الشهيد المجهول

شعر: فؤاد الخطيب

يا جِيرةَ البانِ هل من يسأل البانـا    إن كان فيه صدىً من رَجْع شكوانا

فـكم ابـدَّلَت الأفـنانُ  مُصغيـةً    إليه، وانـتفضَ الـنوّارُ يقظـانـا

والتفّتِ الوُرْقُ أسراباً  مُصفـقـةً    على الكثيب تـبثُّ الوجدَ  ألحانـا

والريحُ تهمسُ في الآذان  مُلهمـةً    والزهرُ ينصـبُ للإلهـام  آذانـا

      

تلك الملاعب أقوتْ وانطوتْ حججٌ   أمستْ جَوّى وضحى برحاً وأشجانا

تسرَّبتْ في حنايا الصدر فانعقـدتْ   هماً تعجُّ به الأنـفـاسُ  نيـرانـا

هي (الهمومُ) فسلْ عنها الخبيرَ بها    إنّ (الهمومَ) تصبُّ الويـل ألوانـا

بالله لو فعلتْ في الجسم ما فعـلت     في النفس لم يَعرفِ الإنسانُ إنسانا

وأصبحَ الناسُ غيرَ الناسِ من صُوَرٍ   شنعاء تمنحهم شِيبـاً  وولـدانـا

حتى (الطبيعةُ) تلقاهـم  فتـُنكرهم    وإن رأتْ قبلـهم جِنـّاً وغِيلانـا

فليتَّـقِ اللهَ قـومٌ بين أضـلعـهم    غيظٌ تفجَّـرَ أحقـاداً وأضـغانـا

أهوتْ بهم لعنةُ الأجيال تقذفُـهـم    في وجه إبليس صخّابـاً ولعانـاً

لم تنتقل قـدمٌ منهـم إلى  عمـلٍ    حقٍّ يكون على الإخلاص برهانـا

وحولَهم ضجةٌ من كل ذي  مَلَـقٍ    سـمـجٍ وكل وَقاح لـجَّ تبـيانـا

مستهترين فما يخشون من  شطَطٍ    مُستَوفزين لجمع السُّحتِ  وُحدانـا

يمشون في الغَيّ والأهواء ترفعهم    كالشِرْكِ يرفـع أنصابـاً وأوثانـا

وكـم هـنالك دجّـالٌ لـه زبـدٌ    مـن فوق شدقَيهِ يخفى الدجْل إيقانا

يُبدي الحماسة إرغاء ، فإن بلغتْ     حـدَّ التَّشَنُّج ضـجَّ القـومُ إيمانـا

وكم شهدتَ جموعَ الخلق  مطبقـةً    على الطـريق مشاةً فيه رُكـبانـا

تترى المواكب والأبصارُ خاشعـةٌ    إلى العـواقب حتى كان  ما كانـا

والعفو أقرب ما استدنيتَ من أمل     من منعم وسِع الأكـوان غفرانـا

      

صبراً على العصبة المزورِّ جانبها    مـن فرط ما احتملت بغياً وعدوانا

وكيف تنقم منـها عنـد محنتهـا     عنـفاً تجيش به الألفـاظُ أحيانـاً

ولمحةً شَزْرةً أو لفتـةً  ثقُـلـتْ     عليك أو خُـلقاً وَعـراً وخذلانـا

فانظرْ إلى النسم العلويّ منطلقـاً      فـوق الجبال يجرُّ الذيلَ نشوانـا

فإن هو انحطَّ منها اعتلَّ مـن كمدٍ    وارتـدَّ ملتهبَ الأنفاس غَضبانـا

فاندسَّ تحت ذيولِ الأيك  مختبئـاً      وانسلَّ بين زوايا الصخر حيرانا

فكيف بالنفس من عَليائها انحدرتْ     والنفسُ أصدقُ إحسـاسـاً ووجدانا

فإن يكنْ حظ حلفِ الدسّ طنطنـةً     وكان حظُّ سَريّ النفـس حـرمانا

فالشمسُ تظهر للعينين قد نقصتْ      لدى الكسوف وتأبى الشمسُ نقصانا

      

يا بنتَ يَعربَ كم من مُوجَع دَنفٍ       لم تذكريه فلم يجحـدْك نسـيانـا

يذود عنكِ خفيَّ الختل  منغمـساً      في الهول يحمل ما يُرضيك جَذلانا

كم خاض معركةً خرساء  دامية       شبَّتْ وأمعن فيه السـيفُ إثخانـا

فلم يجشَمكِ عبءَ المنّ منتفخـاً       بالعُجبِ واحتمل الآلام  كتمـانـا

وأنتِ يُلهيكِ عنه الصائحون معاً      حباً فتنبينَ إعراضـاً وهجـرانـا

يا ويحَ جنديِّكِ المجهولِ  منجدلا      على الصّعيد سليبَ الثوب  عريانا

قد مات دونكِ لم يمننْ عليك أبداً      ولم ينل منكِ عند المـوت أكفانـا

      

مهلاً فصحُبكِ والتاريخ يوم  غدٍ     سـيـرفعان غِشاء يُسـدَل الآنـا