لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة
   
د.عثمان قدري مكانسي
   
   
   othman47@hotmail.com 
قصة رائعة  ذات معان رائقة وردت عن أحد الزاهدين " 
أحمد بن مسكين " وكان  من التابعين ، قال :   
  في البلدة  رجل يُدعى أبا نصر الصياد ، يعيش مع زوجته وابنه في فقر شديد  
 
- مشى في الطريق ذات يوم مهموما مغموما ً، يسأل الله تعالى الفرج والرزق الحلال
فزوجته وابنه يتضوران جوعاً 
. 
مر على شيخه أحمد بن مسكين' يقول له 
أنا متعب يا سيدي .. 
 وقرأ
التابعي في وجه تلميذه ما يعانيه  ، فقال له اتبعني إلى البحر  
فانطلقا
إليه، وقال له  الشيخ – راغباً في لجوء مريده إلى الله تعالى  : " صلّ ركعتين على
نية التيسير" واسأل الله تعالى الرزق الحلال الطيب ...فصلى
،  ثم قال له  : "سم
الله " ، - فكل شيئ بأمر الله .. فقالها . .. ثم رمى الشبكة ، فخرجت بسمكة عظيمة .
... 
قال له "بعها واشتر بثمنها طعاماً لأهلك ".  
 فانطلق إلى
 السوق  يبيعها ، واشترى فطيرتين إحداهما باللحم والأخرى بالحلوى وقرر أن يعود إلى
الشيخ فيقدم إحداهما له اعترافاً بصنيعه . ..  
 رد الشيخ
الفطيرة قائلاً : هي لك ولعيالك ، ثم أردف :
" لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة 
"  
وفي الطريق إلى بيته قابل امرأة تبكي من الجوع ومعها طفلها، فنظرا إلى الفطيرتين في
يده 
 وقال في نفسه 
هذه المرأة وابنها
مثل زوجتي وابني يتضوران جوعاً فماذا افعل ؟  
 ونظر إلى
عيني المرأة فلم يحتمل رؤية الدموع فيهما، فقدمهما لها قائلاً: 
الفطيرتان
لكما .. 
 ظهر الفرح
والسرور على محياها ، وسعد ابنها سعادة رقصت لها أسارير وجهه.. 
 
 وعاد أبو
نصر يفكر بولده وزوجته . 
ما إن سار
حتى سمع رجلاً ينادي من يدل على أبي نصر الصياد؟  
فدله الناس
على الرجل.. فقال له  إن أباك كان قد أقرضني مالاً منذ عشرين سنة   ثم مات
 ، خذ يا بني هذه الثلاثين ألف درهم فهو مال أبيك .  
يقول أبو
نصر الصياد  
وتحولت غنياً بإذن الله تعالى وكثر مالي ، 
 و 
ملكت البيوت وفاضت تجارتي ،  وصرت أتصدق  بالألف درهم في المرة الواحدة في شكرالله
تعالى .. 
 ومرت الأيام ، وأنا أكثر من الصدقات حتى أعجبتني نفسي!!  
 وفي ليلة من الليالي رأيت  في المنام أن الميزان قد وضع ونادى مناد : أبا
نصر الصياد هلم لوزن  حسناتك وسيئاتك ،  فوضعت حسناتي ووضعت سيئاتي، فرجحت السيئات .. 
فقلت أين
الأموال التي تصدقت بها ؟ فوضعت الأموال، فإذا تحت كل ألف درهم شهوة نفس أو إعجاب
بصنيع كأنه لفافة من القطن لا تساوي شيئاً، ورجحت السيئات  
وبكيَت ..
بكيت حتى كادت نفسي تذهب وأحشائي تتقطع . وقلت ما النجاة ؟  
 وسمعت
المنادي يقول : هل بقى له من شيء ؟   
فأسمع الملك
يقول: نعم بقيت له رقاقتان ... 
وتوضع
الرقاقتان (الفطيرتان) في كفة الحسنات ، فتهبط كفة الحسنات حتى تساوت مع كفة
السيئات. 
 فبقيت
خائفاً .. وأسمع المنادي مرة أخرى يقول: هل بقى له من شيء؟ فأسمع الملك يقول: بقى
له شيء 
 قلت: ما
هو؟ ... 
قيل له:
دموع المرأة حين أعطيتها الرقاقتين . 
 فوزنت الدموع،
 فإذا بها كالحجر الصقيل وزناً .فثقلت كفة الحسنات، ففرحت
فرحاً شديداً ..  
 وأسمع المنادي كرة أخرى يقول: 
هل بقى له من شيء؟  
 فقيل: نعم
ابتسامة الطفل الصغير حين أعطيَت أمُه الرقاقتان ... 
وترجح كفة
الحسنات...و ترجح ...وترجح..  
وأسمع
المنادي يقول: لقد نجا ... لقد نجا 
 
 فاستيقظت من النوم فزعا أقول ما قاله لي أحمد بن مسكين حين رد إليّ إحدى الفطيرتين
: لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة. 
 
         
        

