الخنجر المسموم الذي طُعن به المسلمون

[باختصار من بحث للأستاذ: أنور الجندي – سنة 1394ه]

إنه التعليم. هذا الذي وصلتُ إليه بعد أن شُغلتُ ببحث أمور التغريب والغزو الثقافي في مختلف مظانّه أكثر من ربع قرن.

لقد كان المستعمرون في غاية الدهاء عندما بدؤوا معركتهم من المدرسة وعن طريق الإرساليات والسيطرة على وزارات المعارف والتخلص من المناهج التي كانت تُدرَّس في بلاد المسلمين، وإحلال مناهج جديدة تمكر بالإسلام والقرآن واللغة الفصحى.

وإذا كان "دنلوب" في مصر، إبان الاحتلال البريطاني، هو المثال الذي يُضرب في هذه المؤامرة فقد كان هناك عشرات من أمثاله في بلاد العرب والمسلمين الأخرى.

وإذا كان المسلمون قد طُعنوا في شريعتهم فأُقصيتْ وحلّ محلّها القانون الوضعي فإن مردّ ذلك إلى التعليم الذي أخرج أجيالاً لا تحترم الشريعة بقدر ما تؤمن بعظمة قانون نابليون وأضرابه.

وإذا كان المسلمون قد طُعنوا في لغتهم حتى برزت دعوات العامية، وحتى أُكرِهتْ دول إسلامية على تغيير أبجديتها... فإن مردّ ذلك إلى مناهج التعليم التي عظّمت من شأن اللغات الأجنبية والاستغناء بها عن اللغة العربية.

وإذا طُعنوا في مفهومهم الإسلامي للاقتصاد فلأن أنظمة الاقتصاد التي تُدرَّس في المدارس والجامعات هي أنظمة الاقتصاد الرأسمالي والماركسي على أنها، وحدها، الأنظمة التي يمكن أن يقوم عليها العالم، وأن الربا هو القاسم المشترك فيها.

وإذا طُعنوا في مفهومهم السياسي الإسلامي فإنما يرجع ذلك إلى تلك الصور البراقة التي قدّمت لهم في مدارسهم وجامعاتهم عن الديمقراطية والليبرالية...

وإذا طُعنوا في مفهومهم للعلم فلأن تلك المناهج تردّ العلوم كلها إلى علماء الغرب، متجاهلة الدور العظيم الذي قام به المسلمون في بناء الطابق الأساسي في مؤسسة العلم العالمية، وفي تقديم المنهج العلمي التجريبي إلى البشرية.

وإذا طُعنوا في مفاهيمهم الاجتماعية فإن مردّ ذلك إلى مناهج التعليم التي استهانت بنظام الأسرة وأصالة الدين وثبات الأخلاق... وزعمت أن القيم العليا إنما هي نظريات مؤقتة مرتبطة بظروفها...

وفي الوقت الذي أضعفت فيه صلة الناشئ المسلم بعقيدته وشريعته وقيمه... فأنشأت في شخصيته فراغاً... ملأت هذا الفراغ بقيم الغرب وثقافة الغرب.

إنها التربية والتعليم وفق ثقافة الغرب. وإنها الخنجر المسموم.

لقد علم ساسة الغرب أن المسلمين مهما تخلّفوا في ميادين الصناعة فسوف تبقى لهم عقيدتهم التي تحمل طابع الجهاد وتدفع بهم إلى ساحات الاستشهاد دفاعاً عن الأرض وعن الحق الذي يؤمنون به. فالمعركة يجب أن تبدأ من هذه النقطة الخطيرة، ولا بد من تزييف العقيدة حتى يفقد المسلمون هذا السر الخطير الكامن في دعوتهم والمتمكّن من قلوبهم ونفوسهم.

ومن هنا بدأت معارك التغريب، والغزو الفكري، والاحتواء...

وسوم: العدد 989