أنصاف!!

جبران خليل جبران

لا تُجالِس أنصافَ العشّاقِ، ولا تُصادِقْ أنصافَ الأصدِقاءِ، لا تقرَأ لأنصاف الموهُوبـِينَ، لا تعِشْ نصْفَ حياةٍ، ولا تمُتْ نصْفَ موْتٍ، لا تختـَرْ نصْفَ حلٍّ، ولا تقِفْ فِي منتصَفِ الحقِيقـَةِ، لا تحلُمْ نصْفَ حُلمٍ، ولا تتعلَّق بنصْف أمَلٍ، إذا صَمَتَّ.. فاصمُتْ حتـّى النهايَة، وإذا تكلَّمْتَ.. فتكَلَّم حتـَّى النهايَة، لا تَصْمُت كَيْ تتكلَّم، ولا تتكلَّم كي تَصْمُت.

إذا رضيت فعبـِّر عن رضاك، لا تصطنع نصفَ رضاً، وإذا رفضْتَ.. فعبـِّر عن رفضِكَ، لأنّ نصفَ الرَّفض قبول.. النصفُ هو حياةٌ لم تعشْها، وهو كلمةٌ لم تقلْها، وهو ابتسامةٌ أجَّلْتـَها، وهو حبٌّ لم تصِلْ إليه، وهو صداقةٌ لمْ تعرِفـْها.. النـِّصْفُ هو ما يجعلك غريباً عن أقرب النـّاسِ إليْكَ، وهو ما يجعل أقرَبَ النـّاسِ إليْكَ غرباءَ عنـْكَ، النـِّصْفُ هو أن تصِلَ وأن لا تصِل، أن تعمَلَ وأنْ لا تعمَل، أن تغِيبَ وأن تحضُر.. النـِّصْفُ هو أنتَ، عندما لا تكُونُ أنتَ.. لأنـَّكَ لم تعرِفْ منْ أنـْتَ.. النـِّصْفُ هو أن لا تعرِفَ منْ أنـْتَ.. ومنْ تحِبّ ليسَ نصفـَكَ الآخـَر.. هوَ أنـْتَ فِي مكانٍ آخـَر فِي الوقـْتِ نفسِهِ..!

نصْفُ شربَةٍ لنْ ترْوِي ظمَأَكَ، ونصْفُ وجْبَةٍ لنْ تُشبـِعَ جوعُكَ، نصْفُ طرِيقٍ لنْ يوصِلك إلى أيِّ مكانٍ، ونصْفُ فكرَةٍ لنْ تُعطِي لكَ نتِيجَة.. النـِّصْفُ هو لحظَةُ عجزِكَ وأنتَ لسْتَ بعاجـِز.. لأنـَّكَ لسْتَ نصْفَ إنسان..

أنتَ إنسان.. وُجـِدْتَ كَيْ تعِيشَ الحَياة، وليْسَ كَيْ تعِيشَ نصْفَ حَياة!