي " ، ويتشكل من سبعة تنظيمات مسلحة ، أحرار الشام، جندالأقصی، جیش السنة، فیلق الشام، لواء الحق و أجناد الشام . ولقد تأسس هذا التنظيم في 24 مارس 2015 ، ويعمل تحت قيادة عسكرية موحدة . لجأ هذا التنظيم إلى شن عمليات إرهابية مسلحة بهدف اقامة دولة إسلامية تكفيرية ،ارتبط هذا التنظيم بأبي محمد الجولاني أحد قيادات القاعدة التي بايعت أيمن الظواهري ، وحصل على دعم أميركي وسعودي ، لهذا تمكن من احتلال جسر الشغور .

خامساً: جیش المجاهدین والانصار:

تشكل هذا التنظيم " الإرهابي" في شهر مارس من العام 2013، يحمل فكر جهادي سلفي ، يتكون من مئات المقاتلين من شمال القفقاز والصين ، هدفه إقامة دولة إسلامية في سورية ، و ينشط التنظيم في مناطق محدودة من حلب ، واللاذقية .

سادساً : حرکةأحرار الشام

تشكلت حرکة أحرار الشام بعد ضم أربع جماعات تكفيرية هي : "جماعة الطلیعة الإسلامیة"،"حرکة الفجر الإسلامیة" ،"کتائب الإیمان" و "کتائبأحرار الشام" ، يقود هذا التنظيم " حسان عبود" ، و فكره قريب من فكر تنظيم القاعدة، ولديهم الكثير من الأفكار المشتركة .

ينشط هذا التنظيم في مناطق محدودة : مثل إدلب، حلب و حماه ، وقام بارتكاب عمليات " إرهابية " في مناطق عديدة ضد الجيش السوري مثل : تفتناز، جبل الزاویه، سراقب و أریحا .

سابعاً داعش:

قام أبوبکر البغدادی بتشكيل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق في شهر أبريل من العام 2013 ثم قام بضم هذا التنظيم مع جبهة النصرة ، ليعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ، ثم يستعرض التقرير الخلافات بين البغدادي وأبومحمد الجولاني ، يفضلا عن جرائم تنظيم داعش ، والمناطق الجغرافية التي تسيطر عليها ، ودور السعودية وقطر وتركيا وأميركا في توفير مختلف أشكال الدعم له ، وكيف تم القضاء عليه .

بعد العرض السابق وبغض النظر عن صحة أو دقة ما يتم طرحه ، لكن الملاحظ انتهاج ايران لسياسة تضخيم المخاطر

هدفها إيصال رسائل أن إيران مازالت محاطة بمجموعات إرهابية من صنع الاستخبارات الإقليمية والعالمية ، والربط بين هذه المجموعات والمنظمات الإرهابية الموجودة في سوريةمن أجل التمهيد لضرب المصالح الإيرانية في المنطقة ، وحتى الوصول إلى العمق الإيراني . أما الواقع فينافي ذلك تماماً .

 اذ يبدو أن محاولة تضخيم الخطر في سورية والعراق ما هو إلا فقاعة إعلامية خطيرة، ذو صناعة أمنية ، يراد منه تعبئة الشعب الإيراني نحو الخطر المحدق بإيران وثورتها وشعبها وبقائها ، وهو ضمن خطة مدروسة للمرحلة قادمة تريد أن تحققها وهو تبرير ضمان بقائها في المستقبل في سورية والعراق بذريعة محاربة الإرهاب.

ما الذي تريده إيران في سورية :

1-تدعيم وجودها العسكري من خلال توحيد المليشيات الموازية التي أنشأتها تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني ، وتركيز وجودها الاستخبارتي والعسكري بكافة الصور ؛ بما فيها إنشاء القواعد العسكرية الثابتة .

2- الحرص على عدم تفكك الجيش السوري مع ضمان بقاءه ضعيفاً ، و تدعيم قدرات مليشياتها الموازية .

3- ضمان إصدار دستور على أساس المحاصصة الطائفية على غرار النموذج اللبناني والعراقي ، مع ضمان بقاء المليشيات الموازية دستورياً كضمانة لحماية النظام الطائفي .

4- إحلال النخب الموالية لإيران في مؤسسات صنع القرار السياسي والعسكري والأمني والثقافي السوري .

5- الهيمنة الاقتصادية والثقافية ، والسيطرة على موارد الدولة السورية ، وتفعيل الاتفاقيات التي تم توقيعها مع رئيس النظام السوري بشار الأسد في قطاعات التعدين والطاقة والاتصالات ....حتى تعوض عن خسائرها هناك .

د. نبيل العتوم

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية

وسوم: العدد 748