بعض ما قيل في الحاكم والسلطان

رمضانيات

(29)

بعض ما قيل في الحاكم والسلطان

من عيون الأخبار

بتصرف: د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

- نحن الآن في روضة من رياض كتاب " عيون الأخبار " عنوانها " كتاب السلطان " نرى فيها حَكَم القدماء وتجاربهم في التعامل بين السلطان والرعية  ، نتأمل العلاقة بين طرفي الحياة الإنسانية – الحاكم والمحكوم -

-  قال ابن قتيبة رحمه الله تعالى : قرأت في اليتيمة – يتيمة الدهر للثعالبي -

    "مَثـَلُ قليلِ مَضارِّ السلطان في جنب منافعه

1-  مثـَلُ الغيث الذي هو سقيا اللّه وبركات السماء وحياة الأرض ومن عليها، وقد يتأذى به السّفر ويتداعى له البنيان وتكون فيه الصواعق وتدرّ سيوله فيهلك الناس والدواب وتموج له البحار فتشتدّ البليّة منه على أهله فلا يمنع الناس، إذا نظروا إلى آثار رحمة اللّه في الأرض التي أحيا ، والنبات الذي أخرج ، والرزق الذي بسط والرحمة التي نشر، أن يعظموا نعمة ربهم ويشكروها ويُلغوا ذكر خواصّ البلايا التي دخلت على خواصّ الخلق.  (وأقول : قد تكون النعم التي يعيش بها الكثير ويتلذذون بها أذى عند بعضهم الآخر فليس في حياة البشر خير محض للجميع ، فما تراه إيجابياً هنا تجده غير ذلك هناك ).

2-  ومثـُل الرياح التي يرسلها اللّه نشـُرا بين يديّ رحمته فيسوق بها السحاب ويجعلها لقاحاً للثمرات و أرواحاً للعباد يتنسمون منها ويتقلبون فيهم، وتجري بها مياههم، وتتقد بها نيرانهم وتسير بهم أفلاكهم. وقد تضرّ بكثير من الناس في برّهم وبحرهم ويخلص ذلك إلى أنفسهم وأموالهم فيشكوها منهم الشاكون ويتأذّى بها المتأذّون ولا يزيلها ذلك عن منزلتها التي جعلها اللّه بها وأمرها الذي سخرها له من قوام عباده وتمام نعمته.

3-  ومثل الشتاء والصيف اللذين جعل اللّه حرّهما وبردهما صلاحاً للحرث والنسل ونتاجاً للحب والثمر، يجمعها البرد بإذن الّله ويحملها ويخرجها الحرّ باذن اللّه وينضجها مع سائر ما يعرف من منافعها، وقد يكون الأذى والضرّ في حرّهما وبردهما وسمائمهما ( جمع سموم وهي الريح الحارّة ) وزمهريرهما وهما مع ذلك لا ينسبان إلا إلى الخير والصلاح.

4-  ومن ذلك الليل الذي جعله اللّه سكناً ولباساً وقد يستوحش له أخو القفر، وينازع فيه ذو البليّة والرّيبة وتعدو فيه السّباع وتنساب فيه الهوامّ ويغتنمه أهل الّسرق والسّلّة( المتسللون )، ولا يزري صغير ضرره بكثير نفعه، ولا يلحق به ذمّا ولا يضع عن الناس الحقّ في الشكر اللّه على ما منّ به عليهم منه.

5-  ومثل النهار الذي جعله اللّه ضياء ونشوراً وقد يكون على الناس أذى الحرّ في قيظهم ، وتصبّحهم فيه الحروب والغارات ويكون فيه النّصب والشّخوص( القلق والهمّ ) وكثير مما يشكوه الناس ويستريحون فيه إلى الليل وسكونه. ولو أن الدنيا كان شيءٌ من سرّائهم يعم عامة أهلهم بغير ضرر على بعضهم وكانت نعماؤهم بغير كدر وميسورها من غير معسور كانت الدنيا إذاً هي الجنة التي لا يشوب مسرتها مكروه ولا فرحَها ترحٌ والتي ليس فيهم نصب ولا لغوب، (كل جسيم من أمر الدنيا يكون ضرّه خاصةً فهو نعمةٌ عامة، وكل شيء منه يكون نفعه خاصاً فهو بلاءٌ عام ) "

-   وكان يقال: "السلطان والدين أخوان لا يقوم أحدهما إلا بالآخر".  

- قال ابن قتيبة : وقرأت في التاج لبعض الملوك: "هموم الناس صغار وهموم الملوك كبار وألباب الملوك مشغولة بكل شيء يجلّ ، وألباب السّوق مشغولة بأيسرالشيء، فالجاهل منهم يعذر نفسه بَدَعَة ما هو عليه من الرِّسلة ( الرخاء ) ولا يعذر سلطانه مع شدّة ما هو فيه من المؤونة، ومِن هناك يعزّر اللّهُ سلطانـَه ويرشده وينصره". أقول : رحم الله ابن قتيبة ، كان يحسن الظن بالسلاطين والملوك ، ولو علم ما نحن فيه من بلاء الحكام وجورهم على شعوبهم ، وخنوعهم للعدوّ وسفاهة الغالب منهم ، وإمّعتهم ، وبعدهم عن الحق لما قال ما قال.

-  سمع زياد ابن أبيه رجلاً يسب الزمان فقال: "لو كان يدري ما الزمان لعاقبته، إنما الزمان هو السلطان.  - وكانت الحكماء تقول: "عدل السلطان أنفع للرعية من خصب الزمان"

-  وروىالهيثم عن ابن عيّاش عن الشّعبي قال: "أقبل معاوية ذات يوم على بني هاشم فقال: يا بني هاشم، ألاتحدّثوني عن ادعائكم الخلافة دون قريش بم تكون لكم ، أبالرضا بكم أم بالاجتماع عليكم دون القرابة ؟ أم بالقرابة دون الجماعة أم بهما جميعاً? فإن كان هذا الأمر بالرضا والجماعة دون القرابة فلا أرى القرابة أثبتـَتْ حقاً ولا أسّسَتْ ملكاً، وإن كان بالقرابة دون الجماعة والرضا فما منع العباس عمّ النبي ووارثه وساقي الحجيج وضامن الأيتام أن يطلبها وقد ضمن له أبو سفيان بني عبد مناف ؟  وإن كانت الخلافة بالرضا والجماعة والقرابة جميعاً فإن القرابة خصلة من خصال الإمامة لا تكون الإمامة بها وحدها وأنتم تدّعونها بهم وحدها، ولكنا نقول: أحق قريش بهم من بسط الناس أيديهم إليه بالبيعة عليهم ونقلوا أقدامهم إليه الرغبة وطارت إليه أهواؤهم للثقة وقاتل عنها بحقها فأدركها من وجههم. إن أمركم لأمرٌ تضيق به الصدور، إذا سئلتم عمّن اجتمع عليه من غيركم قلتم حقٌّ. فإن كانوا اجتمعوا على حقّ فقد أخرجكم الحقّ من دعواكم. انظروا: فإن كان القوم أخذوا حقكم فاطلبوهم، وإن كانوا أخذوا حقّهم فسّلموا إليهم ، فإنه لا ينفعكم أن تروا لأنفسكم ما لا يراه الناس لكم. فقال ابن عباس: ندّعي هذا الأمر بحقّ من لولا حقّه لم تقعد مقعدك هذا، ونقول كان ترك الناس أن يرضوا بنا ويجتمعوا عليّنا حقًّا ضيّعوه وحظًّا حُرِموه، وقد اجتمعوا على ذي فضل لم يخطىء الورد والصّدر، ولا ينقص فضلَ ذي فضلٍ فضلُ غيره عليه. قال اللّه عز وجل: "ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله"، فأما الذي منعنا من طلب هذا الأمر بعد رسول الله فعهدٌ منه إلينا قبلنا فيه قوله ودِنّا بتأويله، ولو أمرنا أن نأخذه على الوجه الذي نهم نا عنه لأخذناه أو أعذَرنا فيه، ولا يعاب أحد على ترك حقه إنما المعيب من يطلب ما ليس له، وكل صواب نافعٌ ، وليس كل خطأ ضارّاً، انتهت القضية إلى داود وسليمان فلم يُفـَهـَّّمها داود وفـُهـِّمها سليمان ولم يضرّ داود. فأما القرابة فقد نفعت المشرك وهي للمؤمن أنفع، قال رسول اللّه: "أنت عمّي وصنو أبي ومن أبغض العباس فقد أبغضني، وهجرتك آخر الهجرة كما أن نبوّتي آخر النبوّة وقال لأبي طالب عند موته: "يا عم قل لا إله إلا اللّه أشفع لك بها غداً ، وليس ذاك لأحد من الناس.( والمقصود بذلك أنه حضره الموت وهو في الغرغرة )  قال اللّه تعالى: "وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً".

- وقال كسرى لشيخ جالس عنده : "لا تنزل ببلد ليس فيه خمسة أشياء: سلطان قاهر، وقاض عادل، وسوق قائمة، وطبيب عالم، ونهرٌ جارٍ".أقول : كان قول كسرى حكمة ، فما من مكان وجد فيه هذه الأمور الخمسة إلا كان ممرعاً وكانت الحياة فيه هنيّة للعامة

- وسأل أبو هريرة رضي الله عنه العجاج : ممن أنت? قال: قلت من أهل العراق. قال: يوشك أن يأتيك بقعان الشأم ( خدمهم وعبيدهم ) ، فيأخذوا صدقتك فإذا أتوك فتلقّهم بها ،  فإذا دخلوها فكن في أقاصيهم وخلّ عنهم وعنها. وإيّاك أن تسبّهم ، فإنك إن سببتهم ذهب أجرك وأخذوا صدقتك ، وإن صبرت جاءتك في ميزانك يوم القيامة"، وفي رواية أخرى أنه قال: "إذا أتاك المصدّق( من يجمع الضرائب ) فقل: خذ الحق ودع الباطل، فإنْ أبى فلا تمنعْه إذا أقبل ، ولا تلعنه إذا أدبر فتكونَ عاصياً خفـَّف عن ظالم".

-  وكان يقال: "طاعة السلطان على أربعة أوجه: على الرغبة، والرهبة، والمحبة، والديانة ".

- وقال ابن قتيبة : وقرأت في بعض كتب العجم كتباً لأردشير بن بابك إلى الرعية،: "من أردشير الموبَذ ذي البهاء ملك الملوك ووارث العظماء، إلى الفقهاء الذين هم حملة الدين، والأساورة الذين هم حفـَظة البيضة، والكتـّاب الذين هم زينة المملكة، وذوي الحرث الذين هم عمرة البلاد. السلام عليكم، فإنا بحمد اللّه صالحون وقد وضعنا عن رعيتنا بفضل رأفتنا إتاوتها الموظّفة عليهم. ونحن مع ذلك كاتبون إليكم بوصية: لا تستشعروا الحقد فيدهمكم العدوّ، ولا تحتكروا فيشملكم القحط، وتزوّجوا في القرابين فإنه أمسّ للرحم وأثبت للنسب، ولا تعدّوا هذه الدنيا شيئاً فإنها لا تبقى على أحد ولا ترفضوها مع ذلك فإن الآخرة لا تنال إلا بها". أقول : هذا دليل افهم والحكمة والتجربة ،إلا أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقد نصح بالزواج من أباعد النساء كي يُحافظَ على النسل ، فلا يضوى ، وقد أثبت العلم الطبي صحة ما ذكره الفاروق رضي الله عنه .

- وكتب أرسطاطاليس إلى الاسكندر كتاباً يقول فيه :  "املك الرعية بالإحسان إليها تظفر بالمحبة منها، فإن طلبك ذلك منهم باحسانك هو أدوم بقاءً منه باعتسافك، واعلم أنك إنما تملك الأبدان فتخطّهم إلى القلوب بالمعروف، واعلم أن الرعية إذا قدرت على أن تقول، قدرت على أن تفعل، فاجهد ألا تقول تسلم من أن تفعل".

- وقال بعض ملوك العجم  في خطبة له: "إني إنما أملك الأجساد لا النيات ، وأحكم بالعدل لا بالرضا ، وأفحص عن الاعمال لا عن السرائر".

-  ونحوه قول العجم: "أسـْوَسُ الملوك من قاد أبدان الرعية إلى طاعته بقلوبها".

- وقالوا: " لا ينبغي للوالي أن يرغب في الكرامة التي ينالها من العامة كرهاً ولكن في التي يستحقها بحسن الأثر وصواب الرأي والتدبير".

- وكان أنوشروان إذا ولّى رجلاً أمَرَ الكاتب أن يدع في العهد موضع أربعة أسطر ليوقّع فيه بخطه فإذا أتي بالعهد وقّع فيه: " سـُسْ خيار الناس بالمحبة ، وامزج للعامة الرغبة بالرهبة ، وسـُسْ سفلة الناس بالإخافة".

- قال المدائني: " قدم قادم على معاوية بن أبي سفيان فقال له معاوية: هل من مُغـَرّبة خبر? قال: نعم، نزلت بماء من مياه الأعراب فبينا أنا عليه إذ أورد أعرابي إبله ، فلما شربَت ْ ضرب على جنوبها وقال عليكِ زياداً. فقلت له: ما أردت بهذا? قال: هي سدًى، ما قام لي بها راعٍ مذ ولِيَ زياد. فسرّ ذلك معاوية وكتب به إلى زياد". أقول :ولقد قال الأقدمون : إن العدل أساس الملك ، وهذا كان شأنَ زياد فقد جمع بين اللين والشدة والعدل فارتاح الناس .

- قال عبد الملك بن مروان: "أنصفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر! ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكر وعمر! نسأل اللّه أن يعين كلاً على كل".

- وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: "إن هذا الأمر ( سياسة الأمة ) لا يصلح له إلا اللّيّن في غير ضعف والقويّ في غير عنف".

- وقال عمر بن عبد العزيز: "إني لأجمع أن أخرج للمسلمين أمراً من العدل فأخاف أن لا تحتمله قلوبهم فأخرج معه طمعاً من طمع الدنيا، فإن فرّت القلوب من هذا سكنت إلى هذا".

- قال معاوية: "لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرةً ما انقطعت. قيل: وكيف ذاك? قال: كنت إذا مدّوها خلّيتها وإذا خلّوها مددتها". هكذا ينبغي أن يكون الحكام ، وقد غابت عن الكثير منهم فكانوا كالذئاب فظاظة ، وكالثعالب مراوغة .

- ونحو هذا قول الشّعبي فيه: "كان معاوية كالجمل الطّبّ، إذا سـُكت عنه تقدّم وإذا رُدّ تأخر( والجمل الطبّ الحاذق بالمشي وهو الذي لا يضع قوائمه إلا حيث يُبصر ) وقول عمر فيه: "احذروا آدم قريش وابن كريمها ، من لا ينام إلا على الرضا ويضحك في الغضب ، ويأخذ ما فوقه من تحته".

- وأغلظ له رجل فحلم عنه ، فقيل له: أتحلم عن هذا? فقال: "إني لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا".

-  كان يقال: "لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال ولا مال إلا بعمارة ولا عمارة إلا بعدل وحسن سياسة".

-  قال زياد: "أحسنوا إلى المزارعين فإنكم لا تزالون سماناً ما سمنوا".

- وكتب الوليد بن عبد الملك إلى الحجاج يأمره أن يكتب إليه بسيرته ، فكتب إليه: "إني أيقظت رأيي وأنمت هواي، فأدنيت السيد المطاع في قومه، ووليت الحـَرِب الحازم في أمره، وقلّدت الخراج الموفرّ لأمانته، وقسمت لكل خصم من نفسي قسماً يعطيه حظّاً من نظري ولطيف عنايتي، وصرفت السيف إلى النّطِف ( المريب )المسيء ، والثواب إلى المحسن البريء فخاف المريب صولة العقاب، وتمسك المحسن بحظه من الثواب".

- وكان يقول لأهل الشام: "إنما أنا لكم كالظّليم الرائح عن فراخه: ينفي عنها القذر ويباعد عنها الحجر،  ويكنّها من المطر ، ويحميها من الضّباب ، ويحرسها من الذئاب. يا أهل الشام نحن الجُنّة والرداء ، وأنتم العدّة والحِذاء".

- فخر سـُليم مولى زياد بزياد عند معاوية فقال معاوية: "اسكت ما أدرَكَ صاحبك شيئاً قطّ بسيفه إلا وقد أدركتُ أكثر منه بلساني".

- وسأل الوليدُ أباه عبد الملك : يا أبت ما السياسة? قال: "هيبة الخاصّة مع صدق مودّتها ، واقتيادُ قلوب العامة بالإنصاف لها ، واحتمالُ هفواتِ الصّنائع".

-  وفي كتب العجم: "قلوب الرعية خزائن ملوكهم فما أودعتهم من شيء فلتعلم أنه فيها".

- ووصف بعض الملوك سياسته فقال: "لم أهزل في وعد ولا وعيد ، ولا أمر ولا نهي ، ولا عاقبت للغضب واستكفيت على الجزاء ، وأثبُتُ على العناء لا الهوى، وأودعت القلوب هيبة لم يشبها مقت ، وودّا لم تشـُبه جرأة ، وعمّمت بالقوت ومنعت الفضول".

- قال أبرويز لابنه شيرويه وهو في حبسه: "لا توسعنّ على جندك فيستغنوا عنك ، ولا تضيقنّ عليهم فيضجّوا منك، أعطهم عطاء قصداً ن وامنعهم منعاً جميلاً ، ووسّع عليهم في الرجاء ، ولا توسّع عليهم في العطاء".

- ونحوه قول المنصور في مجلسه لقوّاده: صدق الأعرابي حيث يقول: أجع كلبك يتبعك. فقام أبو العباس الطّوسي فقال: يا أمير المؤمنين أخشى أن يلوّح له غيرك برغيف فيتبعه ويدعك.

- وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعريّ: "أما بعد، فإن للناس نفرةً عن سلطانهم فأعوذ باللّه أن تدركني وإياك عمياء مجهولة وضغائن محمولة، أقم الحدود ولو ساعة من نهار، وإذا عرض لك أمران: أحدهما للّه، والآخر للدينا فآثر نصيبك من اللّه ، فإن الدنيا تنفد والآخرة تبقى، وأخيفوا الفسّاق وأجعلوهم يداً يداً ورجلاً رجلاً، وعُد مرضى المسلمين ، واشهد جنائزهم ، وافتح لهم بابك ، وباشر أمورهم بنفسك ، فإنما أنت رجل منهم غير أن اللّه جعلك أثقلهم حملاً، وقد بلغني أنه قد فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلهم ، فإياك يا عبد اللّه أن تكون بمنزلة البهيمة مرّت بوادٍ خصيب فلم يكن لها همٌّ إلا السّمن ، وإنما حتفها في السمن، واعلم أن العامل إذا زاغ زاغت رعيّته، وأشقى الناس من شقي الناس به، والسلام". فلو كان حكام الأمة كما قال الفاروق عمر لكنا خير الناس ، ولكن صار الحكم مغنماً وتركه مغرماً

- كلم الناسُ عبدَ الرحمن بن عوف أن يكلم عمر بن الخطاب في أن يلين لهم ، فإنه قد أخافهم حتى إنه قد أخاف الأبكار في خدورهنّ. فقال عمر: إني لا أجد لهم إلا ذلك، إنهم لو يعلمون ما لهم عندي ( من الحب والرحمة )لأخذوا ثوبي من عاتقي".

- قال: وتقدمت إليه امرأة فقالت: "يا أبا عمر حفص، اللّه لك. فقال: ما لك أعقِرتِ? أي دهشت، فقالت: صلعتُ فرقتك.وهي تريد ( فرقتُ صلعتَك ) تريد أنها نظرت إليه فخافته

-  قال أشجع السلميّ يذكر رأيه في صفة السلطان :

لا يُصلح السلطانَ إلا شدّة      تغشى البرء بفضل ذنب المجرم

ومن الولاة مُقَحّم لا يُتّقى       والسيف تقطر شفرتاه من الدم

أقول : هذا الذي أوصلنا إلى الذل والخوف ، فالبريء يُؤحذ بجريرة المذنب ، وطعت القوة على الحق واختلط الجابل بالنابل .

-  كان يقال: "شر الأمراء أبعدهم من القرّاء، وشر القرّاء أقربهم من الأمراء".

والمقصود : بئس العلماء على أبواب الأمراء ، ونعم الأمراء على أبواب العلماء.

- كتب عامل لعمر بن عبد العزيز على حمص إلى عمر: "إن مدينة حمص قد تهدّم حصنها ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في إصلاحه فكتب إليه عمر: "أمّا بعد، فحصّنهم بالعدل، والسلام".

- وأخيراً ذكر أعرابي أميراً فقال: "كان إذا ولِيَ لم يطابق بين جفونه ، وأرسل العيون على عيونه، فهو غائب عنهم ، شاهد معهم، فالمحسن راجٍ والمسيء خائفٌ ".